31 يناير 2011

السلب والنهب كواقع

الحضارات تقدّم تاريخًا وأفكارًا، والأفكار لا تعلّم الأمم بقدر ما تعلمهم الآلام. فهي بالنهاية تشكل جزءًا من ثقافة الأفراد المنحدرون منها، لكنها لا تضع طبيعة موّحدة لهم. فتجارب الحضارات تقدّم مخزونًا ثريًا لشعوبها في حال استمرار توارثها والحفاظ عليها، وحيث تتوالى التجارب يزداد تأثيرها في تشكيل الهويّة الشخصية لأبنائها.

إلاّ أن محاولة تأسيس حضارة جديدة تلغي كل تجارب الحضارة السابقة يمثل قطعًا في طريق تدفق هذه الخبرات بما تحتويه من أعراف اجتماعية وآداب أخلاقية تشكل بمجملها هويّة لأفراد هذه الحضارة. اليابان على سبيل المثال التي تمتلك حضارة ممتدة من أكثر من ألفي عام إلى الآن، لا تزال ترفد شعبها بخلاصة هذه الحضارة مشكلة هويّة مميزة لهم، لم ينفصل حاضرها عن ماضيها.

بينما باتت الحضارة التي يتم التغزّل بها في بلداننا العربية مجرد كلمات مسطورة في كتب التاريخ، لم تعد تملك تأثيرًا أو امتدادًا مع الحاضر في ظل التقافز عليها، ولا ينفع استمرار التغني بها وبانجازاتها لإدّعاء لبس أثوابها. فالحضارة المندثرة لا تملك عصا سحرية تنثر من خلالها مفاهيم الحرية والعدالة والتحضر على شعوب تسكن أرضها، ودورها أصبح مقصورًا على استدعاء أسماء حكامها في دروس التاريخ، والأعياد الوطنية.

الشعوب لا تصيغ طبيعتها الحضارات، إنما الأنظمة الحاكمة، والناس على دين ملوكهم [ لا على شاكلة حضاراتهم!] إن شاؤوا التحضر أنتجوا شعبًا متحضرًا، وإن شاؤوا التخلف فلن يتركوا خلفهم إلا التخلّف. فالمحصلة هي أنه في ظل تأسيس دول جديدة بمفاهيم جديدة في كل عقد بدولنا العربية، وكلما اعتلت أمة منصة السلطة نسفت تاريخ ما قبلها، فإنه لا يحق لها التبجح بتراث قطعت كل صلتها معه، ولم تأخذ في يوم من الأيام العبرة منه.

هذه المقدمة مهمة حتى أوّضح أن جذور الشعوب مهما توغلت بالقدم وأنتجت من آثار، فهذا لا يعني أنها تملك ضمانة من العبث، ومانعًا من الإنزلاق نحو العودة إلى تصرفات الإنسان الأول التي وصفها (وِلْ ديورانت) بالاستجابة التامة للغريزة، والميل إلى القتال، والولع بالاكتساب.

هذه الجذور يهذبها النظام، فالأنظمة بالبيئة التي تخلقها توّفر مجالات النمّو لطبائع شعوبها، وتعيد تشكيل مفاهميهم تجاه الأخلاقيّات، وفي ظلّ نظام يحكم باسم قانون الطوارئ، وبشريعة الحزب الواحد، وباقتصاد رجال (أو لصوص) الأعمال، وبأمية وصلت إلى قرابة 28% من تعداد الشعب، ونسبة فقر تخطت 52% منه، وتطورها العمراني هو بالعشوائيات التي غزت المدن المكتظة، وبقبضة أمنية مستبدة، وبرأس سلطة هرم، وبدستور أعرج، كلها مجتمعة خلقت بيئة جعلت من الشعب يشعر بالنفور التام من كل الشعارات التي تضعها السلطة حتى وإن كانت تشير لتنظيم المصالح الشعبوية، ومن ثمّ يبدأ بتربية نفسه وفق القواعد التي تتطلبها الحياة القاسية التي تحيط بهم. إنّ نسبة التعليم، وحجم الطبقة الوسطى والنظام الإداري للسلطة هي التي تُشكّل عقلية الفرد بالمجتمع.

سألَ جيجيس أفلاطون: من يَلزَم الاستقامة إذا أمِن الناس ألاّ يراهم أحد؟

يبقى هذا السؤال ما بقي البشر. فكل التصرفات التي يقومون بها إما تنطلق من باعث داخلي تزرعه فيه البيئة التي يحيا فيها، أو تنطلق من «الخشية» من رؤية العين الرقيبة له. فإذا كانت العين هي نظام مترهل يقاتل للبقاء وهو على وشك السقوط، فهذا يفسح المجال للعودة إلى السنن الأول للإنسان القديم، وتبدأ عمليّات السلب والنهب، ولا زلت أتذكر مثل هذه العملّيات بعد اندحار الجيش العراقي من الكويت، ففي الحين الذي يغيب فيه القانون، ويضعف صوت الفطرة، تسود شريعة الغاب التي تديرها الأنانية للحصول على أكبر قدر من المكتسبات بشتّى الذرائع أبرزها تصور الحق بتمّلك ما تركه الآخرون.

في الحالة المصرية، من يقوم بهذه الأعمال يرى فيما يسرقه حقًا من حقوقه قام النظام المتسلط بعملية استيلاب منظمة له على مدار عقود من الزمن، وتحت راية الظلم والطغيان الذي حرق بناره هؤلاء، فإنّ مثل هذه الأمور متوقعة جدًا لكونها ردود فعل غريزية تنطلق من خلفية اجتماعية/اقتصادية مليئة بالحرمان والاستبداد وسلب الحقوق أسسها النظام الحاكم. نفس هذه الحالة تكررت في العراق صاحب الحضارة التي انتجت أوّل شريعة في تاريخ البشرية، بعد سقوط نظام البعث المجرم، وهي قابلة للحدوث في أي مجتمع بشري آخر.

لا يمكنك أن تلوم الجائع على عدم إلتزامه بآداب المائدة، كذلك لا يمكن لوم حالات الإنفلات هذه التي تتصرف بنداء الغريزة لا بقانون العقل، لأنها نمت في بيئة تشجع الاستحواذ وتوّقر الوصولية وتحترم القفز على أي أخلاقيات تكفل نظام المجتمع، ووجدت فرصتها في غياب عين الرقيب لارتكاب ممارسات كانت حصرية على النظام ورجاله سابقًا.

إنّ إبراز مثل هذه الصور وتركيز النظر عليها بغض النظر عن الظروف التي تحيط بها هو وصمة عار في جبين النظام الذي يحاول استغلالها لإثبات عبثية المتظاهرين، واتهامهم بالفوضى والسلب والنهب، لأنّ هذه الأعمال هي وليدة سياسة النظام، وابنة شرعية لمنهجيته في إدارة البلاد. إبرازها بهذا الشكل لا يخدم الصورة التي يحاول النظام نشرها، بل يقدّم تبريرًا لجموع المتظاهرين لاستمرار ثورتهم لكونه يشير إلى مدى الحرمان الذي كبّلهم به، ومدى الجوع الذي دفعهم إليه، وإلى أيّ حالة من مسخ الهويّة الحضارية أوصلهم إليه، هذا النظام، وآن أوان التخلّص من من أدرانه النتنة.

25 يناير 2011

ماذا بعد الـمعارضـة؟

أكتب الآن وأمامي ثلاثة ملفات سياسية ساخنة، سياسية بامتياز تعبّر عن الصراع السياسي بوجهه الحقيقي. الملف الأوّل هو الملف اللبناني الذي نجحت فيه المعارضة بتحويل خسارتها المفاجئة في الإنتخابات النيابية الماضية إلى انتصار وقّع عليه أغلبية الشارع اللبناني.

هذه الممارسة السياسيّة ذات النفس الطويل، وامتصاص الصدمة المفاجئة، تنبئ عن وجود أهداف رئيسية هي الغاية صيغت لها طرق متعددة، قد يبدو بعضها ممكنًا وفي اليد فيُعتمد عليه، وتُترك باقي الطرق على الرف، فإن فشل الأول تم اللجوء للباقين. العمل نحو تحقيق هذه الأهداف يضع باعتباره جميع العقبات، ويحدد التعامل المناسب معها، بحيث لا يكون هناك مجال للعفوية، أو العبثية، أو المواقف وليدة اللحظة.

الملف الثاني هو الملف التونسي، بعد انقشاع سكرة الانتصار بدأت التسريبات عن الساعات الأخيرة بالظهور. بات من الواضح أن ابتعاد زين العابدين كان تضحيةً ثمنها إبقاء النظام. تونس تختلف عن جاراتها بأنّ بورقبية استلهم النموذج الأتاتوركي بصورة عربيّة محسنّة، وعمل بكل ما بوسعه لتأسيس الدولة على هذا المفهوم وهو ابقاء النظام بغض النظر عن الرأس بالسلطة، حيّد الجيش، ففي دولة صغيرة بين عمالقة لا توجد مهام واقعية ترتبط به، وفعّل الأمن الداخلي مؤسسًا لنظام علماني، مدني، تكفل المؤسسات القائمة تفردّه بالسلطة وتحكم أي شخص يعتليه بالسير في هذا الإتجاه.

حين هرب "بن علي"، أراد بهروبه اكمال عملّية التجميل لوجوه السلطة في سبيل الحفاظ على النظام القائم، لكن خاب من افترى، وأثبت الشعب التونسي أنه واعٍ لهذه اللعبة، ومطالبه ليست بتغيير «أشخاص» إنما بنظام مؤسساتي كامل. لا يريد الترميم، بل إعادة البناء، والهدف هو قطع الماضي، وبناء الحاضر لأجل تشييد المستقبل.

الملف الثالث هو الملف المصري، من المفترض أن يكون اليوم «يوم الغضب» وشرارة الثورة، لكنه حسب الظاهر سينتهي كعشرات الأيّام غيره دون أن يأتي بالجديد، مقارنة بالملفين السابقين يبقى النظام المصري الوحيد القادر على مجابهة الشارع رغم كل الغضب الشعبي العارم، والحالة المتردية التي تمثل أرضًا خصبة لأي حالم بالثورة التي قد تولد في أية لحظة وتجرف معها كل شيء.

الشيء المشترك بين الملفات الثلاثة هو دور الذكاء السياسي الذي يتمثل في الهدف وصولاً إلى الغاية. فالعبثية تذبح أي فعلٍ، والعشوائية هي شهادة وفاة مبكرة لأي تحرك في الشارع، واقرار بالهزيمة المبكرة، وغالبًا ما تكون هذه العشوائية وليدة الضعف الفكري الذي يجمع الفرقاء، فهم بحسب أفلاطون مثل «مُروّض أوكلت إليه العناية بوحش كبير قوي» يهتمّ بمداراته أكثر من دراسته.

في تونس انطلقت المظاهرات بشعار «أنا تونس، كلنا تونس»، وفي لبنان كان التحرّك واضحًا ومتوافقًا شعبيًا وسياسيًا لرفع اليد الأمريكية عن رأس السلطة التي عطلت البلاد وشلّته وهي على شفير وضع لبنان بأكمله تحت البند السابع لمجلس الأمن، أي سلب السلطة نهائيًا من الدولة! وفي مصر التي سمح النظام بها بالصراخ ضده، استطاع أن يحافظ على يده الطولى في الإمساك بالبلاد دون أن يتأثر، احتوى المعارضة بتحويلها إلى معارضة صراخ وخطابات ونزول إلى الشوارع بعد أن انتزع من حركتها «الغايـة».

قدرة الامتصاص الكبيرة التي يمتكلها النظام المصري، هي بسبب هامش الحريّة النسبيّة للصراخ الذي وهبه مجانًا للشعب، بعد أن سلبه كل معاني الحياة الكريمة، لأنه يعلم أنّ الصراخ لا يزيل البنيان، والنحيب لا ينتزع الحقوق. أصبح سب الحكومة بدءًا من الرئيس وانتهاءًا بأصغر موظف في أحقر دائرة وشتمها واتهامها بالعمالة والفساد يجري على كل لسان، ويتكرر في كل موقف يصادف المواطن في كل يوم، إلى درجة غدت بها مثل هذه الألفاظ تعبيرًا بليغًا تجري مجرى الأمثال والحكم.

أصبحت المعارضة المصرية - حتى الآن أقلاً-، دون وعي منها، رهينة بالحكومة، هي التي تغذيها متعمدة بالقضايا، وتثير الأزمات بلا مقابل، لتعطي الذريعة للمعارضة التي تبدأ تلقائيًا بتلقفها والصراخ بها، وتُشعل الصحف بالمقالات، وتنتهي ساعات البثّ التلفزيوني وخطابات التذمّر لم تنته، ووصلات السخريّة التلفزيونية، والنقمة الشعبية لم تنته، وتخرج الجموع للشوارع هاتفة ليعود كل منهم لفراشه ليلاً بعد أن أتمّ وجبته النضالية، وبقيت الحكومة كما هي تسيّر الأمور مثل ما تشتهي، وتمد أذرعها كما ترغب، في نفس الوقت تكون قد نفّست عن الاحتقان الشعبي، وقللّت من مستوى ردّات الفعل، ضامنةً بذلك عدم مجابهة انفجار مفاجئ يخلط أوراقها، بعكس تونس التي منعت حتى الهمس بما يجري، فاربك انفجار المعارضة السلطة، وانهارت.

«إنّ الفرد الذي اكتشف فجأة أنّ عمليات حرمانية تجري على دائرته الاجتماعية، قد يقرن تاريخ هذه العمليات بالحدث الذي لفت نظره إليها لأوّل مرة، فيصبح هذا الحدث في ذهنه هو بداية العمليّات»*، هكذا يتم تحويل المعارضة، دون وعي، إلى آلة بيد السلطة، على قدر الضوضاء التي تثيرها وتبدو أنها متوجهة نحو السلطة، وتهددها، في الحقيقة هي تخدمها نتيجة الإنطلاق من ردّة الفعل دائمًا، تحركها الرغبات، ويدفعها حبّ استثمار اللحظة، فتنساق خلف مصيدة السلطة، وتهدف إلى محاكمة أفعالٍ آنيّة، أو منهجيّة معيّنة، لا إلى تأسيس منهجيّة جديدة، أو لوضع رؤية تنفذ إلى ما خلف الوعي المزّيف المُقدّم لها، الذي تعيد - هذه المعارضة - تصديره للعامّة، في ممارسة رتيبة لـ«حقل المكيدة» بتعبير دوبريه. فغدت الحكومة تشغل المعارضة وتهيجها بحسب ما تشتهي، وتريد.

ما حدث في لبنان كشف أنّ المعارضة ليست عبثية، همّها المعارضة وانتظار ما تقدمه الحكومة لها من قضايا لتعمل وفقها، ولتمارس ألاعيب الحيلة للإبقاء على الوضع كما هو لاستنزافه لمصلحتها، إنما غائية، لها أهداف واضحة تعمل لأجلها، ولا تنتظر هفوات الحكومة حتى تصيغ برنامجها عليه. وما حدث في تونس يمكن الإشارة إليه بالدرس البليغ الذي يستحق التحيّة حتى الآن، وهو موقف الوعي، لا وعي الموقف، وأنّ هذه الثورة ليست حالة تنفيس عن الغضب من شخص «الرئيس» فقط، فهو حلقة من منظومة مؤسساتية كاملة تقود البلاد هي التي بحاجة للتغيير بكاملها، لا مجرد شخصياتها.

تفاعل المعارضة في لبنان، وتونس مع الأحداث الجارية يُظهر أنها لا تنتظر ما تسفر عنه الأوضاع لتضع أهدافها، بل تتفاعل معها لتعيد تشكيل طريقة الوصول لهذه الأهداف المحددة التي تنطلق منها، وهذا هو المطلوب من المعارضة لتكون ناجحة واقعيًا، فمن الغباء الإصرار على حلٍّ واحد أثبت فشله سابقًا، برجاء نجاحه هذه المرة، كمن يقود سيارته في طريق مسدود كل يوم على أمل أن تحدث معجزة غيبية تفتح الطريق هذا اليوم.
الطريق الوحيد لنجاح أي معارضة، هي بتحويلها إلى حركة هادفة عامّة، لا لحركة انتقامية تستهدف شخصًا لا منهجية، وأوّل خطوة في هذا السبيل هي بالتخلّص من مكوّني الوعي المزيّف.  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، مالك بن نبي، ص95

=> فضلاً راجع: الرمز ناصر المحمد

22 يناير 2011

كلاوات العقل


كلاوه هي لفظة من اللهجة العراقية، مشتقة من كلمة كرديّة، تعني الضحك على الذقون، أو الخداع بمعنى آخر. ومنها جرى اشتقاق معانٍ عدة (كلاوجي) للمخادع، و (كلاوات) للخدائع. وأصبحت الكلمة عندي مرتبطة ارتباطًا شرطيًا –بحسب نظرية بافلوف- بالعقل.

تتبعت الفلاسفة فوجدتهم تناطحوا حتى تصارعوا ببراهينهم وأدلتهم وكلٌّ منهم يدّعي العقل والبرهان، ساء المتصوفة ذلك فقالوا إنّ براهين العقل «أقدامها من خشب» فهي صعبة وتمثل عقبة لدرجة لا تمّكن صاحبها من الوصول إلى الحقيقة والواقع، فليست مضمونة، والوصول إلى الحقائق المهمّة يحتاج إلى «طورٍ من وراء طور العقل»، وهو الكشف والإشراق.

هكذا بالمختصر: إن صَعُب عليك شيء، فانفه! ومع هذا تصارع العرفاء والمتصوفة فيما بينهم، وكلٌ يدّعي كشفه هو الصحيح فضاعت أكف الميزان بينهم.

ذهبتُ إلى الغربيين فوجدتهم أكثر حيرة في هذا العقل! يؤمنون بالمحسوس، ولا يعرفون الحس. يَخضعون المعرفة للتجربة والإحساس، وعليها يفسرّون كل شيء، وما لم يقبل التفسير فالنفى حكمه والمنفى مكانه.

ويبقى السؤال: بأيِّ الحواس أثبتم الحس؟ كالعادة بلا جواب.

فلا هو خاضع للتجربة، ولا سلّم زمام أمره للحواس المعلومة.

أكبر الجرائم اليوم ترتكب بإسم العقل، وغالب التوهمّات إنما تصدر تحت اسم العقل، وإذا ختم على شيء باسمه، فأي موقف تتخذه يخالف هذا الختم، يعني وصمك بمخالفة العقل، ولكن ما هو هذا العقل؟

العقل – بمعناه العام - أوسع من استعماله كمرادف للثقافة، أو الفكر، أو طريقة الاستدلال المنطقي الخاصة. وهي التفسيرات التي يُشير لها العقل في اصطلاحه الحالي. هذا التشويش في معنى العقل، هو الذي يجعل كل من هبّ ودب يعتبر أن المنهج العقلي هو منهج خاص به يُقابل المناهج الأخرى، وهنا سأستعير اقتباسًا من الشيخ مالك العاملي يُظهر الخلل في مثل هذه المقايسة: «ليس البحث إذن في حاجة تلك المناهج مجتمعة أو متفرقة إلى المنهج العقلي أو العقل، بل في حاجة العقل إلى تلك المناهج أو بعضها».

وهذا هو لُبّ الموضوع.

العقل أداة، وهذه الأداة كالآلة لا تعمل بمفردها، ولا تتصرف من تلقاء نفسها بل هي بحاجة لبرمجتها، وتزويدها بطريقة العمل حتى تؤدي المطلوب منها. دور المنطق بالنسبة للعقل، كدور التعليمات بالنسبة للآلة وهو تزويدها بنظام عمل يكفل لها ألا تحيد عمّا هو مطلوب منها.

العقل يقودك إلى الإلحاد، كما أنّه يقودك إلى الإيمان، هو إن أخذناه بمعناه الدارج، أداة محايدة لا يصح الاستناد عليها إذا لم تكن هناك أرضية مشتركة يمكن الاحتكام إليها. يمكن تشبيهه بالمعالج في جهاز الحاسب (processor) يأخذ البيانات وعلى ضوء ما أعطي له يعالجها.

بينما هو بحسب المعارف الدينية، أحد قوى النفس، وبحسب المهتميّن، يصنّف ضمن مراتبها، ولذا يقول المولى المازندراني: إن العقل هو النفس الناطقة، إذا تعلّق بالبدن [أي ارتبط به] صار اسمه نفسًا، وإذا تجرّد وانتسب إلى عالم القدس يُسمى عقلاً، لأنه عقل نفسه من الشرور والمفاسد في هذا العالم*.

النفس الإنسانية تعيش ضمن واقع ظلماني مليء بالشرور، يحيط الإنسان بالنقائص من كل ناحية، وتتنازع فيه الأنا والهوى والرغبة والحاجة. الأنا التي تبحث عن المصلحة الشخصية، والهوى الذي يجعل الإنسان يرى في نفسه الصوابية المطلقة، والرغبة بالاستعلاء، والحاجة إلى الاجتماع مع الناس، كلّ هذه تتفاعل مع بعضها البعض بدرجات متفاوتة، وتقود العقل لترى ما تريد رؤيته فقط.

ومراتب النفوس تتفاوت، من كاملة إلى ساعية نحو الكمال إلى غارقة في بحر الظلمات، وعلى تنّوع هذه النفوس تكون العقول، فالطاغية يرى في طغيانه عدلاً، والجاهل يرى في جهله علمًا، والمجنون يرى في جنونه عقلاً، كل هؤلاء يملكون ذات العقل لكنّهم قادوا العقل وفق أهواءهم، فخلصوا إلى صوابيّة مواقفهم، وآرائهم.

إن العقل يعتمد على مدى مجاهدة هذه النفس الأمارة بالسوء، أولاً، ومدى القدرة على تجريده وفق المنطق السليم، ثانيًا، بلا هذين الإثنين يكون العقل مَقودًا، لا قائدًا.

فمصيبة العقل ليست فيه، إنما فيمن يدعيه وهو لا يعرف ما هو، ولا يريد استعماله كما هو. ويُصاب بالذعر حين يرى أن العقل المنطقي لا يقبل مغالطاته، فيُحارب العقل باسم العقل! كما قيل: لا يستطيع الاستدلال على ما يهوى، فحارب الدليل بما هوى!

«دير بالك من كلاوات العقل» هكذا دائمًا يبدأ أحد الأفاضل مبتسمًا نصيحته لنا، بمجرد أن تُنطق هذه الكلمة من لسانه فهذا يعني موعدًا مع نصيحة يريد جرّنا لاستماعها. وتحذيره دائمًا من تصديق خدع العقل يعود إلى أنّ العقل بات اليوم تبريرًا لكل اشتطاط فكري، ونفسي، ومسوغًا لكل مرفوض على الصعيدين الأخلاقي والاجتماعي، وصولاً إلى الديني.

دير بالك، هي تحذير من الإنجرار خلف السفسطة والمغالطة التي يقدمها هؤلاء باسم العقل. فهذه المغالطات تبدو في ظاهرها منطقية، ورائعة، وقابلة للتسويق بين النّاس لكنها لا تصمد أمام المنطق السليم الذي يهذب آلية عمل العقل. إن طريقة الاستدلال نصف النتيجة، والحكم عليها، وحين ترى أحدهم يستدل بالمغالطات، ويضع النتائج قبل المقدمات، كمن يضع العربة أمام الحصان، أو يلوِ عنق الحقائق ليًّا لتناسب ما يشتهي، فاعلم أن «كلاواته العقلية/النفسية» قد سيطرت علىيه حتى بات عقله خصمًا له بدلاً أن يكون قاضيًا، يورده المهالك وهو يظن العكس.

« .. فلو أن الباطل خَلُص لم يخف على ذي حجى ، ولو أن الحق خَلُص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن ذاك ضغث، فيمزجان فيجيئان معًا، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.. »*



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لاشك أنّ هذا الاختصار مخل بالمعنى. فالعقل مراتب وكمالات، لا يمكن جمع براهينها وتفسيراتها كلها هنا.

للمزيد من الإطلاع على بيان المولى المازندراني للعقل، راجع: شرح أصول الكافي، ج1، ص 65 وما بعدها: هـنـا.

** مقتطف من خطبة للإمام علي عليه السلام. الأصول الستة عشر/ أصل زيد الزراد، ص 25

13 يناير 2011

وأصبحت القصة طويلة


لاأعلم ما هو أقبح من أن تُتّهم من قِبل المذنب! ربّما يخفف قباحة ذلك كونه لا يرى نفسه: نستطيع أن نرى وجوه الآخرين ونحدد جمالها وقبحها من خلال معاييرنا الشخصيّة للجمال والقبح، لكن لا نستطيع أن نرى وجوهنا إلا من خلال وسيط خارجي، فماذا يحدث إن غاب هذا الوسيط؟ نستمر في الغيّ، بالاعتقاد بالكمال الذاتي، وإطلاق أحكام النقص على الآخرين.

العقل يعطيك ما أنت تعطيه، كالتربة تُبت ما يُزرع فيها، ربّما لذلك لا تزال قضيّة اليقينيات مثار جدلٍ شديد: هل اليقين حجيته ذاتية أم لا؟ هل كل متيقن بحيث يقطع بما عنده، معذور في أمره؟ أنا شخصيًا أفرق بين اليقين في النتيجة، واليقين في المقدّمة، لذلك لا أحب البحث عن أعذار لمن يرى المقدّمات، ثم يخادع عقله وغيره بالنتيجة. من هنا نستطيع فهم كيف أنّ «فرعون» ليس حالة فريدة من نوعها، بل هو صورة عن حالة بشريّة عامّة، متيقنة من وجود الربّ، لكنّها تصر على «أنا ربّكم الأعلى»!

وقد تتمادى هذه الحالة ليجد صاحبها في الحقيقة التي يعترف بها، نقيضًا له في نفس الوقت، فيكابر عليها، مثل القائل: «قتله من أخرجه»!

حين تتحول الأوهام إلى حقائق يقينية لا تقبل الجدال، يجد المرء نفسه أنه هو «الحقيقة»، لا أنه داعية لها، أو باحث ومدافع عنها، يرى نفسه «مندكًا بالحقيقة»، ويختفي الخط الفاصل بين شخصه، وبين الحقيقة، كحقيقة بحد ذاتها، فيصبح من خالف شخصه غارق في جهالته، ومن وافقها فقد فاز ونجى، وتُسلب كل المعاني لتتحوّل القضية إلى «شخصيّات»، ويُصبح الحق يُعرف بالرجال، ومقياسه الرجال، لا العكس.

من لا يعطي المعذورية لنفسه، له ذلك، ولكنّ ليّ الأعناق لإيجاد عذر له، هو استغباء لا أحب ممارسته، وأمقت الدعوة له، ومجاراته يعني إفساد مؤكد للنفس من خلال الكذب عليها.

لم يكن عندي قرار بأن أكتب المزيد، ولا أرغب بذلك، سيّما وقد انقضت الحاجة، ولكنّ لسبب ما، سأضطر لاكمال ما سبق، من حيث انتهى محدثي.

يقول:

ما أن انتهى من تلك الجملة القصيرة حتى بدأنا نلتفت يمنة ويسرة بأعين ملؤها التساؤل عن الداعي لها؟
كنّا كمن استفاق من نوم عميق على وقع ضربة مؤلمة. في وقت أنت أحوج ما تكون به للدعم والتأييد لمثل هذا التحرك، تسمع فيها جملة تخبطك، كأنها جدار وضع فجأة أمام سيارة مسرعة تقودها.

انتشرت كهرباء السلبية في المكان، وبقينا مشدوهين لفترة. لا ننسى هذا الموقف الصادم.

ومضت الأيّام حتى صار الغزو، ثم التحرير، ومعه ذهبت كل القيود التي كانت مفروضة، وزالت كل تلك المضايقات وتحررنا من كل الضغوط.

ومع أوّل انتخابات لمجلس الأمة، عدنا لوضع ما قبل الثمانينات وأحداثها، بل وفي صورة أسوء بعشرات المرات منها، فقد طلّت رؤوس «الرغبات الشخصية»، وخلطناها بأغلفة زاهيّة من الشعارات، واعتبر أن الخاطئ من يخالفنا (نحن) كأشخاص! فنحن الحق، لا سوانا.

لا زالت كلمته ترنّ بأذني. تحت الضغط الشديد، وحين نصبح كلنا خلف هدف ما كل الفوارق تزول، وكل الاختلافات تتضاءل، ومن كنت أرفض اعطاءه خدي الأيمن بالأمس، أصبحت أدني وجهي بكامله له اليوم، ولكن ما أن ينزاح الضغط، ويصبح الهدف الذي أردناه محققًا، أو هكذا شُبّه لنا، حتى يعود كل منّا لطبيعته، ويعود الأرنب لجحره، والثعلب لصيده، والأسد لعرينه.

في غمرة الإحساس بالقضيّة فقدنا كل شعور بما بعدها، وعميت أبصارنا عمّا فيها. تجاهلنا كل ما يفرقنا، كنّا كالعطاشى نرى الماء في كل شيء، ونغضب إن قيل لنا ليس هناك ماء.

ولكن التجاهل لا يرادفه النسيان! ما أن انتهت تلك الفترة المظلمة، حتى كان أوّل تنازعنا على أثواب البطولة، وكلٌّ يجر النار إلى قرصه، وتمادت النار فأشعلت كل شيء.

أكمل محدثي:

اليوم، حين أعيد تذكر تلك الكلمة، أرى كم كنّا عاجزين عن الرؤية، وكيف أننا عشنا في دائرة من الوهم، يكذب كل منّا على الآخر، ونتظاهر بتصديق هذا الكذب! تجاهلنا طبيعتنا البشرية، ولكن إلى مدى يمكننا السير في هذا التجاهل؟ إلى أي مدى يمكن للأرنب أن يجلس بجانب الثعلب؟

أجابنا الشيخ، ولم نسمع اجابته. فالأذن تسمع ما تريد، والعين ترى ما تشاء، والعقل يكذب علينا بما نرغب، وطالما كان الوعي "مستلبًا" بحجة الإنشغال باللحظة، فإن من يحاول تبصرتنا به سيكون نصيبه نظرات الريبة، وكلمات الاستهزاء، أراد أن يقول لنا: طالما أنّ فيكم ثعالب، وأسود، وأرانب فهذا الموقف الذي تتخذونه مجرد موقف مؤقت، موقف تحتمه المصلحة، القضية الآنية، الضغوطات الهائلة سمّها ما شئت، كما جلست كل هذه المخلوقات وديعة بجانب بعضها البعض حتى انتهى الطوفان.

لا تغرنّكم الحماسة، ولا تأخذكم الحميّة فـ«ما أكثر الضجيج، وأقلّ الحجيج». وما أكثر المبادئ الجميلة، كالنبت الحسن، في المنبت السوء، إنّكم ترون الغاية التي تريدون، ولا ترون الوسيلة التي تستخدمون!

الآن بعد هذا العمر، وكل هذه السنوات وما مرّ فيها، عرفت مغزى كلامه جيّدًا، عرفت كيف كان ينظر لشيء كنّا نتجاهله، اشتمَّ رائحةً سددنا أنوفنا عنها، وادعينا عدم وجودها.

هذا هو الفرق بين من ينظر لطرف أنفه، ولا يرى بعد عبادان قرية، وبين من يجلس في المحمّرة، وهو يرى العالم كلّه منها.

ختم قوله:

هذا مو زمن الكلام، هذا زمن السكوت، النّاس ما يحبون أحد يقولهم: أحلامكم ما تشوفونها إلا إذا كانت عيونكم مغمضة!

=> هذه التدوينة تابعة لـ قصة قصيرة، وألفت الانتباه إلى ضرورة قراءة خاتمة التدوينة السابقة.

5 يناير 2011

قصة قصيرة

بالتأمّل تُكتسب الحكمة.

بقلّة التأمل تضيعُ الحكمة.

من عرف هذا السبيل المزدوج للتقدم والرجعة،

فعليه أن يضع نفسه حيث تنمو الحكمة.*

مهلاً، ليست هذه القصة! إنما مجرد توطئة للآتي:

حدثني أحدهم مرة:

في غمرة الأحداث بالثمانينات، وفي ظل القمع الذي كان يُمارس بشدة، لدرجة خروج الشاب من بيته وهو لا يعلم هل يبيت ليلته في سريره أم بـ«فندق السعادة»، أصبحت المداومة على المساجد أو الحسينيات تهمة من لا تهمة له.

ومع تزايد وتيرة تلك الأحداث، وما حصل فيها، بدأت الملاحقات الأمنية، وتدخلات رجال الأمن والقوات الخاصة تكثر، لدرجة أنها أصبحت لا ترى بأسًا في تحويط المساجد أثناء الصلاة يوم الجمعة ومنع المصلين وفضهم، واعتقال من تشاء منهم وفي أحيانٍ كثيرة تكتفي بملاحقتهم ومراقبتهم دون سبب أو داع لمجرد زرع الرهبة وزيادة في القمع الأمني مزامنة مع العزل الإجتماعي الذي مورس بشدة أسوء من ذلك القمع بكثير.

ويمضي متحدثًا:

بعد ما جرى في مسجد الإمام الحسين –عليه السلام-، حيث مُنع المصلون والرواد وباتت هناك تهمة في القانون اسمها الصلاة في هذا المسجد! أصبح القرار أن يتم الإعلان عن مسجد صباح كل الجمعة ونشر الإعلان بين الشباب والرجال من كافة التيارات والإتجاهات على اختلافها ليتوجه له المصلون بكثافة، لمباغتة قوات الأمن قبل أن تفرض حصارها على المسجد، كنوع من الرفض لما يحدث، وتسجيلٍ لموقف ثابت قبال ما يجري، وفي تحد مباشر لكل أوامر القمع التي وصلت لمنع الناس من ارتياد المساجد، واعتقال المصلين ومداهمة منازلهم بلا مراعاة لحرمة البيوت الآمنة.

وقع القرار في إحدى الجمع أن تكون الصلاة في مسجد مقامس بمنطقة الرميثية، بإمامة الشيخ محمد نجم الدين الطبرسي.

وهو العالم العرفاني الذي انشغل عن الدنيا بعبادته، وروحانيته، ونورانيته التي يبثها أينما حلّ، لم تسحبه السياسة، ولم تجذبه الدنيا، ولم تطرا على لسانه كلمة لها علاقة بكل ما يجري، فهو يعيش في عالمٍ ارتقى حتى بات كل شيء دونه مجرد ازعاج يلوّث الأحياء.

أكمل قائلاً:

وامتلئ المسجد يومها حتى غص بالمصلّين، حضر الشيخ، أذنّ المؤذن فصلّى الإمام بالمأمومين، وما أن انتهت الصلاة حتى قام وإلتفت ناحية المصلين، ولم يكن ذلك من عادته:

« ... هذا الجلوس وهذا الاجتماع هو مثل جلوس الأرنب بجانب الثعلب، واجتماع الأسد مع الغزال، في سفينة نوح –عليه السلام- ... »

سأنهي الحكاية هنا لغاية في نفسي.

وأعتذر لأنني نقلتها بـ(المعنى) أو (المضمون)، فقد نسيت الكثير من التفاصيل لتقادم الزمان على سماعي إيّاها.

لا أعلم ما الذي جعلها ترن في أذني منذ ليلة رأس السنة، وأنا أهملها لقلة الوقت، وزحمة الأشغال حتى خبت صوتها، ورجعت خائبة لكهفها في الذاكرة لتكمل بياتها الأبدي.

اليوم أوقظتها على عجل واستدعيتها فأتت لي عرجاءَ منقوصة تلملم طرفًا هنا وتنسى آخر هناك، وكأنها تقول: اليوم؟ وقد انطفأ بريقي واعوج عودي!

هذا لعله من المواضيع القليلة التي لن أسهب بالتحليل والحديث فيها، والسبب بسيط فالحكايات لا تأتي وبطاقة تعريف على صدرها، لتخبرك بالمغزى منها، أو تحدد لك ما تستنتجه وتستخلصه من فوائدها، فلكل شخص تصوراته، وهذه التصورات هي التي تحدد الإطار الذي يريد رؤية العالم من خلاله.

ولهذا الأمر لا أريد رسم طريقٍ يجعلك بـ«الإجبار الناعم» –كقارئ / قارئة- تصل إلى المعاني المستترة التي وصلتُ لها أنا، أو إلى التفسير النفسي الخاص بي لها.
قد تتساءل: لماذا ذكرتها إذًا؟
الجواب: حتى أتخلص من شعور (الإتهام بخطف مفتاح المعرفة)** الذي بات يزعجني.
واسمح لي أن أطلب منك، أن تتأمّلها حتى تجد تفسيرك الخاص لها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*بوذا، كتاب الداماباد.

** انجيل لوقا، الاصحاح 11:
«الويل لكم أيها الناموسيون، فإنكم خطفتم مفتاح المعرفة فلا دخلتم، ولا جعلتم الداخلين يدخلون»