مهما تغيرت الدنيا، ومهما تبدلت الأحوال، تطورت أو تراجعت، تقدمت او انتكست، تظل الطباع حاكمة، تفرض وجودها وتسيّر صاحبها كما سيّرت أجداده وإن اختلفت أدواته.
هكذا، تستمر الحقيقة الإنسانية بالتواجد مدى الدهر، تبقى ثابتة وسط المتغيرات ويصبح الشيء الوحيد المتسالم به هو أن التغيير لا يطول جوهر الإنسانية التي لا تزال متعطشة للسير نحو «اللا محدود» لتتخلص من شعور الضعف، والمحدودية، والضآلة، فتبحث عمن ينتشلها من هذا القاع، بالنجوم الهداة.
قبل سنة، كتبت تعليقًا، لكن تعليق آخر قرأته اليوم أعاده لذهني، فرأيت أن أعيد نشره:
في سورة يوسف اشارة لطيفة ، عندما رأت صويحبات زليخة يوسف عليه السلام «فلما رأينه اكبرنه وقطعن أيديهن»
كيف لرؤية يوسف – عليه وعلى نبينا و آله السلام - أن تجعل الإنسان ينذهل و ينصرف حتى عن نفسه لدرجة ان يقطع يده دون أن يشعر ؟
-- -- -- -- -- -- -- -- -- -- --
هل كان البحث عن السلطة هو الدافع للثورة؟
إجابة هذا السؤال تحتاج لمجلدات ولا تكفيها الكلمات، لأنها تستدعي استقراء حياته وبيئته وأسرته، ثم مقامه ودعواته، وأخيرًا مواقفه وآرائه، بالتفصيل كي يمكن استنباط الإجابة مدعمة بأدلة لا ترد. كل ما يمكن قوله أن السلطة هي مجرد حكومة، أداة تنفيذية باطنها الصراع.
دينيًا، هذا الاشكال يسقط بمجرد معرفة مقام الإمامة، وماهو؟ وما هي مستلزماته؟
ما يعنيه هذا المسمى بمعناه الخاص، يقود إلى فهمٍ واضح أن الرئاسة الدنيوية لا تعني الإمامة، والإمامة ليست بحاجة لرئاسة دنيوية، أو البقاء على رأس سلطة كي تثبت. فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله ابتدأ الدعوة وهو مُحارب ومعزول في مكة المكرمة، ولم يقم الإمام علي عليه السلام على رأس الخلافة أو الحكومة الظاهرية إلا بعد ثلاثين سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وهذا الإمام الحسن عليه السلام في هدنته يترك الكوفة عائدًا للمدينة المنورة، ولا يوجد طوال التاريخ من أنكر المقام الديني لهم بمجرد عدم حيازة مقام الرئاسة.
اجتماعيًا، فإن البيئة التي خرج الإمام الحسين عليه السلام من رحمها لا تغذيه بمفهوم البحث عن السلطة، وإذا كانت الظروف الإجتماعية هي من تصنع الإنسان أخلاقيًا وسلوكيًا وتصيغه بقالبها كما يذهب لذلك الحداثيين من عُلماء الاجتماع فإن هذه الظروف في حال دراستها لا تظهر أنها تقود للبحث عن رئاسة ظاهرية وضعية، فمن أين يأتي هذا الشغف بها؟ يظل هذا السؤال حائرًا في بحثه عن إجابة منطقية.
سياسيًا، فإن الإمام عليه السلام حورب في حياته، وبعد مماته، وهذا قبره يقف شاهدًا على الاهوال التي جرت عليه وكم من مرة دمر ونهب ووصل الامر إلى حرثه في عهد المتوكل وإجراء ماء الفرات عليه، وقتل الزائرين وتخويفهم، والإساءة إليه حتى قال ابن العربي عنه أنه قتل بسيف جده! والعياذ بالله، مع هذا كله لم يجرا أحد على أن يشير في كل المصادر والمقاتل والتواريخ التي وصلت لنا أن لسانه نطق يومًا بان تحركه كان هدفه السلطة. تفاهة هذا الإتهام تتضح من موقف أبيه عليه السلام منها.
تاريخيًا، فإن الذي يطلب السلطة، لا يطلب الموت، والذي يطلب السلطة لا يرفض المداهنة، والذي يطلب السلطة، لا يقاتل 30 ألفًا بـ 72 رجلاً.
هذا البحث يمكن التوسع فيه أكثر، ولكن ليس مجاله الآن، غاية ما يمكن أن يُقال أن الإلتباس في فهم معنى الإمامة وما فرضته الظروف من قيام الحسين عليه السلام هو الذي يدفع غير المطلعين لمثل هذه الاتهامات الباطلة.
-- -- -- -- -- -- -- -- -- .
يصف العقاد بعض المؤرخين بالتجار، لانهم يقيسون الحوادث بمقاييس الربح والخسارة، فإذا خسر طرف ظاهريًا هو خاسر بكل شيء، وإذا ربح فهو المنتصر الوحيد.
أصحاب هذا المفهوم ينظرون من زاوية ضيقة إلى زوايا أضيق في الحوادث التاريخية، ومنها الثورات. المنطق يقتضي معرفة ما يصبو إليه صاحب الثورة، ومنها يتحدد ربحه من خسارته، ففي أحيان كثيرة تكون الهزيمة خيرٌ من ألف انتصار.
فيما سبق كتبت «.. فإذا صارت يتم محاسبتها –أي الثورة- على انجازاتها، والتي هي مقايسة ما بين الشعارات التي رفعتها وما بين ما حققته منها في الواقع..»، وهكذا يتم القياس، بين الهدف والغاية، وما ترسله دعواتهما في التاريخ.
ألقت ثورة الحسين عليه السلام الحجة على كل الناس، ومن يومها صارت عنوانًا لطلب أي إصلاح، ومعالجة أي فساد ظاهر، فمقتل اولئك الثوار كان لهدف، وهذا الهدف يعيش إلى يومنا هذا ويحضر.
ولكن أين أصحاب النصر ذلك اليوم؟
.
- لبيك داعي الله إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك، ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري.