26 يونيو 2009

قبس من نور الهادي







في الثالث من شهر رجب سنة 254 هـ و في سامرّاء بالعراق كانت شهادة الإمام علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا عليهم السلام ، المعروف بأبي الحسن الثالث و دُفن بمنزله هناك و دُفن بجانبه ابنه الإمام الحسن العسكري عليه السلام و ابنه الحسين رضوان الله عليه.

.
و في مثل هذا اليـوم ، من مناسبة الشأن تذكر بعض وصاياه و كلماته النورانية فهو من قومٍ كما قال عنهم في الزيارة الجامعة : «.. كلامكم نور وأمركم رشد ووصيتكم التقوى وفعلكم الخير وعادتكم الإحسان وسجيتكم الكرم وشأنكم الحق والصدق والرفق وقولكم حكم وحتم ورأيكم علم وحلم وحزم ، إنْ ذُكِرَ الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه.. »

.
من كلماته : ( إن الله إذا أراد بعبدٍ خيرًا إذا عوتب قبل).

.
-
و سبب الخير هو عدم المكابرة ، القبول بالخطأ إن حدث و الإعتراف به هو دليل على نزع صفة التكبر من صاحيها و إذا نزعت كان الإستعداد عنده لاستماع القول و اتباع أحسنه أكبر من غيره ، فقبول العتاب سواءٌ كان لخطأ أم لا يدل على سعة نفس الإنسان.

.
و سعة النفس أي قدرتها على قبول جميع الإدراكات و الآراء و الأقوال و احتوائها ، فالنفس من هنا يظهر انها بعكس الأجسام المادية لديها القدرة على التوسع و التمدد دون حد ، و يُمكن أن يُفهم من ذلك أن (سعة النفس) هي من مصاديق الخير الذي يهبه الله سبحانه لعباده ، لأنها بذلك تكون قادرة على الحصول على قبول جميع الناس دون حد ، فصاحب النفس الواسعة يقبل كلام الجميع و متى ما شعر الآخرون بأن لكلامهم و لو من باب الاستماع فقط دون التطبيق قدرة على الوصول للآخرين انجذبوا نحوهم.

.
و هذا شيء نلاحظه في حياتنا اليومية ، نقابل عشرات الناس يوميًا و قلة من ننجذب لهم بحديثنا ، و نوّد لو أن كلامنا معهم يطول حتى و إن كنا نعلم بأنه سيظل في خانة الكلام ، مجرد رؤيتنا لمن يقبل الاستماع لنا يفرحنا و يجعلنا نقبله و نجله ، و هذا من أفضل مصاديق "الخير" التي يتمناها كل شخص لنفسه.

.
و من كلماته عليه السلام أيضًا : (إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه ، و إن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه).

.
-
من هذه الكلمات ، يمكن استنباط عدة مفاهيم عالية القدر منها :
أن الظلم و الحلم يمكن أن يكونا موجودين في الإنسان و لا يتعارضان ، و أن سبب عدم ظلم بعض الجبابرة ليس عدم قدرتهم على ذلك و إنما لأن حلمهم أسبق و أسرع ، فنتصورهم عادلين ، و لكن الواقع أنهم إذا انتهى حلمهم أو نفد بان ظلمهم بأجلى صوره و كانت بطشتهم شديدة.

.
في التاريخ هناك شخصيات عديدة نقرأ عنها و عن حلمها و محبة شعوبها لها ، و مع هذا فهي كانت جبارة ظالمة على أعدائها ، و الواقع أنها ظالمة فالظلم لا يمكن أن يُبرر الظالم لعدوه كالظالم لصديقه لا فرق ، و لكنّ أحباؤه ينسون ظلمه لأعدائه بسبب حلمه بهم و هذا مصداق قوله عليه السلام (يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه) فالتاريخ بعد ذلك يذكر حلمه و عدله و يضفيه صفات أقرب للقداسة لأن ما ذُكر عن حلمه غلب ما ذكر عن ظلمه.

.
أما الشطر الثاني من كلمته فتؤدي إلى معنى لطيف و هو أن الحق حتى يصل للآخرين يعتمد على شخصية قائله و المدافع عنه أكثر من أصل (الحق و الحقيقة) ، فكم من قضية حقة كان لها محامٍ فاشل!

.
السفيه الذي لا يستطيع أن يصيغ أفعاله و كلماته بما يناسب الآخرين يولد النفور منه ، فيبتعدون عنه و لا يقبلون منه الحديث ، و أسوأ من نكران الحقيقة هو أن تكون ظاهرة و لا يقربها أحد لأن حاملها ملوث.

.
من يُريد أن يوصل حقيقة ما ، أو يكون ممثلاً عنها ، فقبل حمل رايتها يجب أن يخلص نفسه من كل ما يتعارض معها.

.
و من كلماته أيضًا : (.. و أنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن الإحاطة به نأى في قربه و قرب في نأيه ..).

.
- في هذه الكلمة المقتطعة من سؤال وجهه له أحد الأصحاب عن وصف الله عز و جل ، إشارة عميقة.
الحواس معلومة و هي لكونها تعتمد البرهان و الحس فهي محدودة لذلك تعجز عن الإحاطة بالله عز و جل ، و لكنّ الأوهام هي ما تفرزه مخيلة الإنسان و المخيلة لا تتقيد بقيود العالم المادي المحدود الذي نعيشه ، نحن لا يمكننا أن نطير في الواقع و لكننا نطير بأوهامنا و مخيلاتنا ، و نصنع عوالمًا غير موجودة و نؤلف قصصًا غير مذكورة كل ذلك بقوة (الوهـم و التخيّـل) ، فهي قدرة غير محدودة و تتفوق على الواقع .

.
لذلك كان وصفه بانه على الرغم من قوة هذا (الوهم) فإنه أقل من أن (يناله) أي أن يتوصل حتى إلى بداية كنه الله عز و جل ، فهو تعالى عن الإحاطة به بحواسنا القاصرة و كذلك بعقولنا العاجزة التي طوعت العالم و وقفت قباله - سبحانه - متحيرة.



و من كلماته عليه السلام التي أختم بها هذه المقالة القاصرة عن نورانيّة جواهره المبثوثة قوله في وصيته الأخيرة :


( .. اتقوا الله و كونوا زينًا و لا تكونوا شينًا ، جروا إلينا كل مودة و ادفعوا عنّا كل قبيح ، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله ، و ما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك.


لنا حق في كتاب الله و قرابة من رسول الله و تطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب.


أكثروا ذكر الله و ذكر الموت و تلاوة القرآن و الصلاة على النبي - صلى الله عليه و آله- ، فإن للصلاة على رسول الله عشر حسنات.


احفظوا ما وصيتكم به و أستودعكم الله و أقرأ عليكم السلام. ).


عمامة الإمام الهادي عليه السلام بعد تفجير مرقده الشريف - سامرّاء

هناك 18 تعليقًا:

سيدة التنبيب يقول...

سلام عليهم بما صبروا فنعم عقبى الدار


عظم الله لكم الأجر

kumarine يقول...

العزيز سفيد :
ارجوا من الرحمن ان يجمعكم بالاحبة يوم لا ظل الا ظله .
سيدي
أل بيت النبوة هم نور و ان زدت لقلت هم لنا نجم يه يهتدى .
سيدي قسم عالمنا ما بين وصفين .. فنحن ناصبة و انتم رافضة .
لطالما ألمني هذا ..
كلمتان ليس لهم من قول النبي و أل بيته و الصحابة اي دليل ..
جميعنا نحبهم و جميعنا نجلهم و نسلهم نحن لهم من المحبين ..
سيدي قسم نسلهم في ما بيننا ..اليس في ذلك مدعاة للتفكر ...
اصل واحد و اراء تختلف و لكن ..هم اهل و سلالة طاهرة ..
و كذلك نحن مسلمين .
شهدنا بحق و لكن ...خلافنا اليوم شديد ...على ماذا لا اعلم فكلنا للرحمن شهيد و لنبي الرحمة متيقن و اكيد
====================
سيدي الكريم مكتبتك عامرة و رأيك سديد لعلك تكتب لنا المزيد .
ادامك الله لاحبائك و ادامهم لك
و جعلك ممن يستظلون بظله

bent el deera يقول...

عظم الله اجورنا واجوركم

Shather يقول...

عظم الله اجورنا واجوركم بذكرى وفاة الهادي من ال بيت محمد عليهم السلام

Dr. Ali Maarafi يقول...

احسنت على تلك الكلمات العطرة
ثبتنا الله على ولايتهم و التبري من اعدائهم

Salah يقول...

عظم الله أجركم

Manal يقول...

عظم الله اجوركم

MakintoshQ8 يقول...

عظم الله اجوركم

الله يحشرنا معهم يااارب

سفيه معه حق يقول...

عظم الله اجرك

اما بعد

اسمحلي أن اعقب على بعض مما جئت به - وهو خارج الموضوع- لمسألة الظالم الحليم خير من حق سفيه .

أن احترام الآخرين أمر والحقيقة والظلم أمر آخر ليس لدي الحق أن اظلم شخص لأني احتقره ولا احبه أو أن ارى الحقيقة بعيني والمظلوم يصرخ ويريدها وتأتي أنت لتقول أن الظالم الحليم - ذو الشخصية الحلوة - تغفر له !

هذا ظلم .. والله حرّم الظلم على نفسه فكيف يراه جميلا عند الآخرين .

ما تطرقت له أنت أمر مقرف و غريب وغير مقبول نهائيا .

تلميذ يقول...

عظم الله أجوركم

أقترح عليك وضع صورة الحرم بعد تفجيره بيد المجرمين حتى يكون الموضوع معبّرا أكثر

sara يقول...

ما اروعها من كلمات
سلمت يمناك اخي على حسن الاختيار
فكلامهم نور على نور
من كلماته الباقية في ذاكرتي
"شر الرزية سوء الخلق"

سلمت يداك
سدد الله خطاك
وعظم لك الاجر

Safeed يقول...

سيدة التنبيب ،،


و أجوركم.

=====================

kumarine ،،




الإختلاف طبيعة بشرية و سنة إلهية جارية.

من المستحيل أن يجتمع الناس (حاليًا) على رأي واحد فهذا خلاف الواقع.

المهم أن يعمل كل شخص بما يرى فيه رضا الله سبحانه و تعالى ، و أن يسلك

ما يؤمن أنه الطريق الأفضل له عز و جل.

و كل ما عدا ذلك ، لا يخرج عن دائرة (الإختلاف الطبيعي) بين البشر

إلا إن تطرف .. و نعوذ بالله من التطرف.

شكرا لك ، و أسأل الله عز و جل لك المثل :)


==================

bent el deera ،،

Shather ،،

dr-maarafi ،،

Salah ،،

Manal ،،

Makintosh ،،



عظم الله أجوركم ،

أحسنتم.


===================

سفيه معه حق ،،



و أجوركم.

ليس حيث تذهب.

نادر الدين شاه قاجار أول ملوك القاجاريين في إيران كان صاحب شخصية رهيبة فهو لا يتورع عن سمل أعين أعدائه و تقطيعهم و قتلهم و مع هذا فهو كان حليما و عادلا مع أبناء شعبه بصورة كبيرة ، لذلك إلتف حوله أصدقاءه و أحبوه ، و كرهه أعداؤه و أبغضوه.

الظلم لا يتجزأ و لا يُبرر و هذا ما قلته سابقا ، بان ظلم العدو كظلم الصديق من ناحية الحكم ، و لكن هذا لا ينفي أن الظالم الحليم يجد من يحبه و يدافع عنه بسبب حلمه رغم ظلمه (عند الناس و ليس عند الله كما ذهبت) ، بينما الظالم الشديد لا أحد يرجو أو يتمنى الدفاع عنه.

و هذا هو معنى الكلمة ، بأن الحلم له أثر في نفوس الناس حتى لو كان صاحبه ظالم ، و لا يعني هذا أن ظلمه مغفور و مسموح به!

================


تلميذ ،،




و أجوركم ،

تمت إضافة الصورة.

رزقنا الله في الدنيا زيارتهم و في الآخرة شفاعتهم.


==========

Sara ،،




و أجوركم ،

الله يسلمكم.


==================

شكرا لكم جميعا.

فريج سعود يقول...

سلام الله عليهم اجمعين وحشرنا معهم في اعلى عليين

كبرياء وردة يقول...

عظم الله اجورنا واجوركم

يعطيك الف عافية على هالاختيارات

Paris يقول...

سلام الله عليهم اجمعين و يعطيك العافيه ع هالموضوع و مدونتك وايد حلوة و هادفه مشالله , ماره علي من قبل بس ما ادري

بس عندي سؤال

هذا شنو الي بالعمامه؟؟

وردة فرح يقول...

اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم ،،

كلمات نورانية ،،
تحمل في طياتها الكثير من المفاهيم السامية ،،

دمت أخي // سفيد ،،
و دام قلمك ،،

بو محمد يقول...

أعظم الله لك الأجر بمصاب هادي العترة الإمام النقي صلوات الله و سلامه عليه و على آبائه الأطهار و أبنائه الأبرار و رزقك و إيانا و سائر المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات في الدنيا زيارته و في الآخرة شغاعته إن شاء الله

أخي أبا البيض (إن سمحت لي أن أكنيك بهذه الكنية)

كلما مررت بالأبيات الشهيرة، و بالذات " تلك الوجوه عليها الدود يقتتل" تفيض عيني بالدمع دون تمالك

عافاك الله و إيانا و سائر المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات من مصاديق "بئس ما نزلوا" و جعل حفرنا جميعا من رياض الجنان برحمته إنه الرحيم الرحمن

أحسنت يا أبا البيض و احتسبك الله عنده بإذن الله من المحسنين إن شاء الله

دمت و الأهل و الاحبة برعاية الله

Safeed يقول...

فريج سعود ،،

آميـن.

======

كبرياء وردة ،،

و أجوركم ، الله يعافيكم.

=======

Paris ،،

اهلا و سهلا ،
الله يعافيكم.

اللي بالعمامة هذي القاعدة الخشبية اللي كانت ملفوفة عليها ، و تهشمت بفعل الإنفجار.

========

إنسانة ،،

شكرا

=========

بو محمد ،،

مسموح يا بومحمد ،
أحسن الله إليكم ، و رحم الله والديك :)