‏إظهار الرسائل ذات التسميات سفيد الذات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سفيد الذات. إظهار كافة الرسائل

6 نوفمبر 2014

29: عن اليوم الضائع


كم مرة قرأت أو سمعت لمن يشتكي بذل نفسه للآخرين وحين يحتاجهم يصدّون عنه؟ شخصيًا، ربما مئات المرات ولا أبالغ إن عددتها بالآلاف! ومع هذا في كل مرة نُصدم حين يتجدد نفس الأمر معنا! وليست المشكلة في أننا لا نتوقع قدوم ذلك ولكن في أننا نعتبر الأماني بالتغير حقيقة، والحقيقة مجرد حدث شاذ لا يتكرر، ثم يتكرر ويتكرر!

أنا أعلم أن دائرة الزمن تدور وأن الأحداث والوقائع تكرر نفسها وأن الإنسان - كما قال هيغل في العبارة التي سئمت من قراءتها - تعلّم من التاريخ أنه لا يتعلم أبدًا من التاريخ ولكن كل هذه المسلّيات لا تفلح في صرف النظر عن الإحساس بالألم في كل مرة يتم صدّنا بها، ونعود بعدها لنشتكي من بذل أنفسنا لمن يسترخصنا! يبدو أن ذلك التشّكي والتذمر طبع إنساني أصيل فينا كبشر، وهو شيء بمثابة جزء لا ينفصم عن الفطرة البشرية التي هي الأرضية المشتركة بيننا كأبناءٍ لآدم وحواء، ولهذا لا نستطيع أن نتعلم كيفية تجاوز ألم الاسترخاص والصدّ بل نظل نشتكي، كما فعل الماضون وعلى سيرتهم سيكون القادمون، أما المعاصرين فها نحن نشتكي ونشتكي إلى ما لا نهاية!

إنك لا ترى أحدًا يستطيع أن يعلّم نفسه الصمت بعد أن ينطق لأنه بذلك ينعزل عن الناس والعزلة عند كائن واع واجتماعي ومدرك للعلاقات هي باعثة لخوف يفوق في درجته الخوف من الموت، فالموت مغادرة الناس والعزلة حبسٌ بين الناس! حتى ما يقوم به كهنة البوذ وسالكي طرق تهذيب النفس من نُذِر الصمت هي مجاهدة لترويض النفس، والجهاد هو صبر على ألم شديد، فكل ما فعله هؤلاء هو أن علّموا أنفسهم الصبر  وقاسوا ألمه وتقبلوه بدلاً من ألم اللذة المؤقتة الراحلة، ولم يزيلوا الألم كليًّا، ربما ذلك لأن الإنسان كائن متألم، يولد بآلام، ويحيا بالآلام، ويموت مخلفًا وراءه آلام! في تعلّمه يمارس الألم: ألم بطء قدوم المعرفة وممارستها، في عمله يتاجر بالألم: ألم حرمان النفس الذي يجعله يبيعها وهي أغلى ما يملك مقابل أرخص ما أبدعه الإنسان: ورق المال!، في نومه يغالب آلام التفكير باليوم، وفي يقظته يكابد آلام جهل ما هو قادم، في راحته يعاني ألم ترقب انتهاء الراحة وبدء المشقة، حتى في نُطقه يقع في ألم تحمّل الضوضاء حوله وهو ألم أهون من ألم الصمت والتفكر وضوضاءها داخله.

يريد الناس أبطالاً خارقين من صنف البشر العاديين حتى يكذبوا على أنفسهم ويوهموها بأنها تحتوي في داخلها كائنات خارقة لكنها تنتظر فرصتها! ثم تنتظر فرصتها كـ"غودو" الذي لا يأتي أبدًا!

 ليس ألم الانتظار -كما يقولون- هو المؤلم حقًا ولكنه الإحساس بأن الانتظار خدعة وأن الفرصة مجرد وهم ومع هذا نلبث في انتظار المعجزة، معجزة أن نجد شيئًا بلا ألم في هذا الوجود المحدود.

ليس عند الإنسان ما يعالج به ألمه، كل ما اخترعه وابتدعه هي ملهيات عن هذا الألم، لكن الملهيات تُوَلّد المفاجأة، لأنها تصفع بضربات استباقية، تستطيع أن تتغلب على ألم تتوقعه لكن الألم المفاجىء يطيح بصاحبه، لهذا السبب ربما في كل قرن ينجح الإنسان بأن يخترع أسلحة تفوق أسلحة خصمه ومع هذا قد يغلبه شرذمة لا يملكون سلاحًا ولكنهم يملكون قدرة المباغتة.

هو، هذا، ملخص التاريخ، الإنسان السوبرمان كما حلم به نيتشه يتغلب على كل شيء إلا على موت الإنسان، يميت كل شيء، وهو نفسه يموت، مقهورٌ في وجوده، وإن قهر الموجودات غيره!

انظر وإلتفت ‏إلى فطرة عشق الراحة التي يقاسي الإنسان الآلام لأجلها نيلها، ويتحمل الصدمات تلو الأخرى ليُثّبت لنفسه فطرة عشق الحرية ثم إلتفت وتأمل ما عليه هذا العالم من ضيق وموانع تحول دون نيل العاشق لمعشوقه، وستقطع بعدم وجود هذا المعشوق الذي فيه حرية بلا صدمة العائق وراحة بلا ألم في عالمنا الدنيوي.

إننا مخلوقات من جنس الآخرة، {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}، نلبس أثوابًا منسوجة من خيوط الدنيا، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ}، ولشدة عشقنا لهذا الثوب نعمل كل ما يمكن لنقول أنه لا بدن لنا سواه! فهل رأيت مخلوقًا أتعس من الإنسان؟ حيث يمضي يومه في حفر الدركات خوفًا من ألم صعود الدرجات؟

ثم يحتفل بذلك اليوم!

عن الصادق عليه السلام: مَنْ تَعلَّقَ قَلبُهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا تَعَلَّقَ مِنْ ضَرَرِهَا بِثَلاثِ خِصَال : هَمٌّ لا يُفْنَى ، وأمَلٌ لا يُدْرَكُ ، وَرَجَاءٌ لا يُنَالُ.

11 أكتوبر 2011

المحطة الثالثة

وقف عند زميله يستحثه للخروج من صومعته، وهو رافض لذلك، فقد قضى عمره منكبًا على رسم لوحاته حتى شارفت سنواته القليلة على نهاية إقامتها في هذه الأرض، آيس منه فألقى عليه كلمته: كيف تطيب نفسك وقد أضعت سنواتك بين الأوراق والأقمشة والفرش؟ وانشغلت برؤية البقع البيضاء عن رؤية العالم فيما حولك؟ واكتفيت برائحة الأصباغ والزيوت عن شذى الورود ورحيق الأزهار؟
  ولم يقطع سيل أسئلته المنهمرة إلا إجابة صديقه وهو منكب على تعديل فرشه والتدقيق في لوحته: حَمَيتُ سنواتي من الضياع بأن قيدتهم ضمن حدود الإبداع، وحولتهم من أرقام تمشي بإسراع إلى لوحات يتأملها كل ملتاع. فما فائدة متعة لا يبقى منها في النهاية إلا ذكرى مختبئة تنتقل إلى القبر مع جثة منطمرة؟
* * *
  كثيرًا ما تقابلني مثل هذه الجملة: اطلع شوف الدنيا.
تتساءل ما هذه الدنيا؟ لا تجد اجابة واحدة، ومن مجموع الأقوال تصل إلى حقيقة واحدة أنهم يريدونك أن تحيا حياتهم، وأن ترى ما يرونه، وتسمع ما يسمعونه، وإلا فإن كل ما تفعله هو شيء «خارج الدنيا» يضيّع السنوات من عمرك، تتوقف لتتأمل نتائج السنوات التي لم يضيعوها من أعمارهم وشاهدوا فيها الدنيا؟ لتكتشف أنّ الإجابة هي «.. هباءً منثورًا».

  هناك ميل عند الناس عمومًا إلى اعتبارية محوريتهم، يرون في أنفسهم المسطرة التي يجب أن يُقاس كل شيء آخر عليها، فهمهم للأمور هو الفهم السليم، وقولهم هو القول السديد، وكيفية معيشتهم هي المعيشة المُثلى، وإن كان تطبيقهم يشوبه شيء من النقص فلا بد أن تطيع رؤاهم من باب أنهم وإن عجزوا عن تطبيقها على أنفسهم إلا أنّ رؤاهم وتنظيراتهم قطعًا ويقينًا الفُضلى والمُثلى. هذا الميل هو نتيجة الصراع الذي يعيشه كل إنسان داخل نفسه ما بين عقله الذي يهديه لما هو سوي، وما بين غرائزه التي كثيرًا ما ينهزم أمامها، فيُجبر عقله على تبريرها تحت ذرائع شتّى. نفس الأخطاء التي هزمت نابليون في حملته على روسيا هي التي هزمت هتلر، ومع أنّ الثاني كان مطلعًا على مسيرة الأول، إلا أنه وقع في نفس الفخ الذي تصور أنه بذكائه سيفلت منه، وغاب عنه أنه كان يفكر بغرائزه لا بعقله!

  مشكلة البشر أنهم لا يقضون وقتًا في محاسبة ومراجعة أنفسهم كما يقضونها في محاسبة غيرهم وانتقادهم، لذا تراهم يعيدون نفس أخطاء من ينتقدون .. ولو بعد حين! فمن ينشغل في صياغة حياة من حوله لن يجد ما يكفيه من الوقت لأن يصيغ حياته. قال لي المرحوم والدي مرة: إذا كنت لن تتعلم من تجارب الآخرين فهذا يعني أنك ستكرر حياتهم وتضيّع وقتك بالاستماع لقصص الناس، أما إذا تعلمت واستفدت منها فهذا يعني أنك ستستفيد من وقتك، وستعيش حياتك لا حياتهم.

  حين نعيش السنوات، فنحن نعيش معاناة مستمرة مع الآمال التي نرجوها والآلام التي نحصدها، وفجأة حين نرى أنفسنا بمعزلٍ عن الوقت الذي تمثله «السنة»، حين نقف في مقابل أنفسنا وننظر لها ككيان له وجود واقعي ومنفصل، نرى أن كل ما كنا نخشاه وكل ما عشنا ونحن نتأمله وكل ما اضطررنا للمرور فيه تلاشى ولم يبق منه إلا عدة نقاط، مرة تكون مضيئة وأخرى مظلمة .. كمسبحة انفرطت حباتها ولم يبق في يدك منها إلا حبيبات بحسب الزاوية التي تقبع فيها على كف يدك يكون مقدار «النور» المنعكس عنها.

  اليوم أقف على رأس السنة الثالثة في هذه المدونة، لا أرى من مسيرتها إلا هذه النقاط، بعضها أحمد الله أنها لم تنفرط من يدي، وبعضها أخجل إلى يومي من بقائها فيها. وهذا من جميل ما في الإنسان أنّه الكائن الوحيد الذي يملك القدرة على المراجعة والتصحيح وإحداث التغيير في نفسه، وفيما حوله تبعًا لذلك. خلال هذه السنوات وردتني أسئلة كثيرة، وقابلتني أحداث أكثر ومواقف عديدة، شُتمت، وامتُدحت، وتجادلت، استفدت وخسرت، تصادقت وجرني البعض لعداوات، رحلة جمعت فيها المتناقضات، وهكذا هو الإنسان جُمعت في صفاته الأضداد.

  لعل أكثر ما واجهني هو الإشكال على صعوبة اللغة التي أكتب بها. وجوابي أنّ لغة الكتابة كلون العين، تستطيع أن تجملها بعدسات مؤقتة لكنك لن تستطيع ذلك دائمًا، فأسلوب الكتابة هو طريقة الكاتب في التعبير عن المعاني التي في ذهنه، وهي فيه كالطبع لا تُمحى، فإن كانت معقدة أو مركبة كانت طريقة التعبير عنها كذلك، ولذا قيل أن أعذب الشعر أكذبه، فلو كان الشعر لا يحكي إلا حقيقة الحال لما استساغ الناس قراءته وسماعه حتى وإن كان يعبر عن الحقائق كما هي وفي أبسط أنواع الجمل التي تقبلها كافة الأذهان على تفاوتها.

  أحيانًا كثيرة يكون لبعض الكلمات والتراكيب اللغوية معانٍ تختزل الكثير، فقط تخيّل لو استبدلت لفظ «الجوهر» بـتعريفه الفلسفي وهو: «الموجود في لا موضوع» كيف سيكون وقع الجملة؟ وأي أذن أو عين ستهضمها وتقبلها؟ إن الألفاظ يحدّها استخدامها، وليس من شأن الكاتب إلا صياغتها للتعبير عمّا يراه، وعمّا يعتقده، وعما يشاء التعبير عنه، وما يجده معبرًا عنه، لا عمّا يريد رؤيته الآخرون.
  ولا أنتهي من هذا الجواب حتى يقفز سؤال آخر لماذا لا تكتب عن الشأن العام أو ما يدور حول العالم؟

  لأن الإنسان كائن ذو إقامة مؤقتة، فهو لا يستأنس إلا بالأشياء المؤقتة: تفاهات السياسيين وتخبطاتهم، وإجرام الأنظمة وتسلطها، وعن هموم الحياة التي تجعله يملأ يومه. هو يريد شيئًا يقضي به ساعات اليوم لا أكثر، لهذا السبب يكرر البشر نفس الأخطاء منذ وجودهم فالنظر لما وراء اللوحة التي أمامهم لا يعنيهم. لا أحب ذلك، لا أحب أن أحصر همّي في نقد طاغية وكأن الأرض أو تاريخ البشر خلا منهم ، وبدلاً من أنتقد الثمرة المريضة أفضّل علاج جذر الشجرة.

  قضايا اليوم تموت بانتهائه، والضجة الفارغة تنتهي بمجرد إمتلاء محيطها بالأصوات المتداخلة، لكن القضايا الأساسية التي تصنع الطغيان، وتوّلد الجشع، وتعيد ذات الأخطاء مرة تلو الأخرى، قضايا الإنسان بما هو إنسان، لا تنتهي إلا بانتهاء وجوده هو، لا بانتهاء غايته منها، لذلك أرى أن مناقشة «المصاديق» والإنشغال فيها تجعل الأهم وهي «المفاهيم» يتراجع النظر فيها.
في بدايات المدونة، وجه لي أحد المعلقين سؤالاً هو: هل توجه مدونتك إسلامي أم علمي أم أدبي أم ماذا ؟
  كان جوابي عليه: هذه مدونة و ليست موسوعة علمية أو أطروحة دكتوراه حتى تحتمل كلمات علمية رصينة مجردة، بل هي تعتمد على روح الشخص وهويته لأنها بمثابة أوراقه الخاصة التي تعبر عنها، و هويتي هي ما أكتبه هُنا.
هي شيء من كل شيء أهتم به، ليس مطلوبًا مني أن أخصصها بباب معين سواء كان إسلاميًا أو سياسيًا أو علميًا أم أدبي، فكينونتي متعددة.
لا أعلم إن كان هذا الجواب يصلح إلى اليوم أم لا، لكني على يقين من أنني أردت الإجابة على أسئلة كثيرة طرحت علي خلال هذه السنوات فانتهى بي الحال إلى كتابة معلقة كهذه تشتت القارئ، كما شتت مواضيع المدونة من طرح عليّ ذلك التساؤل!

6 نوفمبر 2010

رؤى ربع قرن


«منذ خمس وعشرين سنة خطتني يد الزمان كلمة في كتاب هذا العالم الغريب الهائل. وها أنا ذا كلمة مبهمة، ملتبسة المعاني، ترمز تارة إلى لا شيء، وطورًا إلى أشياء كثيرة»*

***

يحزن الناس حين ينقص شيءٌ مما يملكون.

ويعتبرون يوم الفقد هذا، يوم حزن ذي شجون.

ولكنّي – وياللعجب – أراهم يفرحون،

حين تنقص من أعمارهم، سنةٌ ممّا

يعدّون!

***

زميلي في العمل قصير، صلعته دخلت في سباق تسارع مع كرشته، كلماته أقرب للهمس، يحب الجلوس متكورًا على نفسه. قرر يوم الخميس البدأ في الشكوى من مسؤولياته الأسرية، ومتطلبات زوجته وأولاده، وهي اسطوانة مللت من سماعها منه يوميًا، فقررت أن أقطع الشريط من بدايته بالحكم الفصل من لسان المعري:

تعبٌ كلها الحياة فمـا .. عجبي إلا من راغبٍ في ازدياد.

انسحبت شكواه لداخل حلقه، وبلع باقي كلماته وهو يمسح صلعته بأصابعه القصيرة المنتفخة، لينظر لي قائلاً: هوّه إنتَ تصوفت ولا إيه؟

لا أعلم.

لكنّي أرى تساؤل الفأر الحكيم جديرٌ بالبحث عن إجابة: ما هي فائدة معرفتك أمورًا عن التصوف، إن لم تصل أنت إلى مرتبة الكمال والوصال، وتنكشف أمامك الحجب؟**

***

أصبحت الحياة بالنسبة لي كفيلم، تشاهده للمرة العاشرة. مشاهدٌ تعيد نفسها، مناسبة لتضييع الوقت حتى تصل إلى النهاية: نهاية الفيلم، أو نهاية انتظارك.

تحوّل كل شيء إلى مشهد مكرر، تولد وتكبر وتموت وأنت تعيش في نفس الحلقة التي عاش فيها والداك، وسيعيش فيها أبناؤك، وأحفادك. شاهدت برنامجًا لـ نبي الملحدين ريتشارد داوكينز، قلت لنفسي لعلّه يقدم اكسير العلاج لهذا الأمر، فيما يدعيه من علم، لكنه كان يكذب عليّ وعلى نفسه بقوله: يكفي للإحساس بالسعادة –وسط هذه الأمواج المتلاطمة من التعاسة- أننا أحفاد الأقوياء الذين نجوا!

هل تكون سعادة الحياة باستعارة انتصارات الماضين؟

وهل يحق لنا الشعور بالسعادة، لأن جدًا من جدودنا كان قويًا واستطاع أن يتغلب على الشمبانزي؟

برأيي، وحدهم العاجزين عن خلق الانتصار، والشاعرين بالضعف، يعتقدون ذلك.

***

أجد نفسي اليوم واقفًا على مفترق الطرق، أنبش فيها بحثًا عن مستقبل، ولا أرى سوى الماضي!

وعلى أنغام أبيات الخيّام:

ﭽون حاصل آدمي در اين شورستان .. جز خوردن غصه نيست تا كندن جان

خرّم دل آنكه زين جهان زود برفت .. وآسوده كسي كه خود نيامد به جهان ***

تبدو الحياة وكأنها لا تملك جديدًا!

بل هي بابٍ في بطن باب حتى أسأمتني الأبواب المغلقة، كلما فتحت بابًا وجدتُ آخر، فقررت الاكتفاء بالنظر من خلال النافذة.

أراقب الناس وأنبهر من تصرفاتهم وشغفهم المبالغ به تجاه الحياة، وصراعهم الذين يحول كل شيء إلى وقود يحرق لأجلها: أوقاتهم، أفكارهم، أنفاسهم، وأبناءهم، صحتهم وسقمهم، أحلامهم وآمالهم. من المفترض أن ينتهي الشغف بمرور الوقت، فهو مثل الحزن يولد كبيرًا ويتلاشى مبقيًا الذكريات تسبح في الوجدان.

إلا أنني أرى شغف الحياة، يولد كبيرًا ولا يموت.. والناس يموتون.

***

حاول "سارتر" أن يستعجل الجحيم، فقرر أنه في الأرض، وأن الجحيم بعينه هو وجود الإنسان مع الآخر، وهذا هو العقاب الأبدي!

هكذا يهرب هؤلاء ممّا وراء الموت. بوصفهم الحياة على أنها شغبٌ، وعبث، وهربٌ، ولهثٌ.

فهل هناك جحيم أكبر من كون «الحياة كلها ألم ومشاق لا تتخلص منها ما دامت الروح في بدنك؟»****

لكن لا يخبرون النّاس أنّ هذه الأشياء هي وليدة طمعهم في الحياة، وليست طبيعة الحياة.

فهل يتذمر من النقص، إلا الذي يشعر به؟

لذا أراهم، يزّهدون الناس بحياة، على قدر تذمرهم منها، يتشبثون بها!

***

- ماذا تقرأ؟

- كل شيء

-اممم .. لماذا؟

-لأنجح في الإختبار

- أي اختبار؟

- اختبار الحياة!

- الحياة تختبرك بالعراك، فهي معركة، حرب، مصارعة المهم أنّها قتال وسعي مستمر.

- هكذا تراها أنت!

- وأنت، كيف تراها؟

- أراها كسؤال متعدد الاختيارات في اختبار مدرسي: إجابات متعددة، و واحدة صحيحة.

الإعتماد على الحظ، أو العضل، أو الغش لا يفيد في الوصول إليها.

والخطأ في اختيار الإجابة لا يتحمله واضع السؤال، بل أنا.

لذلك أقرأ، صحيح أنني أسلب بالقراءة متعة الإكتشاف،

ولكنّي أفضل اختيار الإجابة الصحيحة بلا متعة، على أنّ أعيش إثارة الكفاح في الجهة الخاطئة!

***

قبل أن أضع رأسي على المخدة، أعدت تشغيل ساعة المنبه في الهاتف.

تذكرت أن رسالة وصلتني ولم أقرأها، فتحتها..

وبعد 8 ساعات كنت أتفق مع مرسلها على مرافقته للحج.

رحلة فجائية، أرى أنها إشارة  لإعادة اكتشاف 'شغف الحياة'

فالرتابة فيها كالذبابة .. لا يقتلها إلا صفعة مفاجئة!
________________________

*جبران خليل جبران، يوم مولدي، من كتاب (دمعة وابتسامة).

**عن "التدين والنفاق بلسان القط والفأر" للعلامة البهائي (رحمه الله).

*** من رباعيّات عمر الخيام، ومعناها:

لا يحصد المرء من هذه الأرض الملحية إلا الغصص.

فهو حليف الغصة حتى تفارق روحه بدنه. فالسعيد من يرحل عن هذه الدنيا بسرعة، وأسعد منه من لم يولد فيها أبدًا!

*** جملة مقطتفة من نصّ لـ شوبنهاور.

19 أغسطس 2010

شيء عن القراءة

القراءة كالكتابة، لها مزاج خاص يحكمها، و وقت خاص يَأتي ولا يُؤتى، فقد تتزاحم الأفكار في الرأس ترجو الخروج، ولا تطاوعها اليد ولا تخضع النفس لكونها تعيش لحظة من لحظات الإدبار. قال لي ذات مرة بأنّ الكتب بالنسبة له كالناس، لها أرواح مجندة، كما أنك ترتاح لشخص لا تعلمه وتستسيغه، وآخر تراه لأول مرة و "لا تبلعه"، كذلك هو مع الكتب يألف يعضها، وبعضها لو انطبقت السماء على الأرض ما استطاع أن ينهيها، كأنه معها مغناطيس، قطبه السالب يواجه قطبًا سالبًا آخر، على قدر ما يتقاربان يتنافران.
.
وهذا الأمر، مجرّب، أقلّه بالنسبة لي. قد لا نلاحظ بعض الظواهر لاعتبار أننا مشغولون عنها بما هو أهم. من ذلك عدم قدرتنا على التفاعل مع كتاب ما، والذي قد يكون لمؤلف مشهور ومحبوب أو في موضوع يمس جانبًا من اهتماماتنا، ومع ذلك تظل هناك قوى خفية تجعلنا نستثقل هذا الكتاب. في ظل ما تفرضه الحياة علينا لا تكون هذه محطة تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها، ولكن منذ لَفتَ انتباهي لها، وأنا أرصدها بدقة، فقد تراجعت كل الاهتمامات خلف هذه.
حين نضع تركيزنا في شيء، فإن جميع ما نتصوره مهمًا ولا يمكن لحياتنا المضي دونه، ولأجله نهمل باقي الأشياء، يبدو ثانويًا. في هذا درس عنوانه: حب التظاهر بالإنشغال. أمّا لماذا؟ فسيأتي يومًا إن شاء الله.
.
هو نفسه أخبرني أنّ للقراءة عنده طقوس، حاولت أيضًا استقراء طقوسي في القراءة ولم أجدها. ولعل السبب هو كون الطقوس تتعلق بنا فقط، وليست مشتركة مع الكتاب، وتعني قدرتنا على اتخاذ الوضعية المناسبة لممارسة عملية «القراءة»: نقل الحروف المرسومة أمامنا إلى العقل وتحويلها إلى لوحات تعطي معانٍ مختلفة في الذهن.
.
كان سقراط يرى عملية «القراءة» على أنها مجرّد إعادة إحياء أو إيقاظ للحكمة الموجودة داخل الإنسان. وإذا كانت الحكمة عند اليونانيين هي الفلسفة، فقد نظم أبو جعفر الخراساني رحمه الله في القرن الماضي، 4602 بيتًا في أرجوزته يرد بها على من يدعي أنّ الحكمة هي الفلسفة، مستخلصًا إلى الحقيقة كما ذكرها: حكومة العقل والبرهان، تُقرر بما ورد في النصوص المعصوميّة.
.
والواقع أن هذه النتيجة صحيحة، بغض النظر عن الإتفاق أو عدمه مع مصداقها، إلا أننا نمارسها في كل مناحي الحياة بجعل مستند يمثل المرجعية لكل الأفعال والأقوال والأحكام، قانون المؤسسات في العمل، والقانون الجزائي في الدول، والأعراف في المجتمع، والنص في الدين، وما إلى ذلك. العقل كالفرس الجامح يجب أن يروض بالحاكمية. ومهما اختلفنا مع هذا الحاكم أو عارضناه، وجب تطبيقه وإلا اختل النظام وبانت الشطحات، وتهاوى كل شيء.
.
ولهذا السبب كنت، ولا زلت، أعتبر دعوى «العقل المجرد» نكتة لطيفة، لا أكثر، تحكي واقعًا موجودًا بالمخيلة، فللفلاسفة عقل، وللمتصوفة عقل، ولكل ملة وطائفة ومذهب وفكر عقل، يُعرّفه أصحابه كما يشاؤون، وكم من جناية، وجهالة، تُلصق بهذا العقل وهي نابعة ممّا سماه الدكتور گلشني: آثار الآيدلوجيا والاتجاهات الفلسفية. نفسها الآثار التي وصفها «فرانسيس بيكون» بالأصنام التي تجعل الشخص يؤوّل كل معرفة إلى ما يريده، فيصبح عقله أسيرًا لنفسه.
إن الإتفاق على المرجعية، أهم من اللغة، فهي التي توفر للبشر أرضية التفاهم. جميع المعارف والثقافات تصبح بلا فائدة أو قيمة أثناء الحوار أو النقاش أو حتى الإطلاع إذا كانت تستند إلى أحكام مختلفة. الأمور ببدايتها أكثر من نهاياتها.
.
القراءة بحد ذاتها متعة لا يضاهيها شيء، لدرجة أنها تستحق الحياة، كما قال مالكوم اكس: بإمكاني أن اقضي حياتي كلها بالقراءة. بشرط أن تكون بنقد، لا انقياد، و وعي لا توهم للوعي. فالعلم بالشيء يختلف عن الوعي به وإدراكه.
هذه كلها مجرد أفكار عابرة، مرّت بذهني وأنا استحضر الإجابة لأسئلة الفاضلة «ٵنثے ملآئكيـﮧ ~»، لعلَّ بعضها بحاجة للتوسع، وبعضها للشرح، وبعضها غير مفهوم أساسًا، على كل حال هي خلجة من خلجات النفس.
.أما إجابة الأسئلة فهي:
.
- ما هي كتب الطفولة التي علقت بذهنك؟
كتب كثيرة. لكن أبرزها رواية لأغاثا كريستي عنوانها بحسب الترجمة البيروتية الرخيصة في ذلك الزمن، «جزيرة الموت»، درسها الأوّل لي: الحقيقة قد تكون مخادعة.
.
- من هم أهم الكتاب الذين قرأت لهم؟
الأهمية هنا، أهمية نسبية، ولأنها لم تحدد بالنسبة لي أم للغير، فستكون الإجابة عامة.
تولعت لسنين بالمذاهب، فقرأت فيها الكثير ومكتبتي تحوي أكثر من كتب المذاهب المختلفة، فقرأت لأبرز من كتب فيها.
ثم تولعت شيئًا ما بالفلسفة، فقرأت فيها، بشقيها الشرقي والغربي، كثيرًا لأبرز مفكريها.
ثم انتقلت لعلم الإجتماع، والنفس، وعلى نفس المنوال.
لذلك لا يمكن تحديدهم بدقة، إلا بتحديد المجال بعينه.
وإن كان هنّاك كُتاب لا استغني عن كتبهم ومقالاتهم كالشهيد مطهري.
.
- من هم الكتاب الذين قررت ألا تقرأ لهم مجددًا؟
إحدى آفات القراءة الكثيرة هي حفظ أسلوب وأفكار كاتب معين، بحيث تفقد المتعة لأنه بالإمكان التكهن بما يمكن أن يقال.
أنيس منصور أبرزهم.
.
- في صحراء قاحلة، أي الكتب تحمل معك؟

كتب الأحاديث. أجد فيها متعة وشحذ للذهن.
أحب أن أقضي أوقات فراغي في تصفحها.
.
- من هو الكاتب الذي لم تقرأ له أبدًا، وتتمنى قراءة كتبه؟
قرأت مقتطفات كثيرة للسيد الخوئي قدس سره، ولكني لم أقرأ كتابًا له، باستثناء بعض الفقهيات.
في الرحلة الأخيرة للعراق استطعت الظفر بكتاب كنت أبحث عنه منذ زمن طويل له، وحصلت عليه ولله الحمد.
كذلك كارل يونغ، قرأت مقالات كثيرة له، ودرست بعض نظرياته، وأتمنى أن أقرأ كتبه، وهو المشروع القادم بإذن الله. ولدي عدة مقالات وكتب في المسيحية للمرحوم البلاغي لم أقرأها حتى الآن، وباستثناء بعض أشعاره، لم أقرأ له شيء.
.
- ما هي قائمة كتبك المفضلة؟

كتب الأخلاق وعلى رأسها سفر نفيس اسمه (جامع السعادات)، وعلم الإجتماع.
.
- ما هي الكتب التي تقرأها الآن؟

التدين والنفاق بلسان القط والفأر، للعلامة البهائي ( بهاء الدين العاملي) قدس سره.
اختلال العالم، لأمين معلوف.
وأتصفح بعض البحوث الفكرية، والإعتقادية.
.
تبقى نقطة أخيرة أشير لها، وهي أن لكل شيء آفة، وآفة القراءة شيئان متحدان: النسيان والذاكرة الضعيفة، وكلاهما أعاني منه.
ولولا الأوراق الصغيرة، لما بقي شيء في ذاكرتي ممّا أقرأ أبدًا.
والأسئلة موجهة للجميع، لمن يشاء الإجابة عنها.


18 يونيو 2010

شيء عن ومن الذكريات


لا نمتلك لحظة الذكريات، بل تملكنا. لا نستطيع أن نجبر أنفسنا على عدم التذكر حين نمر في مكان كتبت فيه بعض سطور حياتنا. كما تمر على بستان في الخريف فتشم آثار الربيع فيه، كذلك هي تلك الأماكن التي تعيد نشوة زمن مضى، أو أحزانه. لا تملك المشاعر عقلاً تجعلها تعيد تصوير المشاهد كما تريد، لكنها تملك قوة لأن تدس بعض هذه المشاهد في زوايا ضيقة من الذاكرة بحيث لا نستطيع أن نستعيدها إلا بأن نمر في نفس تلك اللحظات مجددًا. كحبات الرمل الناعمة، ينزلق الزمن من بين أصابعنا فلا تبقى إلا خشونته كذلك هو يرسم علاماته، أو يضعها ولا نملك أمامها إلا التسليم، والإذعان.

.

كل البشر يخوضون يوميًا مئات الحروب 'الدونكيشوتية' ليحاربوا طواحين الذكريات، لعلهم يتخلصون من هذه الأحمال التي أثقلت ظهورهم، لكنهم لا يعلمون أن الذكريات لا نعيش معها فقط، بل تعيش فينا، وإذا استطعنا أن نخاصم أنفسنا استطعنا أن نتخلص منها، وحده الموت هو الذي يرسم حدود الهدنة ما بيننا وبين ذكرياتنا. يعتقد الكثيرون أنّه بإمكاننا أن نهزم ذكرياتنا، وإذا فشلوا بذلك آمنوا بأنهم مهزومون، تمثل هذه قمة الأوقات العصيبة عند الإنسان، حرب تخوضها نفسه بالإنابة عن نفسها. ليست كل الحروب قابلة لتحقيق النصر فيها، ثمة حروب يجب أن تخوضها، لمجرد خوضها. «رغم أنني مررت بكل ما أنا فيه الأن، غير أني لستُ نادمًا على أية صعوبات قابلتها، لأنها هي التي جلبتني إلى هذا المكان الذي أردت أن أصله. والآن كل ما أملكه هو هذا السيف، وأنا أعطيه لكل من يرغب مواصلة رحلته. إنني أحمل معي علامات المعركة وندوبها، إنها الشواهد لما عانيت، والمكافآت على ما فتحت».

.

الماضي ليس وقتًا كميًا، ليس ساعاتٍ، أو سنوات، أو أيام. الماضي هو صندوق تدخله من طرفٍ، لتخرج من الطرف الآخر له وأنت معجون بآلاف التأثيرات التي تعطيك الإجابة عمّن أنت؟ .. "من أنا؟ فأنا أنتظر الأكثر جدارة، وأنا لست جديرًا حتى أن أموت من أجله."، بعضنا يعيش هذه الحالة، ينتظر تلاشي الذكريات، وبعضنا يعيد إحيائها في كل لحظة لأنه لم يستطع أن يوجد ما هو أحسن منها، في كل الأحوال تبقى مندسة لتقفز في اللحظة المناسبة، في الوقت الذي يغلب فيه الظن بأنها اختفت وأن الإنتصار على بروزها الدائم قد تم، فالعيش معها هو إنهزامية تضفي الخجل، خجل من الحنين الدائم للماضي، أو من الهروب المتسرع إلى المستقبل.

.

«عليك أن تصبح طفلاً كي لا يزعجك الخجل» هكذا قال الحكيم ذات مرة. الطفولة لا تعود، ولكن الرغبة بها تعود، الطفل لا يعرف المجاملة، ولا الخجل فهو صريح إلى أقصى درجة، ولهذا يحنّ كل إنسان إلى طفولته، إلى تلك البراءة والمباشرة التي افتقدها، إلى عدم الخجل مما يريد، وما يرغب، وما يبحث عنه. لا أعلم ما حدث، لكني أعلم أن تلك اللحظة جرتني إلى الطفولة، لم تعد إليّ مجرد ذكريات حسبتها طويت، بل أحيتها فيّ للحظات.

.

لكل يوم من أيام الأسبوع، طعم وشعور، يوم خفيف وآخر ثقيل، لم يكن الناس يستسيغون الجمعة فهو أثقل أيام الأسبوع، ولكن هل رأيتم يومًا بدايته ثقيلة ونهايته خفيفة؟ على غير العادة، كان الجمعة كذلك عندي. يبدء يومًا ثقيلاً فصباحه آخر صباح في العطلة، وينتهي خفيفًا، يحكى أنّ أحدهم سأل آينشتاين مرة عن النسبية، فكان جوابه: إن الساعة التي تقضيها مع إمراة قبيحة تشعر بها كالدهر، والساعة التي تقضيها مع إمرأة جميلة تمر كدقيقة. ربما، يقدم هذا المثال اجابة سؤال: لماذا ينتهي ذلك اليوم خفيفًا؟ لا زلت أذكر أنني سمعت باسم «محمد بن الحنفية» لأول مرة في ذلك اليوم، ولعل ذلك يرجع لأنها الجملة العربية الوحيدة التي فهمتها، بالنسبة لطفل لا يتجاوز العاشرة من عمره، ليس من اليسير عليه أن يلتقط جملة مفيدة من محاضرة طويلة بلغة غريبة عليه حينها.

.

كان إمام المسجد رحمه الله- شيخًا مسنًا، منبره على يسار المحراب، عدة درجات في نهايتها مقعد صغير من الخشب القديم المغطى بقطعة من القماش الأسود، بينما ظل المحراب أبيض اللون كلون الحيطان التي امتزجت بلون السجادة الخضراء التي بدت وكأن خيوطها قد ألقت بظلالها على الحوائط. الباب من الحديد المصنوع يدويًا عند أحد الحدادين، بعد الدخول منه ستصادفك على اليمين دورات المياه، وخارجها محلات الوضوء، وبظهر المتوضي تبقى إحدى أجمل المكتبات التي ارتبطتُ بها، كانت مساحتها صغيرة لدرجة أن متوليها بالكاد يكفيه المكان داخلها ولكني كنت أراها عظيمة. يُقال بأن أعيننا لا يتغير حجمها منذ الولادة، وهذا صحيح، فإن الأشياء هي التي تكبر وتصغر بقدر تأثيرها، وتأثرنا بها.

.

مغرب كل يوم جمعة هو الموعد الحقيقي لابتدائه، كانت الصلاة بهذا المسجد الصغير المختبئ وسط الشجيرات طقس لا يكتمل هذا اليوم دونه، وثاني الطقوس كنت أحضره متفرجًا لا أفهم معظم الحديث الذي يدور بين الرجال، كل ما أتذكره هو أنه بكل أسبوع كان «خالد خلف» المحامي يلفت ناحيتي قائلاً: "كله من يدّك! قص على أبوي وخلاه يتزوج هندية معاه" ثم يضحك وهو ممسك بسيجاره الكوبي خلف مكتبه، المكتب الذي يقع تحته واحد من أشهر مطاعم الكويت .. (نــوارة)!

.

لا أظنها صدفة أبدًا، أن أقف بالأمس على أطلال ذلك المسجد الصغير في شرق، الذي كان ينتهي مساء كل جمعة بنظرة لمأذنته الصغيرة وهي تتوارى من بعيد خلف الأشجار، بعد أن كان يبتدئ بالصلاة خلف إمامه المسن، وبين مقابلتي اليوم لمؤذن المسجد. أعادت رؤيته لذاكرتي عشرات الأوجه التي جرفتها الدنيا ولم اعد أراها، أو أضحت ضيفة تحت التراب، يبدو الخجل في أعلى درجاته الآن لأني وقفت حائرًا والذكريات تهاجمني من كل ناحية وأجد نفسي عاجزًا عن البوح بها كلها، ليس أسوء من الحديث سوى عدم القدرة عليه! كثيرة هي الأثقال التي تكبل الألسن وتسلب منا سرعة البديهة في الرد أو اتخاذ الموقف، ويهونها أنها أثقال مؤقتة إلا في مثل هذه المواقف حيث تعجز حروف اللغة الثمانية والعشرون عن تكوين كلمات تعبّر عمًا يجيش في الصدر، فنقف صامتين، ومتأملين، نتحسر على زمن الطفولة!

.

لست أدري ما الذي دفعني لأن أقود سيارتي إلى هناك مجددًا، لأقف على أطلال المسجد، ربما الشوق إلى تلك الأيام، أو الحنين إلى شعور الدفء الذي كانت تضفيه جدرانه على المصلين، أو الرغبة بالانعزال والهروب من البشر إلى الخالق عز وجل، أو لعلها الرغبة الجامحة في العودة إلى لحظات كان يجمع فيها المسجد أرواحًا ليست بيننا اليوم، وأفتقدها.

حاولت أن ألملم شتات ما بقي مندسًا بذاكرتي عن تلك الأيام، في بعض الصور، لعلها تعيد إحياء بعضًا من لحظاتي المندسة في جوانب الذاكرة.

غريب هو، كيف أنه بهدم شيء، تبنى صروح الذكريات، وكأنه درس من الحياة يعلمنا أنّ «هناك لحظات على المرء فيها أن يتصرف، ولحظات أخرى عليه فيها أن يتقبل».

.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما بين الأقواس مقتبس من:

فارس النور، كويلو.

هكذا تكلم زرادشت، نيتشه.

1 نوفمبر 2009

1- بـوحُ العتاب في معرض الكتاب

.
.
أحب تأمّل المناظر وأنا أقود سيارتي، تستهويني الحدائق والمسطحات الخضراء بشكلٍ كبير، لا أعلم سببًا لهذا ولكن يبدو أنها موروثات جينية، وأوضح دليل هو أن مطاعم الكباب والباكه لا تخلو أبدًا من صورة لمنظر طبيعي لحدائق غنّاء (!)، شاهدت العديد من مداخل الحدائق لكن يلفت نظري بشكل عام تلك البوابات المكونة من الكونوكاربس وكيف يشذبها أصحابها لتكوّن جسرًا معلقًا يمر من تحته الداخلون. حبلٌ رفيع يربط في نهاية الشجرة الأولى أوّل ما تُزرع، ويُشدُّ بنهاية الشجرة الثانية المزروعة للتو، ومع مرور الأيًام تلتحم الشجرتان لتكوّنا مدخلاً كما أراده وتصوره صاحب الحديقة.
.
شهر نوفمبر من كل عام، تتجدد فيه مناسبتان الأولى أنه الشهر الذي أفقد فيه عامًا إضافيًا من عُمري، والثاني أنه الذي يذكرني بزيارتي للمعرض مع والدي رحمه الله. كان يفعل بي مثلما يفعل أولئك بالكونوكاربس، يربطني بحبل في كتب معينة لا يستخسر بها مالاً أبدًا، وفي نفس الوقت يرفض شراء بعض الكتب لي رغم أنّها كانت أرخص ثمنًا فاضطر لشرائها من مصروفي الشخصي. اليوم أقف شاهدًا وأنا أرى الحصيلة [1] على اللوحة التي أراد - رحمه الله - رسمها لي.
.
يبدو أنّه كلما زادت الأرقام التي تشير لعمر الإنسان، زاد (سأمه) أو نفوره مما كان يتصور به المتعة حين طفولته، كما يشمئز المرء من حليب أمه اليوم، كان يترقب اللحظة التي يحين موعد شربه له في طفولته. لم تعد اللهفة موجودة، واستبدلت بالترّفع والاشمئزاز لمجرد أن معدته تطوّرت وبدأت تفضّل ألبان البقر ولحوم الخرفان، هكذا لم تعد متعة معرض الكتاب، كما كانت في الصغر، بالنسبة لي.
.
ارتباطي بالمعرض بات ارتباطًا وجدانيًا أكثر من كونه ارتباطًا ثقافيًا، بالنسبة لشخص عليه - غالبًا - أن يأتي بكتبه من الخارج لأن القائمين على المعرض (والرقابة عمومًا) يحكّمون أمزجتهم فيمنعون كتابًا تارة، وأخرى يسمحون به، وفق أهوائهم فهذا يعني أنه عليّ أن أتآلف مع المكتبات في بيروت ومشهد وقم، وهذه الأخيرة كلما تذكرت حال «باساج قدس»[2] فيها، ضحكت من تظاهرة تُسمّى زورًا ثقافية عندنا متمثلة بمعرض الكتاب!
.
ممرات معرض الكتاب تعيد ذلك العبق لي، في بعض الأحيان القيمة الجمالية التي تملكها اللحظة في الذهن أكبر من آلاف اللحظات الجمالية التي يمكن أن نقتنصها في الواقع، لا زلت أشتري الكتب من المعرض، ولكنه شراءٌ لـ"تبرئة الذمة"، أصبح كأنه ديوانية رمضانية، تفتح أبوابها مرة بالسنة نسلّم ونستفسر عن الأصحاب الذين شغلتنا الحياة عنهم، ونستقصي أخبار من نفتقدهم أو فقدناهم.
.
هذه السنة، فقدت عدّة منهم، لم أشاهد الجناح الإيراني، هذه خسارة إضافية لمعرض الكتاب، عرجت على من أعرفهم في باقي الأجنحة، بطريقي أبصرت أحدهم، يا الله! عرفته قارئًا نهمًا، في مكتبته تجد كتبًا لا تجدها في أيِّ مكانٍ آخر، تأملت الشعيرات البيضاء التي غزت لحيته الخفيفة، وقطار الأبناء خلفه، وهو يحاول استرضاء هذه، ومتابعة ذاك، مَسح فم ابنته الصغرى من بقايا "البوظة" ..
.
- يقولون ما خليت لنا شي بالمعرض :)
أمسك رواية هي أشبه بـ (سوالف منتدياتية) اشتراها لابنته الكبرى، ملوحًا بها تجاه وجهي:
- آخر عمري اشتري هالخرابيط!
- ما عليه، المهم يقرون، إنتَ شخذيت؟
- ولاشي!
.
عرفت أن الكتب عنده صارت كأنها أكوام حجارة بجانب قسيمة انتهت للتو من البناء، مجرد تجمعات غير منتظمة الشكل في غرف المنزل، همّ البورصة اتعب قلبه، وبنيان البيت أخلى جيوبه، ومتطلبّات الأولاد جعلته يحمد الله إن استطاع أن ينهي قراءة جريدة.
.
حين عدت للبيت مع كتبي كانت أختي تزور أمي، سمعتُ التعليق المميز:
- فـراغة!
.
هذا التعليق إمّا أن يجري على لسان كل من يشاهد كتابًا بيدي، أو أنّه يفضل الإطلال برأسه من خلال تعابير وجه من (يخزني). أن تجلس بالقهوة لساعات وتدخن الشيشة فانت تملئ وقتك، أو تتابع فلمًا تلو الآخر فأنت تستفيد من وقتك، أو أن تقضي الساعات تتابع أخبار اللاعبين أو الممثلين أو أبناء وبنات العائلة والجيران والكويت والكرة الأرضية كلها، الأحياء منهم والأموات، فأنت تستغل وقتك، أما أن تمسك كتابًا وتقرأ فهذا إما أنه من زود الفضاوة أو فـراغة!
.
لا يهم، بتُّ أملك مناعة مكتسبة الآن تجاه هذه التعليقات، ومع هذا لا زلت أفكر من الفارغ، أنا أم النّاس؟
هل أقدم على ما أقدم عليه الملك وأشرب من نهر الجنون حتى لا أصبح العاقل الوحيد بينهم؟ هل يُعقل أن توفيق الحكيم اكتشفَ الحل المثالي؟ أن نصبح كلنا مجانين؟
أم لا، أحتفظ بعقلانيتي و إن كلفتني منصبي، على الأقل لستُ ملكًا لأخاف من إزاحتي، وهذه من فوائد كونك من الطبقة الكادحة.
.
من جانب آخر، ألا يُمكن أن أكون أنا المجنون وأولئك هم العُقّال؟ لا يوجد ما يمنع ذلك، المجانين دائمًا يتصورون أنهم أعقل النّاس، وأنّ العوام أقل من أن يفهموا كلماتهم، كان بهلول يدّعي الجنون، يضحك عليه الناس في زمنه، لكنّهم اليوم يقفون احترامًا لحكمته، ونفاذ بصيرته.. لو كان المجانين كلهم بهاليل، لكنّا نعيش في عالم جميـل.. بعيدًا عن زين العقلاء!
.
تذكرت الشيخ بهلول رحمه الله، وصفه والده بأنّه (بهلول) أمام قائد الشرطة ليخلص نفسه من تبعات أفعاله، نسى الناس اسمه وتذكروا لقبه، رغم أنه قاد ثورة لازال التاريخ يذكرها بإجلال.
.
« إنني أحب الشجعان، ولكن لا يكفي أن تكون مقاتلاً شجاعًا يستخدم السيف القاطع، عليك كذلك أن تعرف من تقطعه بسيفك!» [3]
.
وللحديث - إن شاء الله - بقيّة ..


_____________
[1] ما ترونه في الصورة من كتب مستلقية على سطح المكتب.
[2] سوق الكتب في قم، كل ما تبحث عنه من كتب – مهما كانت – ستجدها هناك!
[3] القول لـ نيتشه، على لسان زرادشت.

28 سبتمبر 2009

جريمة في مطعم باكه

.

أمـس ..
بعد صلاة الفجر، طالعت الساعة، فقررت أن أغفو قليلاً، فلا زال بالوقت متسع حتى وقت الاستيقاظ لأوّل يوم عمل بعد الإجازة المتعبة جدًا.

رنّ المنبه، طالعت الساعة مجددًا، كانت (30:..)، جيّـد، عندي ما يكفي من الوقت، سخنّت الماء، اتيت بـكوبي، وبدأت بشرب قهوتي الصباحيّة و أنا على جهاز الكمبيوتر.
.
انتهيت من مراجعة الرسائل في "ايميلي"، وقعت عيني على سطح المكتب مجددًا، فخنقتني العبرة! منذ أسبوعين كلمّا شاهدت عدد الكتب و الأوراق على مكتبي تخنقني نفس العبرة، منذ أسبوعين لم أذق طعم النوم الهانئ، منذ أسبوعين و أنا بالي منشغل بـ"مليون" شغلة يجب أن انتهي منها بأسرع وقت، ويبدو أن الوقت دخل في تحدّي بسباق السرعة معي، عشرات الصفحات يجب أن أكتبها و أرسلها قبل الموعد المحدد وبعضها لم أبدء بخطِّ حرفٍ فيها حتى اللحظة، منذ أسبوعين و انا عقلي بإجازة عن كل ما حولي إلى الآن، حتى بدأت صديقتي الثعلبة تزورني مجددًا، لأخفف لحيتي حتى كادت تختفي بعد 6 أشهر من خدمتها على وجهي ..!
.
قررت أن اترك عبرتي تجري بعد أن أعود من العمل! لأقتنص اللحظات الباقية و أراجع بعض المدونات، فتحت مدونة فريج الهيلق، بدأت بالقراءة حتى وصلت لختام التدوينة.. و أنا منصدم!

و لأن المصائب تأتي تباعًا وقعت عيني بالصدفة على ساعة الكمبيوتر لأراها 7.55 صباحًا و أنا الذي كنت أظنها 6.55 دقيقة!
.
هذا يعني أن "التوقيع" انشال، و أن الدوام رسميًا بدأ منذ نصف ساعة! و أنا للحين ببجامتي وقهوتي .. و شعري المنفوش!
شنو لبست؟ شلون طلعت؟ شلون وصلت لمقر عملي خلال 10 دقائق، إلى هذه الساعة لا أعرف!
كل ما أعرفه أن هناك قطعة سوداء في ذاكرتي ما بين الساعة 7.55 صباحًا إلى الساعة 8.15 صباحًا بتوقيت مدينة الكويت و ضواحيها!
.
حين وصلت، صديقي المفترض به أن يكون عزيزًا هناك لفت نظري (ونظر الجالسين كلهم بالأحرى) إلى أنني (لابس ساعتي بالمقلوب)، لولا أنّها هديّة، لكانت اليوم جزءًا من رأسه، فحجمها يساعدها على أن تحفر مكانها جـيـدًا بالجمجمة !
.
أحيانًا كثيرة تكون الإجابة حاضرة عندي و لكن تخونني الكلمات، لا أعرف ما أقـول أو كيف أعبّر بالكلمة عمّا يجيش بصدري، في هذه اللحظات تتمنّى لو أن ريحًا شديدة مغبرة تأتي لتغطيك والجالسين فتختبئ داخلها، لانها الوحيدة التي تجبر الجميع على الصمت و عدم التكلم : فنتساوى كلنا في نفس الموقف.

كانت إحدى تلك اللحظات، عندما قرأت الحلقة الاخيرة لـ مطعم باكه، ثم أتت زميلتها حين وصلت لمقر عملي و أمام مسؤولي .. و لا يفصل بينهما سوى دقائق!

* * * * * * * * *
.
أنا مؤمنٌ بأنّ للنفوس إدبارٌ و إقبال، فهي و أرواحنا مثل البحر و الموج، البحر موجود و لكن مظهره يكون وديعًا إن هدء و مرعبًا إن عصف، هكذا نحن، أرواحنا موجودة، و نفوسنا تهدء تارة و تعصف أخرى، و لأنني آمنت بهذه الحقيقة، فقد قررت أن أجعل كل مظاهري في الحياة مثلها، إن أقبلت نفسي عبّرت عنها، و إن أدبرت صعدتُ إلى الهواء !


ما لم أذكره في "الصعـود إلى الهواء"، أننا في محيط حياتنا نؤمن و نعتقد بأوهامٍ كثيرة، نعتبرها مسلمّات، و أشياء مفروغ منها، لذلك نعتبر الصراع معها أمرٌ لابد منه، ولكن صعودنا للهواء يحررنا من هذا الوهـم، دائمًا أتساءل مع نفسي كما يفعل غيري عن حقيقة وضعي الآن، هل كان من الممكن أن يكون أحسن؟ هل هناك ما أندم عليه؟ هل ارتكبت أخطاءً؟ هل بما أفعله الآن "أخنق" نفسي؟
.
في الواقع، نعم ارتكبت أخطاءً كثيرة، و هناك أشياء عديدة لو رجع بي الزمان لما فعلتها أو أقدمت عليها، وندمت على بعضها، وهناك أشياء كنت أعتقدها ولكني حين صعدت للهواء اكتشفت أنني واهم!
.
لو عدت بالزمن إلى تلك اللحظات التي اتخذت فيها تلك القرارات، لما اختلف اختياري، إنّ خطأ اختياري ذلك الوقت لم يكن معلومًا عندي إلا بعد أن ارتكبته، وبعد أن ازداد وعيي و كبرَ سنّي، لقد عرفت أنه من غير المنطقي أن أحاكم نفسي على مواقف سابقة بناءً على خبرات حاليّة، لولا أنني وقعت في تلك المطبّات، لما عرفت كيف أتجنب غيرها.. ومنها عرفت أنني قادر و مهيأ لأن أتعايش مع نتائج تلك الأخطاء.
.
قبل عدة أسابيع كنت مع أحد أصدقائي، أثناء حديثنا صعقني بسؤال: إنت سفيد،صح؟
.
وانفرطت العقدة بعدها، في موضوع (ســنــة) ذكرتُ أنّ هناك عدة مدونات أنشأتها و الآن أذكر لكم أنني حذفتها لأن هناك من اكتشف شخصيتي الحقيقية بها، كان عندي اعتقاد أو وهـم بأنّ سفيد على أرض الواقع شيء، و خلف الشاشة شيء آخر، سفيد في "المحيط" الإفتراضي يتكلم و يكتب، مثل البحر إن هاج، وسفيد على أرض الواقع يفضّل الصمت أحيانًا كثيرة ، وهذا الصراع بين السفيدين كان لابد و أن ينتهي لمصلحة أحدهما، وهذا هو ما توهمته، و كان الواقعي هو من ينتصر دائمًـا، حتى أتت هذه المرة.
.
لم يعد هناك واقعي، و آخر افتراضي، بدلاً من أن يكونا طرفي نقيض، كان يمكن أن يكونا متكاملين فالبحث عن المشتركات دائمًا أسهل من البحث عن المختلفات، و لكن لأننا بشر فإننا نفضل أن نتصارع دائمًا، فإن لم يقتل أحدنا الآخر بحثنا عن السلام .. بعد أن أنهكنا قوانا في الحرب!
.
وهذا ما حدث.. أو بالأحرى هذا ما استوعبته حين صعودي للهواء. نعم أنـا هو، كانت إجابتي على سؤال صديقي، وعلى غير العادة حين عدت للبيت لم أغلق وأحذف المدونة!
.
لقد قررت أن أعيش معهـا هذه المرّة .. دون أرتكب فيها تلك الجريمة المعتادة!

.

هذه الرسالة موجهة لـ مـطعـم باكـه، الواقع في فريج الهيلـق، و آمل أنّها بحروفها هذه قد وصلت لألاّ يرتكب نفس الجريمة.

.


ملاحظة: البريد الإلكتروني لمطعم باكه، اللي يعني صايد الحركة و شاله من المدونة موجود عندي، لذلك فإن لم أشاهد تراجعًا و إنسحابًا منه عن موقفه خلال 72 ساعة، فإنني سأرتكب جريمة تضاف لسجلّي الإجرامي في "الدعـوة إلى التشاؤم"، بنشر بريده الإلكتروني للجميـع :).


بعد استجابة مطعم باكه لنداءات الشعب، تم سحب التهديد .. ودمتم بخير :)