.
أمـس ..
بعد صلاة الفجر، طالعت الساعة، فقررت أن أغفو قليلاً، فلا زال بالوقت متسع حتى وقت الاستيقاظ لأوّل يوم عمل بعد الإجازة المتعبة جدًا.
رنّ المنبه، طالعت الساعة مجددًا، كانت (30:..)، جيّـد، عندي ما يكفي من الوقت، سخنّت الماء، اتيت بـكوبي، وبدأت بشرب قهوتي الصباحيّة و أنا على جهاز الكمبيوتر.
.
انتهيت من مراجعة الرسائل في "ايميلي"، وقعت عيني على سطح المكتب مجددًا، فخنقتني العبرة! منذ أسبوعين كلمّا شاهدت عدد الكتب و الأوراق على مكتبي تخنقني نفس العبرة، منذ أسبوعين لم أذق طعم النوم الهانئ، منذ أسبوعين و أنا بالي منشغل بـ"مليون" شغلة يجب أن انتهي منها بأسرع وقت، ويبدو أن الوقت دخل في تحدّي بسباق السرعة معي، عشرات الصفحات يجب أن أكتبها و أرسلها قبل الموعد المحدد وبعضها لم أبدء بخطِّ حرفٍ فيها حتى اللحظة، منذ أسبوعين و انا عقلي بإجازة عن كل ما حولي إلى الآن، حتى بدأت صديقتي الثعلبة تزورني مجددًا، لأخفف لحيتي حتى كادت تختفي بعد 6 أشهر من خدمتها على وجهي ..!
.
قررت أن اترك عبرتي تجري بعد أن أعود من العمل! لأقتنص اللحظات الباقية و أراجع بعض المدونات، فتحت مدونة فريج الهيلق، بدأت بالقراءة حتى وصلت لختام التدوينة.. و أنا منصدم!
و لأن المصائب تأتي تباعًا وقعت عيني بالصدفة على ساعة الكمبيوتر لأراها 7.55 صباحًا و أنا الذي كنت أظنها 6.55 دقيقة!
.
هذا يعني أن "التوقيع" انشال، و أن الدوام رسميًا بدأ منذ نصف ساعة! و أنا للحين ببجامتي وقهوتي .. و شعري المنفوش!
شنو لبست؟ شلون طلعت؟ شلون وصلت لمقر عملي خلال 10 دقائق، إلى هذه الساعة لا أعرف!
كل ما أعرفه أن هناك قطعة سوداء في ذاكرتي ما بين الساعة 7.55 صباحًا إلى الساعة 8.15 صباحًا بتوقيت مدينة الكويت و ضواحيها!
.
حين وصلت، صديقي المفترض به أن يكون عزيزًا هناك لفت نظري (ونظر الجالسين كلهم بالأحرى) إلى أنني (لابس ساعتي بالمقلوب)، لولا أنّها هديّة، لكانت اليوم جزءًا من رأسه، فحجمها يساعدها على أن تحفر مكانها جـيـدًا بالجمجمة !
.
أحيانًا كثيرة تكون الإجابة حاضرة عندي و لكن تخونني الكلمات، لا أعرف ما أقـول أو كيف أعبّر بالكلمة عمّا يجيش بصدري، في هذه اللحظات تتمنّى لو أن ريحًا شديدة مغبرة تأتي لتغطيك والجالسين فتختبئ داخلها، لانها الوحيدة التي تجبر الجميع على الصمت و عدم التكلم : فنتساوى كلنا في نفس الموقف.
كانت إحدى تلك اللحظات، عندما قرأت الحلقة الاخيرة لـ مطعم باكه، ثم أتت زميلتها حين وصلت لمقر عملي و أمام مسؤولي .. و لا يفصل بينهما سوى دقائق! * * * * * * * * *
.
أنا مؤمنٌ بأنّ للنفوس إدبارٌ و إقبال، فهي و أرواحنا مثل البحر و الموج، البحر موجود و لكن مظهره يكون وديعًا إن هدء و مرعبًا إن عصف، هكذا نحن، أرواحنا موجودة، و نفوسنا تهدء تارة و تعصف أخرى، و لأنني آمنت بهذه الحقيقة، فقد قررت أن أجعل كل مظاهري في الحياة مثلها، إن أقبلت نفسي عبّرت عنها، و إن أدبرت صعدتُ إلى الهواء !
ما لم أذكره في "الصعـود إلى الهواء"، أننا في محيط حياتنا نؤمن و نعتقد بأوهامٍ كثيرة، نعتبرها مسلمّات، و أشياء مفروغ منها، لذلك نعتبر الصراع معها أمرٌ لابد منه، ولكن صعودنا للهواء يحررنا من هذا الوهـم، دائمًا أتساءل مع نفسي كما يفعل غيري عن حقيقة وضعي الآن، هل كان من الممكن أن يكون أحسن؟ هل هناك ما أندم عليه؟ هل ارتكبت أخطاءً؟ هل بما أفعله الآن "أخنق" نفسي؟ .
في الواقع، نعم ارتكبت أخطاءً كثيرة، و هناك أشياء عديدة لو رجع بي الزمان لما فعلتها أو أقدمت عليها، وندمت على بعضها، وهناك أشياء كنت أعتقدها ولكني حين صعدت للهواء اكتشفت أنني واهم!
.
لو عدت بالزمن إلى تلك اللحظات التي اتخذت فيها تلك القرارات، لما اختلف اختياري، إنّ خطأ اختياري ذلك الوقت لم يكن معلومًا عندي إلا بعد أن ارتكبته، وبعد أن ازداد وعيي و كبرَ سنّي، لقد عرفت أنه من غير المنطقي أن أحاكم نفسي على مواقف سابقة بناءً على خبرات حاليّة، لولا أنني وقعت في تلك المطبّات، لما عرفت كيف أتجنب غيرها.. ومنها عرفت أنني قادر و مهيأ لأن أتعايش مع نتائج تلك الأخطاء.
.
قبل عدة أسابيع كنت مع أحد أصدقائي، أثناء حديثنا صعقني بسؤال: إنت سفيد،صح؟
.
وانفرطت العقدة بعدها، في موضوع (ســنــة) ذكرتُ أنّ هناك عدة مدونات أنشأتها و الآن أذكر لكم أنني حذفتها لأن هناك من اكتشف شخصيتي الحقيقية بها، كان عندي اعتقاد أو وهـم بأنّ سفيد على أرض الواقع شيء، و خلف الشاشة شيء آخر، سفيد في "المحيط" الإفتراضي يتكلم و يكتب، مثل البحر إن هاج، وسفيد على أرض الواقع يفضّل الصمت أحيانًا كثيرة ، وهذا الصراع بين السفيدين كان لابد و أن ينتهي لمصلحة أحدهما، وهذا هو ما توهمته، و كان الواقعي هو من ينتصر دائمًـا، حتى أتت هذه المرة. .
لم يعد هناك واقعي، و آخر افتراضي، بدلاً من أن يكونا طرفي نقيض، كان يمكن أن يكونا متكاملين فالبحث عن المشتركات دائمًا أسهل من البحث عن المختلفات، و لكن لأننا بشر فإننا نفضل أن نتصارع دائمًا، فإن لم يقتل أحدنا الآخر بحثنا عن السلام .. بعد أن أنهكنا قوانا في الحرب!
.
وهذا ما حدث.. أو بالأحرى هذا ما استوعبته حين صعودي للهواء. نعم أنـا هو، كانت إجابتي على سؤال صديقي، وعلى غير العادة حين عدت للبيت لم أغلق وأحذف المدونة!
.
لقد قررت أن أعيش معهـا هذه المرّة .. دون أرتكب فيها تلك الجريمة المعتادة!
.
.
ملاحظة: البريد الإلكتروني لمطعم باكه، اللي يعني صايد الحركة و شاله من المدونة موجود عندي، لذلك فإن لم أشاهد تراجعًا و إنسحابًا منه عن موقفه خلال 72 ساعة، فإنني سأرتكب جريمة تضاف لسجلّي الإجرامي في "الدعـوة إلى التشاؤم"، بنشر بريده الإلكتروني للجميـع :).
بعد استجابة مطعم باكه لنداءات الشعب، تم سحب التهديد .. ودمتم بخير :)