28 أكتوبر 2008

الإشراق .. مجرد لمحة .



هذا الموضوع هو ( لمحة ) ، و اللمحة جزءٌ من النظرة ، و الجزء كنقطة ماء من صفحة المحيط الهادي .
الموضوع برسم الإهداء للفاضلة ' Yin ' لأنني وعدتها بذلك .




يعتبر أفلاطون مؤسس المدرسة الإشراقية ، المدرسة التي خالفها تلميذه أرسطو حين أطلق مدرسة المشائين التي تعتمد البناء على البراهين العقلية البحتة في العلوم الطبيعية ، مدرسة أفلاطون كانت على جدال دائم مع أتباع المدرسة الأرسطية ، و لم يتوقف هذا الجدال خصوصًا بعد أن بدأت بوادر الفلسفة الإغريقية تدخل في جدالات الفلاسفة المسلمين إلا حين ظهر العلامة الملا صدر المتألهين القوامي الشيرازي رحمه الله صاحب الأسفار بمدرسته التي سماها " مدرسة الحكمة المتعالية " و وفق فيها بين مقالات أفلاطون و تلميذه أرسطو بأسلوب جديد و على مباني ابتدعها لم يسبقه بها أحد.


يقول الشهيد د. مرتضى مطهري : " و لقد توفق [ أي الملا صدر المتألهين ] كل التوفيق في الجمع بين الآراء الباقية من أفلاطون مؤسس مدرسة الإشراق و تلميذه الجليل أرسطو مبتكر منهج المشائين و كان الأوّل من المعلمين داعيًا إلى تهذيب النفس و تصفية الباطن ، قائلاً بأن الطريق الوحيد إلى اقتناص شوارد الحقائق واكتشاف دقائق الكون هو هذا المنهج ليس غير ، و كان الثاني منهما مخالفًا له في أساس منهجه ،قائلاً بأنّ الدليل للوصول إلى الحقائق المكنونة ، و الدقائق المجهولة ، هو التفكير و الاستدلال و البرهنة الصحيحة ، فكان يخطو على ضوء البرهان العقلي من مقدمة لأخرى ، إلى أن يصل إلى الحقيقة التي يتوخاها بسيره النظري "


مع هذا كتب الشهيد مطهري لاحقًا عن مدرسة الحكمة المتعالية للملا صدر المتألهين الشيرازي : من بين العشرات الذين يقضون أعمارهم كلها في فهم مطالب الحكمة المتعالية، لايستطيع فهمها سوى عدد محدود يُعد على عدد أصابع اليد الواحدة.
لماذا ؟
لأنها مدرسة تعتمد على الإثبات العقلي البرهاني ثم تدعيمه بالإثبات الكشفي ( أي المكاشفة / الاشراق ) .


- فلسفة أفلاطون

ترجع فلسفة أفلاطون إلى أستاذه سقراط ، و قبله إلى هيرميس المصري مرورًا بفيثاغورث الرياضي و الفيلسوف الاغريقي المعروف ، و ترتكز فلسفة أفلاطون على شيئين تماما كفلسفة كونفوشيوس الصيني و هما : حب الفضيلة و الفضائل و بغض الرذيلة و الرذائل .

كانت طريقة إجابتهم للأسئلة التي تؤرقهم هي تخلية أنفسهم من الرذائل ، كل الرذائل التي تلازم الإنسان يتخلصون منها و يتمسكون بالفضائل حتى يصبح ظاهرهم كباطنهم لا يقومان إلا على التحلي بكل فضيلة و التخلي عن كل رذيلة ، فتكون أنفسهم صافية كالمرآة تنجلي للحقائق فتعكسها كما هي مما يحدث لهم حالات الكشف أو الإلهام التي تجيب مسائلهم .
فهي فلسفة أخلاقية بحتة تعتمد على الروحانية في إجابة الأسئلة ، على العكس من فلسفة أرسطو القائمة على البراهين و الإستدلالات العقلية ، و رغم أنّ هذه الفلسفة [ أي فلسفة المشائين لأرسطو ] نقلت طريقة التفكير الإنسانية من مجال الخرافات إلى مجال البراهين ، أي صعدت بالفكر و ارتقت فيه من تفسير كل شيء عن طريق الخزعبلات و الأساطير إلى تفسيره وفق الحقائق و الطرق العلمية إلا أنها ظلت بدائية و لم تستطع القضاء على فلسفة أفلاطون الإشراقية التي شقت طريقها و أثبتت وجودها.

- السهروردي يحيي أفلاطون .

شهاب الدين السهروردي ، الذي اشتهر بلقب الشيخ المقتول حتى عند الغربيين بعد أن قتله حكام الدولة الأيوبية في مصر و هو لم يتعد الأربعين من عمره .

يعتبر السهروردي شيخ الإشراق في العالم الإسلامي ، يأخذ منه الصوفي السني و العرفاني الشيعي و كلاً يتقاتل على نسبته إليه كما يحدث لابن عربي صاحب الفتوحات المكية و الحلاج و الهروي و غيرهم ، تبقى مسألة مذاهبهم أو اعتقاداتهم الفكرية غير مهمة ، إنما المهم هو أثرهم الذي غرسوه في وجدان المتبعين لهم . كان السهروردي مغرما في فلسفة أفلاطون ، ينقل السيد المدرسي قوله - أي السهروردي - : إن مدى فهم الفلاسفة المسلمين لافلاطون كنسبة الواحد الى الألف .

ثم ينقل قول البعض عنه : إن السهروردي من أكثر فلاسفة المسلمين الذين صرفوا أوقاتهم في تفسير كلمات أفلاطون. فالفضل الأول في إعادة احياء طريقة الاشراقيين بلباس إسلامي في المشرق العربي ترجع للسهروردي الذي خالف الفارابي و باقي الفلاسفة في اعتماده على " تنقية الذات " كطريق للوصول إلى الحقائق .

- ما هو الإشراق ؟

متى تشرق الشمس ؟


حين يصبح وجه الأرض أمامها فيضع نفسه في موضع المستقبل لأشعتها ، و لولا هذا الأمر لبقينا تحت رحمة القمر .


ينقل الشيخ القريشي : فالإنسان إذا صفّى هذه الكدورات وهذه الشبهات الغريبة من جسده تصفوا مرآته فتنعكس على الملكوت الأعلى فيشرق عليها النور .


هكذا هو الإنسان ، لا ينال مدارك العلم إلا بالإمداد الغيبي ، ولا يكون الإمداد الغيبي إلا لمن يجعل في نفسه القابلية لأن يسمع صوته ، و لا يسمع صوته إلا حين ينقي بدنه و نفسه من المكدرات و الرذائل ، حتى تصبح روحه شفافة خفيفة قادرة على سبر أغوار عوالم اللا شعور .
هناك سؤال لا يزال يحيّر العقول و الألباب : كيف ينتقل العلم ؟
بحسب فهمي القاصر ، فعند العرفانيين العلم هو نور يقذف للإنسان حين يصل إلى درجة ( الحب ) و هي الدرجة التي يندك فيها الشخص مع محبه فيصبح شخصًا واحدًا ، و لهم استدلال قرآني لطيف ، سيأتي في سياق موضوع آخر إن شاء الله .


حين يحدث هذا التوحد يتجلى العلم فيكون أثره ما ينفع المسلمين بشكل خاص أو ينفع البشرية بشكل عام ؛ يُقال بأن إسحاق نيوتن كان ( مندكا ) في علومه الطبيعية لدرجة عدم إحساسه بالموجودات حوله ، فكم من مرة نسى طعامه أو طبخ ساعته !
فكان عاقبة ذلك أن حدثت له المكاشفة حين فكر : لماذا سقطت التفاحة للأسفل ، و لم تصعد لأعلى ؟
و حينئذ لمعت الفكرة برأسه .


هي نفسها اللحظة التي جعلت بيرسي سبينسر يكتشف المايكروويف من لوح شيكولاتة كان يأكله .


و الأمثلة أكثر من أن تحصى ، فما بالك إن كان هذا الشخص توجه نحو الأعلى أو نحو نفسه فما تكون نتيجة إشراقاته ؟


يقول الشيخ القريشي : إذن هناك جملة من الفلاسفة يستمدون معلوماتهم من الإشراق والكشف ، يعني ينقّون أنفسهم و يجردون ألواح عقولهم عن الكدورات حتى تنكشف لهم الحقائق ، [ إلى أن يقول .. ] ، فيكتبونها في طواميرهم كما فعل صدر المتالهين في كتابه الأسفار الأربعة بعد أن انقطع عن الناس لمدة خمسة عشر سنة ، وكذلك ابن عربي في الفتوحات المكية ، بغض النظر عن صحة هذه الحقائق وعدمها وكذلك ما فعله "الدربندي" في أسرار الشهادة عندما يتكلم عن قضايا الإمام الحسين عليه السلام فهو يتكلم عن طريق الكشف والإشراق .

و يتحدث عن واحد من شروط الإشراق و هو إذا أراد الإنسان أن يأخذ إلهاماً أو كشفاً جديداً لا بد له أن يترك جميع المسبقات الفكرية حتى يحصل له شيء جديد ، فهو إذا تعصب لرأي معين مسبق قبل الكشف فهذا التعصب يؤثر عليه فلا يجعله يرى الحقيقة صافية .

- مراتب الإشراق


يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - ، كما في شرح النهج قوله :


« قد أحيى عقله ، وامات نفسه ، حتى دق جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الابواب الى باب السلامة ، ودار الاقامة ، وثبتت رجلاه بطمانينة بدنه في قرار الامن والراحة ، بما استعمل قلبه وارضى ربه »


على ضوء هذه الكلمة ، يُقسّم العرفاء مراتب الإشراق إلى :


1. التوبة :


أولى مراتبها هي الإقرار بالخطأ ، و معرفة النفس ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) .

لا يمكن لأي شخص أن يخطو خطوة واحدة باتجاه شيء لو لم يشعر بالحاجة إليها ، فالحاجة تولد الدافعية ، و الدافعية تعطي القوة و الجاذبية للعمل ، فتصفية النفس بأن يقف الإنسان على سوء مسكلها ، و بُعد طريقها هو يرسم له الدرجة الثانية في مجال تعلية النفس.


2. البرق :


هي لحظات خاطفة ، تلمع في وجدان الإنسان فتغذي عقله بدقائق ما خُفي عنه لأمر ما .

هي لحظات يشعر فيها الإنسان بالخفة بعد الثقل ، فتظهر له خفايا ما أخفاه ثقله ، و لكنها متقطعة و خاطفة كالبرق.


3. المكاشفة :


اليقظة بعد الغفلة ، و كم من غافل عمّا بين يديه لا يراه حتى تنتابه لحظة البرق فيستوعب فيها أن حقيقة ما يبحث عنه إنما هو تحت أنفه و ليس بيد غيره ، و أن راحته في مدفونة في عميق ذاته ، متى ما استيقظ من غفلته و وعى انتبه للمكاشفة .

فهي مثل أشعة الشمس تحت الحمراء ، محيطة بنا و لكننا لا نسعى إليها بسبب ربط أذهاننا بسعادة الغير لا سعادة أنفسنا ، و أننا نبحث لما هو بين يدي الغير و ليس ما بين أناملنا .


4. الصعق :


هي الحقيقة الواضحة ، في حديث الإمام علي - عليه السلام - لتلميذه كميل بن زياد النخعي - رضي الله عنه - : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة .

فهي الحقيقة على صورتها الواقعية لكل شيء فالمؤمن يرى بعين الله سبحانه و تعالى ، يقول السيد الخميني :


« وفي عالم ما بعد الموت - سواء في البرزخ أو القيامة - إذا كانت خلقة الإنسان في الباطن والملكة والسريرة إنسانية، تكون الصورة الملكوتية له صورة إنسانية أيضا، وأما إذا لم تكن ملكاته ملكات إنسانية، فصورته - في عالم ما بعد الموت - تكون غير إنسانية أيضاً، وهي تابعة لتلك السريرة والملكة، فمثلاً إذا غلبت على باطنه ملكة الشهوة والبهيمية وأصبح حكم مملكة الباطن حكم البهيمة، كانت صورة الإنسان الملكوتية على صورة إحدى البهائم التي تتلائم وذلك الخلق. وإذا غلبت على باطنه وسريرته ملكة الغضب والسبعية وكان حكم مملكة الباطن والسريرة حكما سبعياً، كانت صورته الغيبية الملكوتية صور أحد السباع والبهائم. »


5. الإفاقة :


و هي خاتمة المراحل ، حين يكون اليقين سيد الموقف فيكون الاشراق مستداما في هذا العالم الفاني، فلا الحقيقة صاعقة لأنها أصبحت متوالفة مع الإنسان ، و لا هناك برق يبرق في روح الإنسان لأنه تنقى إلى درجة تماثل ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل أيضًا : نور يشرق من صبح الأزل، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره.


- خاتمـة


كم مرة كنت جالسًا غارقا بفكرك في مسألة ما ، و فجأة يتفتق ذهنك عن حل مسألة لا تتعلق بما كنت تفكر فيه ؟


كم مرة تلتف فجأة لشيء بسيط جدًا لتتساءل عن حقيقة ( عظمة ) هذه البساطة التي كانت محجوبة عن ناظريك ؟


كم مرة ترى مسائل عالقة تؤرق ليلك و تتعب نهارك تحل بفكرة بسيطة تلمع برأسك؟
و كم مرة تتخذ خطوة جبارة بسبب لمعة صغيرة برقت في ذهنك ؟

و كم مرة ، و كم مرة .. إلخ . قد لا تكون كل الكلمات أعلاه مفيدة ، بل قد تكون مجرد حروف سخيفة ، و لكن هذه التساؤلات ستوصل لك المعنى بتمامه إن عجزت عن ذلك كل الكلمات السابقة ، لأنني لا أظن أنّ هناك إنسانًا في هذه الأرض لم يشعر في لحظة من اللحظات بصفاء ذهني و نفسي تـام تكون نتيجته أن يرى الواقع على حقيقته { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } ، هي لحظة لا تقدر بثمن و المغبون من لا يعمل على بقائها .


رغم أني أميل شخصيا أكثر إلى رأي النجفيين بعدم وضع اعتبارية لهذه الأشياء ، إلا أنني لا أنفيها و لا أزيحها عن مكانتها فهي ثابتة محسوسة و ملموسة ، و لكن مشكلتنا أننا وقعنا إما في افراط ( التأكيد ) أو تفريط ( النفي ).

- مصادر :
1/ أسس الفلسفة - الشهيد د. مرتضى مطهري

2/ منطق ابن خلدون - د. علي الوردي

3/ مبادئ الحكمة - السيد محمد تقي المدرسي

4/ أصول الفلسفة - العلامة محمد حسين الطباطبائي

5/ الأربعون حديثًا - السيد روح الله الموسوي الخميني

6/ مقالات : الشيخ الأحسائي ونظرية المعرفة - الشيخ سعيد القريشي

7/ wikipedia

و غيرها .

24 أكتوبر 2008

ذكرى رحيل الصادق.


في الخامس و العشرين من شهر شوال تمر ذكرى استشهاد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، ذكرى اغتيال رجل على كثرة ما ناووه و عادوه ، و كثرة من ناصروه و أيدوه فإن إجماع النقيضين على فضله و علمه و زهده و ورعه قد ملأ الخافقين ، في سابقة تاريخية يقل نظيرها .




في وصية له عليه السلام للشيخ الجليل حمران بن أعين ، يقول :


" يا حمران ، انظر إلى من هو دونك ، و لا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة ، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك ، و أحرى أن تستوجب الزيادة من ربك ، و اعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين ؛ و اعلم أنه لا ورع أولى من تجنب محارم الله ، و الكفِّ عن أذى المؤمنين و اغتيابهم ، و لا عيش أهنأ من حسن الخلق ، و لا مال أنفع من القنوع باليسير المجزئ ، و لا جهل أضر من العجب "


تعليق :


يُخاطب في مقدمة هذه الوصيّة النفس البشرية من حيث كونها إنسانية ، تنزع نحو ( الأفضل ) دائمًا ، و الأفضلية مقرونة بالعلو ، لذلك يكون نظر الإنسان مشخصًا نحو الأعلى ، فالإنسان الذي يملك قيراطا من الذهب لا يعجبه ما في يده لأن جاره يملك قيراطين فيتصور أنّ كماله هو امتلاك مثل هذين القيراطين و يتناسى حقيقة أنّ العبرة هي امتلاك الذهب و أنّ الكمية لا تؤهله للكمال كما تؤهله الإستفادة منها و لأنه عجول قنوط يتسرع بالتصرف فيستحقر ما في يده و تبقى عينه مشخصة نحو ما بيد غيره فيعيش بدوامة الغصّة لا هو راض بما لديه و لا قادر على الحصول على ما بمثل يد غيره ، و إن حصل عليه أشخص بصره نحو الأعلى منه و هكذا، ينقض هنيء عيشه بسوء تدبيره .


و لو نظر كل إنسان لما بيديه و اقتنع بما عنده و أشخص بصره نحو من لم يحصل على هذه النعمة كما حصل بها لتولد إليه الرضا بما قُسّم له ، و سأل الله الزيادة من فضله ، بدلا من سعيه في امتلاك ما بيد غيره محطما بذلك كل قيد يعتبره عقبة في سبيل تحقيق حلمه للكمال و لكنه ظلوم كفور و إنه جهول .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و على نسق هذه الوصية ، وصية أخرى أوصاها لعبد الله بن جندب :


" و اقنع بما قسمه الله لك ، و لا تنظر إلا ما عندك ، و لا تتمنّ ما لست تناله ، فإنّ من قنع شبع ، و من لم يقنع لم يشبع ، و خذ حظك من آخرتك ، و لا تكن بطرًا في الغنى ، و لا جزعًا في الفقر ، و لا تكن فظًا غليظًا يكره الناس قربك ، و لا تكن واهنًا يحقّرك من عرفك ، و لا تشارّ [ أي لا تخاصم ] من فوقك ، و لا تسخر بمن هو دونك ، و لا تنازع الامر أهله ، و لا تطع السفهاء ، و لا تكن مهينًا تحت كل أحد ، و لا تتكلمن على كفاية أحد ، و قف عن كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم "



تعليق :


في ختام الكلمة أعلاه ، تحضرني كلمة مروية عن جده الإمام علي عليه السلام يقول فيها : كن في الفتنة كابن اللبون ، لا ظهرًا فيركب و لا ضرعًا فيحلب .


و هي مسألة ابتلينا فيها حين يفتي كل شخص في كل قضية ، و تصبح كل قضية عرضة للأيادي المختلفة يبدون فيها ما يشاؤون حتى إذا انتهت و ظهرت حقيقتها بدء الناس يتلاومون ، فهو ينصب نفسه الحاكم و القاضي و العامل ، و يندرج تحت كل الرايات بعلم أو دونه ، و يتحزب تحت كل الاحزاب بإرادته أو تبعيته ، دون أن يحيط بفكرة هذا التجمع أو يتقين من أهدافها ، فالغاية عنده هي التحزب لفكرة ما ، و ليست وسيلة للوصول إلى هدف أسمى كما هو المرجو من هذا التحزب ، و هذا من غريب طبع الإنسان الذي كان أكثر شيء جدلاً.

19 أكتوبر 2008

كله منك يا عباس .





يروي د. عبد المحسن يوسف جمال في كتابه اللطيف ' لمحات من تاريخ الشيعة في الكويت ' أنه في عام 1783 م ، تقدم أحد شيوخ بني كعب لخطبة مريم بنت عبد الله الصباح كمقدمة لخطة وضعوها لتوسيع دائرة المناطق الخاضعة لهم ، و رفض الشيخ علاقة المصاهرة هذه فما كان من بني كعب إلا أن أعلنوا الحرب على الكويت حديثة التكوين التي كان يحكمها في ذلك الوقت الشيخ عبد الله الصباح ، فخرج الكويتيون لمنطقة الرقة البحرية ليتلاقوا مع بني كعب في أول معركة يسطرها الكتاب في تاريخ الكويت ، كان الجيش الكويتي وقتها يتكون بشكل رئيسي من آل الشمالي و آل الوزان و آل المحميد و بن شيبة و بن نعمة الصباغ و آل عباس الكعبي .


و للأسف فآل عباس الكعبي لم يعد لهم وجود اليوم في الكويت فقط انقطع نسله .


هذه الحادثة مثال بسيط جدًا على واقعة تاريخية مثبتة و مروية و متواترة بين كبار السن ، لم يعد يعرفها أحد اليوم ، حتى أصبح التحدث عن الوجود الشيعي في الكويت هو كمن يتحدث عن تاريخ التواجد الصيني في اقليم التيبت الذي ابتدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية .


بشخطة قلم بسيطة و بتواطئ بين أغلب المؤرخين أصبح تاريخ الكويت مختزلاً بفئة معينة ، لا ينفك التاريخ عنها و أنّ مساهمة الباقين ما هي إلا من وضع الأذهان أو كما قال د. أحمد الخطيب في مذكراته : " فتاريخ الكويت تعرض للتزوير و التدجيل و ألغى دور الكويتيين كليًا " .


من المؤسف أن تجربة الغزو المؤلمة لم نستغلها في تصحيح المفاهيم البائدة عندنا و أولها مفهوم الـوطـنيـة بحيث اختزل هو الآخر بتلك الفئة ، و أصبح ما عداهم مجرد دخلاء وجودهم و تاريخهم يبتدأ منذ عام 1950 .



هذا الكلام تخطرته حين وجدت إحداهن بكل صلافة ، تمسح قرنين من الزمان و تنسب كل هذا البنيان إلى فئتين كان كل وجودهم هو أنهم في يوم من الأيام امتلكوا المال ، و الفئة الأخرى رحمها الله ببراميل الستينات ، و اليوم غدتا أمثولة المواطنية و أن البلاد لولاهم لما كان أو يزال لها وجود .


نحن بحجة الوطنية و عدم التفرقة ساهمنا في تجهيل الشعب بتاريخ هؤلاء الماضين فقد اعتبرنا كل ذكر لهم هو إحياء لطائفية أو اشعال لجذوة تفرقة و آمنا بمثالية تاريخية يتم فيها حفظ حقوق الكل ، ثم اكتشفنا أنّ المثالية الفكرية التي نتحدث عنها لا وجود لها عند الطرف الآخر ، فإن لم نحافظ و نرعى تاريخنا و وجودنا بانفسنا فلن يرعاه أحدٌ لنا ، لأنه ليس هناك شيء في عالم الوجود اسمه العمل من أجل الآخرين ، فكل عمل هو عمل مصلحي بالدرجة الاولى ، لا ينتظر ثوابا بل يقبل بالثمن .


و كل هذا بسببك يا عباس الكعبي ، أنت و أبناؤك ..

فقد رحلتم و أنتم من شهدت لهم ساحات الوغى ، و آمنتم بأن ذكراكم باقية ما بقي الوطن ، و لكن للأسف أصبحت ذكراكم مجرد " تدجيل " بنظر بعض أبناء الوطن ، لا يعرفونكم و لا يقيمون لكم وزنًا لأنكم فضلتم أن تدافعوا عن الوطن بأنفسكم و تكتبون تاريخه بدمائكم ، بدلا من أن تؤجروا لكم " مؤرخًا " يصنع لكم في كل ناحية تمثالا ، و في كل زاوية نصبًا بأموالكم التي هطلت من السماء في احدى ليالي سنة 1990 السوداء ؛ كما فعل من يُشار لهم بالتاريخ اليوم !

16 أكتوبر 2008

خاطرة : العقول المغلقة = كومبارس .


الكمبيوتر لا يفكر ، إنما يتذكر .


هذه كانت أول جملة قالها لنا الدكتور في أول محاضرة بمادة " Artificial Intelligence " و تعني أنّ جهاز الكمبيوتر هو مجرد آلة لا تملك ملكة التفكير بالاستقلال إنما بالتبعية لما تم برمجته عليها من قواعد و طرق يتذكرها الجهاز و يسير بمقتضاها حتى يحل المشكلة التي تم ادخالها لمعالجتها.


و يبدو هذا الشيء بأوضح صوره في برامج المسابقات العامة بالتلفيزيون و الانترنت و غيرها ، التي تعتمد على الكمبيوتر في تقرير صحة أو عدم صحة الإجابة ، و كمثال بسيط أسوقه للتوضيح ، فلو سَأل الكمبيوتر عن اسم الناتج من المركب H2O ؟


و لنفرض أن القائم على إدارة هذا الكمبيوتر سبق له و أن برمجه على قبول ( ماء بالعربية ) أو ( water بالإنجليزية ) كإجابة صحيحة ، لكونهما اللغتان الأكثر انتشارا في محيطه ، فإنه بطبيعة الحال سيتوقع الإجابة أن تكون إما ( ماء ) أو ( water ) بحسب ما تم برمجته عليه لأنه لا يمكن أن يتم إثقال ذاكرته بإضافة كل المرادفات اللغوية العالمية لكلمة ( ماء ) .


فإن أجاب المتسابق بكلمة ( آب ) سيعطيه الكمبيوتر اشارة الاجابة الخاطئة لعدم برمجته على قبول هذه الإجابة رغم أنّ ماء = آب = water ، و كلهم في المعنى صحيح !


الإنسان بحكم نظرية التشابه * لابن خلدون تجري عليه هذه الأحكام إلا انه يختلف عن الكمبيوتر من حيث كونه يملك الاستقلالية الفكرية متى ما أراد أو أن يملك التبعية الفكرية متى ما أراد ، على عكس الكمبيوتر فإن الاستقلالية الفكرية حق متجذر في ذات الإنسان لا يمكن نزعها أو اضمارها دون رغبةٍ منه .


هذه الخاطرة التي مرّت انما كتبتها لأنني استشعرتها قبل فترة قصيرة ، و لعلها تفسر بعض أسباب الاختلاف بين الناس بصورة عامة سيّما في أثناء النقاشات أو الحوارات حين ترتفع عقيرة كلٌ منهم بالجدال و يرى نفسه كانه في مباراة كرة قدم بنظام خروج المغلوب ، إما فوز أو خسارة أو كما يقول أبو فراس : لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ !


( افحمني ) أو ( افحمك ) هي النتيجة المطلوبة عندهم لمثل هذه الحوارات ، فلا مكان هناك لاستفادة أو رغبة في توسعة المدارك باتجاهات مختلفة ، المؤسف ليس انعدام الهدف الصحيح للنقاش إنما المؤسف هو أن هؤلاء المتحاورون يتفاعلون مع صرخات بعض جماهير الكومبارس التي ينحصر دورها في ادخال البيانات فقط دون امتلاك القدرة على معالجتها ( processing ) ، فلا هم يُسألون و لا هم يَسْألون عافانا الله و إياكم ، و غالبًا ما يكون تفاعلهم في الناحية السلبية تجاه المكابرة و العناد حتى يصل بهم الأمر لأن يفضحوا أنفسهم كي يشفوا غيظهم .

هؤلاء الكومبارس ليسوا أكثر من شرار يزيد الحطب اشتعالاً ، فعقولهم مقفلة و مغلقة على ما ارتكزوا عليه ولا يملكون القدرة بعد ذلك على القبول بما يخالفهم أو حتى الاستماع إليه لذا يكتفون بالتطبيل و التشجيع لمن يتطوع منهم في أن يمسي " المحاور " عن فكرته السامية ، فالهدف الوحيد من وجودهم هو أنهم يحييون جذوة التشجيع لأنهم كائنات هامشية في مجال الفكر و العقل و لا محل لها سوى " المدرجات " الجانبية.

مثلهم ، كمثل الكمبيوتر .. ليست هناك ملكة التفكير ، و لكن هناك إرادة الاتباع فقط و إن كانوا ظاهرًا أصحاب ثقافة أو علم إلا أنهم في الباطن مجرد ببغاوات تحفظ و لا تعقل لذلك سماهم أمير المؤمنين عليه السلام ( همجٌ رعاع ينعقون مع كل ناعق ) بينما اقتصر العلم على الرباني العاقل ، و التعلم على من يطلب سبيل النجاة و شتان بينهما و بين أولئك الرعاع.

__________________

* الكون مرتبط بعضه مع بعضه بعلاقات خفية لا يمكن أن يتم رؤيتها بصورة مباشرة إنما يتم الإحساس بآثارها لتدل عليها ، لذلك كانت حركة الكون " قائدة " لمسيرة اكتشاف الكثير من الأشياء ، فهي ظواهر تماثل باقي ظواهر الكون و قوانينها التي تحكمها تحكم باقي الأشياء .

12 أكتوبر 2008

موجز : أصل الصفويين .






منذ الحرب العراقية - الإيرانية و أحداثها التي جعلت بعض الحكومات تلجأ إلى تعبئة شعبية تخفز شعوبها للتخندق دون سؤال أو اعتراض خلف حامي الامة العربية و حارس البوابة الشرقية وقتها ، الهالك صدام حسين ، و هناك اسطوانة واحدة لا تفارقهم .




في تلك الأثناء كانت الأموال الحكومية تصرف بسخاء في سبيل ايجاد دوافع خلافية جديدة تبرر لها موقفها من الاصطفاف في هذه الحرب ، حتى لا تظهر بمظهر الشاة المطيعة لراعيها و بطبيعة الحال كان الراعي ذلك الوقت هو العالم الغربي ( و لا زال ) و على رأسه الولايات المتحدة .




حينها بدأت أسطورة " الصفويين " ، و لكن بعد الحرب خبت لتظهر مجددًا مع دخول القوات الامريكية لبغداد في إعادة مماثلة لمسرحية الثمانينات إنما هذه المرة كانت بحماسة أكبر ، و ألصقت في هؤلاء الصفويون كل صفات السوء و ما أنصفوهم !



لا بتاريخهم المشرق ، و لا بالنهضة العلمية التي ابتدؤوها ، و لا بفرض السلطان و إسلام المغول حتى صاروا قوة الهند هناك سيما في عهد الدولة المغولية التيمورية [ من آثارها تاج محل الذي دفنت فيه ممتاز محل و كان من تخطيط محمد خان الأصفهاني ] التي اسلمت على يد العلامة الطوسي رحمه الله و هو المعلم الأكبر لجد الصفويين الذين ينسبون له صفي الدين الموسوي الأردبيلي.



ما هو أصل الصفويين ؟






يختلف المؤرخون في نسبتهم ، و ذلك لأنهم ذوي وقع تاريخي كبير فقد امتدت الكثير من الأيادي لتكتب ما شاءت في نسبهم و أصلهم و أجدادهم ، تماما كما حدث مع الفاطميين في القاهرة ، فأولى خطوات " الحرب الجاهلية " هي الطعن في الأنساب .



الصفويون ينتسبون لـ صفي الدين اسحاق بن أمين الدين الأردبيلي نزيل أردبيل عاصمة اقليم آذربيجان الإيرانية قديمًا ، الشيخ المعروف و الجليل و قد ذكره العلامة فخر العلماء الشيخ بهاء الدين العاملي المعاصر لأحفاده في كتابه " توضيح المقاصد " و لأشار فيه لكتاب كتبه ابن البزاز ألفه في ذكر سيرة الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي .






و قد ذكر السيد محسن الأمين العاملي في كتابه النفيس ( أعيان الشيعة ، ج/ 3 ) نسب الشيخ فقال :



" صفي الدين إسحق بن الشيخ أمين الدين جبرئيل بن السيد صالح بن السيد قطب الدين أحمد بن السيد صلاح الدين رشيد بن السيد محمد الحافظ كلام الله ابن السيد عوض الخواص بن السيد فيروز شاه درين كلاه بن محمد شرف شاه ابن محمد بن أبي حسن بن محمد بن إبراهيم بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد العراقي بن محمد قاسم بن أبي القاسم حمزة بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام [ ابن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين الشهيد عليهم السلام ] "






و قد أيد هذا النسب بحسب بحثي و استقصائي الكثيرون ، منهم العلامة السيد محمد باقر الفالي الذي استعمت منه شخصيا لتفصيل شجرتهم في احدى الجلسات، و العلامة الدكتور نجاح الطائي حيث ذكر سلسلة النسب في كتابه ( العصر الذهبي للدول الشيعية ) و أيدها و أقرها و بنى عليها ، و منهم العلامة السيد الميلاني و هذا العلم الجليل يكفي اسمه لاتمام اليقين بسلامة النسب، و للشيخ الكوراني [ العاملي ] فصل كامل يذكر فيه تتبعه و استقصائه لسلسلة هذا النسب الشريف ، و ممن ذهب لهذا الرأي أيضًا د. وجيه كوثراني في كتابه ( الفقيه و السلطة ) ، و الواقع يحكي أن التسليم بهذا النسب هو من المسلمات التي دأب عليها العارفون، إنما شابته الشوائب بسبب ما ارتبط به من قيام الصفويين كدولة خارجة عن المألوف في محيط استقوت به الامبراطورية العثمانية ، التي كانت و يا للعجب تعتمد على نفس العنصر الذي اعتمدت عليه الدولة الصفوية و هم ترك الأناضول و قبائلهم .




و لكن المؤرخ الإيراني الكبير الشيخ رسول جعفريان كما ينقل في كتابه ( نشوء و سقوط الدولة الصفوية ) يعارض الأمر ، و يقول بأن هذا النسب إنما وضع في عهد الشاه طهماسب بن الشاه إسماعيل الصفوي ، معيدا بذلك مقولة بعض مؤرخي التركمان .




و في الواقع فإن في قوله نظر لانه لا يستقيم مع ما كان من قبل ظهور الدولة الصفوية على يد الشاه إسماعيل الصفوي و الذي هو على عكس آبائه و أجداده لم يكن رجل دين بل رجل سياسة و حرب ، حيث استلم زمام الأمور و عمره 13 سنة و بنى الدولة الصفوية من الصفر ، و كان خانقاه [ مجلس ] آبائه و أجداده هو موئل الملوك و طلاب العلم و محط رحال أبناء الترك و الاناضول ، و يذكر التاريخ الكثير عن مضيفهم و يذكر أيضا نزول تيمورلنك فيه بعد إسلامه و عفوه عن الأسرى الترك بعد تدخل حفيد الشيخ صفي الدين .

و إنما يرجع اعتماده على الاتراك الآذريين لكون أمه هي ابنة حسن قوصون زعيم قبائل آق قويونلو التي أحكمت سيطرتها على اقليم ايران الشمالي و عاصمته تبريز ، و لكون جدهم الأكبر " فيروز شاه درين " عين حاكما على أردبيل في بلاد آذربيجان ، و اسمه أضيف إليه لتوضيح مقامه الحاكم في تلك الأرجاء سيما و أن التاريخ يذكر أن مولده و نشاته كانت في العراق ، و انه أتى منها لأردبيل حاكمًا .


و من بعده استمر وجود أولاده و أحفاده في تلك البلاد ، إلى أن ولد الشيخ صفي الدين الذي حاز على مرتبة رفيعة بين الأتراك هناك رغم أن مذهبه هو شيعي ، و ما يذكر عن شافعيته لا يقوم عليه دليل بعكس ما هو مذكور في المخطوطات و الوثائق التركية و الفارسية و العربية ، و كان غالبية هؤلاء الاتراك المحيطين به سنة شوافع يميلون للتصوف و لكون الشيخ صفي الدين من أمثلة العرفانيين كما ينقل الشيخ آغا بزركَـ الطهراني عن المؤلفات حوله في كتابه ( الذريعة ) ، و قد أدى تجمع هؤلاء البسطاء إلى " خانقاه " الشيخ إلى اعتقاد قوي به و بايمانه و روعه و ربما هذا سبب نسبته إلى الشافعية ، و قد توارث أولاده هذا الاحترام و التقدير حتى أتى الشيخ جنيد حفيد الشيخ صفي الدين ليدمج تلك القبائل المائلة نحو التصوف في التشيع و يؤسس القاعدة التي ستقوم بعد سنوات بالدفاع عن حفيده الشاه إسماعيل لتؤسس الدولة الصفوية .


و كذلك فيه نظر لكون الشاه طهماسب كما هو في كتب التاريخ كان أورع الحكام في السلسلة الصفوية ، ميالا للسلم و محبوبا وسط الشعب دون حاجة للنسب ، فكما يقول المؤرخ الشيخ رسول جعفريان ( فإن قداسة الشيخ صفي الدين لم تأت جراء ادعاء نسب شريف بل جاءت نتيجة لقداسة يحظى بها التصوف آنذاك ، و بما امتاز به الشيخ من زهد و تقوى و نزاهة و ما نسبت إليه من كرامات و خوارق و حتى خرافات ، و قد زاد من قداسة الأسرة هو استمرار أبنائه و أحفاده على ذات النهج الذي خطه لنفسه ) ، و مثله لا يقدم على هذه الخطوة لأن ادعاء النسب محرم في الإسلام سيما في وجود رؤوس العلم و الفضل ذلك الوقت في ايران.


بنيان الدولة الصفوية ، ينفي " تركية " النسب !


نشات الدولة الصفوية بقيادة الشاه إسماعيل ، و بأسلحة و رجال قبائل الأتراك الذين هبطوا من هضبة الأناضول و بدؤوا بدعم الشاه اسماعيل مما شكل تهديدا لأتراك تركيا الذين دعموا السلاجقة و لم يكن لهم بد إلا بمحاولة اغلاق هضبة الاناضول لايقاف التدفق التركي نحو إيران و هذا ما كان بعد هزيمة الشاه اسماعيل لمعركة تشالديران ، ليبدأ بعدها التحول نحو بلاد الآذر و جورجيا و الهند و غيرها في الاتجاهات الأخرى .


تميزت الدولة الصفوية بأن جيشها و قوتها العسكرية كانت تعتمد على الأتراك الآذريين الذين عرفوا باسم ( قزلباش ) أي قبعة الذهب ، فقد كان شعارهم و زيهم الموحد يحتوي على قبعة حمراء بها 12 طية ، تشير إلى عدد الأئمة في المذهب الشيعي .


و لكن كانت الوزارة بيد الفرس ، مع هذا فإن المقام الأعظم في الدولة و هو الأعظم حتى من سلطات الشاه نفسه كان مقام الفقيه الذي كان حكرا على العرب من العراق و لبنان الذين بدأ طلبهم الشاه إسماعيل و استمروا في عهد أولاده و أحفاده حتى أن المؤرخ رسول جعفريان يذكر ( اسناد مناصب حساسة لعناصر عربية لا تجيد غير العربية في التفاهم مع مؤسسات الدولة ) .


و أمثلة هؤلاء هم الشيخ علي بن الحسين الكركي و الشيخ بهاء الدين العاملي و الشيخ حسين بن عبد الصمد و يوسف بن أحمد البحراني و غيرهم حتى بدأ ظهور العلماء الأتراك و الفرس و منهم العلامة المجلسي و العلامة المقدس الأردبيلي في العصور المتأخرة.


سيطرة القزلباش الاتراك استمرت على القوة العسكرية حتى عهد الشاه عباس الذي بدأ في التقليل من نفوذهم و اعطاء المزيد من النفوذ للفرس الذين اعتنقوا التشيع وقتها و أصبحوا عنصرا فاعلا بالدولة بعد أن كان التشيع في ايران مقتصرا على مدينتي كاشان و قم و بعض البقاع المتفرقة في خراسان و الري ( طهران اليوم ) ، و هذا دليل آخر على عدم الانتساب " النَسَبي " .

و بعد الصفويين انتقلت السلطة إلى يد القاجاريين احدى أول القبائل التركية التي ساندت و دعمت الشيخ جنيد الصفوي ، و هذا حديثٌ آخر .

و لكن ملخصه بأن الأتراك لم يكونوا أبدا أصحاب الحظوة كما كان العرب في تلك البلاد ، او كما أصبح الفرس بعد ذلك ، فقد ظلوا منعزلين و مجرد عساكر و قادة عسكريين ، تقلص نفوذهم إلى أقصى درجاته قبل أن يحييه نادر الدين شاه قاجار حين أسس دولته القاجارية التي أسقطها رضا خان بهلوي .



خاتمة .


الحديث حول الدولة الصفوية ممتع و شيّق ، و لكن محل الشاهد هنا هو مناقشة أصل الصفويين الذي يُثبت الدليل انهم كانوا عربا هاشميين بقوا في بلاد الترك ، كما بقي غيرهم حتى أنه في كتب البلدان تذكر بلدة " خوي " الآذرية على أنها ( بلدة العرب ) .


و ما يتعرضون له من هجوم و تشنيع ، سيما في ربطهم بالمجوسية رغم أنهم عربٌ أقحاح ، و اختلطوا مع الترك الشوافع و الجورجيين و الأرمن الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل أن يسلموا ، يثبت أن سبب هذا التهجم إنما له دوافع أخرى تتستر بألبسة القومية و الطائفية ، فالمجوسية كانت دين اعتنقه الفرس دون غيرهم ، و هو دين فيه خلاف عند علماء المسلمين في كونه سماويا أم لا و تفصيلهم في ذلك كثير بكتب الفقه ، و ليس هذا موضوعنا ، يعطينا نظرة على واقع الحال الذي استسهل الكذب في سبيل المخاصمة .


الهجوم على الصفويين من ناحية النسب و الدين يمثل أمثولة ترينا بوضوح مدى الإنحطاط الفكري الذي وصلنا إليه ، في اختلاق ما لا يقوم على بينة و دليل و لصقه بالأبرياء ثم محاكمتهم على أساسه ، لم يكن التهجم عليهم سوى سلما يقود المتهجمين للوصول إلى غاية أمرهم فيما يريدون من طائفية .


ما قاموا به في ايران من نهضة علمية و سياسية أثبتت أنهم كانوا يتحركون من باب الخدمة العامة ، و أن طلب السلطان عند الشاهات العظام فيهم لم يكن لأنفسهم بقدر ما كان لغيرهم كما يحكى عن الشاه عباس الذي وضع لحيته في يوم من الأيام تحت قدم العلامة القمي دليلاً على زهده في الحكم رغم أنه كان واحدًا ممن حكم أضخم رقعة في تاريخ الحكام الصفويين .


مصادر :

  • كيف رد الشيعة غزو المغول - الشيخ علي الكوراني
  • نشوء و سقوط الدولة الصفوية - الشيخ رسول جعفريان
  • الفقيه و الدولة ( الفكر السياسي الشيعي ) - د. فؤاد ابراهيم
  • العصر الذهبي للدول الشيعية - الشيخ د. نجاح الطائي
  • موسوعة أعيان الشيعة - السيد محسن الامين العاملي
  • و غيرها .


7 أكتوبر 2008

نجحوا هم ، و فشلنا نحن .



الإنسان بطبعه كائن اجتماعي ، لا يحب الوحدة و العزلة إنما يميل للاجتماع و التجمّع ، و منذ القدم أوجد الإنسان روابط تسمح له بإقامة علاقات جماعية مع فئات إنسانية أخرى ، و لأنه بفطرته يميل لما يناسبه أو " يشاكله " كانت تلك الروابط تقوم على المشتركات التي تجمعه مع غيره إما من خلال النسب أو المعتقد أو المصلحة المشتركة .



هذه العلاقات في بداياتها كانت بدائية كالإنسان نفسه ، لم تكن أكثر من علاقات هدفها تأمين الحماية و الغذاء لجماعاتها ، و مع تطور الإنسان تبلورت و تشكلت تحت أطر أخرى باسم العشائر و القبائل و التي هي ليست كما يعتقد البعض تقوم كلها على أنساب مشتركة بل الكثير منها هو نتيجة تحالف قبائل ذات أنساب متعددة لمصالح مشتركة بينها ، إلى جانب وضع الموالاة حيث كان العبيد أو اللاجئون ينسبون لقبيلة الملتجأ إليهم .



في عصرنا الحالي تجاوز الإنسان هذه الأفكار و وصل إلى وحدة ارتباط تناسب مفهوم العولمة الذي حول العالم من كتل و بقاع منعزلة إلى مجاميع متصلة ، لها طرق تواصل و تعاون متعددة لا تقوم على مبدأ تأمين الحماية و الغذاء فقط ، بل تقوم على مبادئ ارساء الحقوق المدنية الإنسانية و دعم الاقتصاديات و مساعدة الفقراء إلى جانب المهام التي كانت القبيلة تقوم بها ، لكنها اليوم أصبحت تندرج تحت مفهوم الوطنية من باب قول الإمام علي عليه السلام : قيمة كل امرئ ما يحسنه ، فليس النسب كافيا لتشكيل وحدة اجتماعية و ليس المعتقد هو القومية الجامعة فقط ، الإيراني الآري أصبح مساويا لليهودي السامي الذي بدوره مساوي للمسلم العربي الذي يعادل المسيحي الانجلو-ساكسوني تحت راية واحدة هي راية " الدولة المدنية " التي تعترف بحقوق و واجبات على الإنسان كمواطن بغض النظر عن أي شيء آخر متعلق بشخصه.


لا يذكر التاريخ أن هناك دولة استمرت لأبد الدهر ، هناك شعوب ظلت في أراضيها لم تغادرها لكنها لا تمثل استمرارية لدولة لأن الرؤوس الحاكمة فيها تغيرت أكثر مما تتغير الفصول في السنة الواحدة ، و ذابت في وسط شعوبها شعوبٌ أخرى و إن حافظت على لغتها القومية و اعتزازها القومي ، لان المجتمعات بطبيعتها متحركة بفعل عوامل الهجرة و التنمية و الازدهار و العكس مما يجعـلها مصـدرة للبشر ( كما حدث في هجرات الآريين من الهند ) أو جاذبة للبشر ( كما حصل للولايات المتحدة و كندا و أمريكا الجنوبية ) ، هذا الحراك في ذاته يثبت أن حصر دولة أو رقعة أرض على هوية معينة لوحدها مستحيل فالناموس الطبيعي أن تكون هناك شعوب و قبائل مختلفة قد تطغى نسبة بعضهم على غيرهم و لكن يظل للخلاف مكانته .

حتى في الأصول الواحدة و القبائل الواحدة هناك تفرقة بين التاجر و الكاسب و العامل و الآمل ، فالاختلاف طبع بشري لا يمكن التغاضي عنه إنما يمكن انزاله إلى مستوياته الدنيا في إثارة حميّات أو عصبيات أخرى تطغى على مبدأ الفوارق الاجتماعية التي كانت تستعمل لتكوين الروابط بين الناس في الأزمنة الماضية و التي استبدلت في يومنا هذا إلى حميّات و عصبيًات تجعل الأصل هو الوطن كمظلة كبيرة يقبع تحتها الناس دون تفرقة بحسب الوزن الاجتماعي أو العمق النَسَبِي لهم ، كان دستور الكويت في جوهره يحمل مبادئ المساواة و العدالة والتي هدفها خلق المجتمع المتجانس السليم الذي يقوم على مبدأ المواطنة ، و لكن ترسبات العصر الماضي لا تزال بدون خطوات فعلية لإزالتها ، فهي بحاجة لما هو أكثر من كلمات مسطرة في أوراق الدستور و مذكرته التفسيرية .

إذا ذهبت للولايات المتحدة يوميًا فزر نيويورك في عيد " سانت باتريك " العيد الإيرلندي التقليدي ، إن لم يعجبك فإمبكانك أخذ لفة صغيرة في الحي الصيني أو في إيطاليا الصغيرة ، في نفس بامكانك الاستمتاع بالألمانية و أنت تتحدث بها مع سكان بنسيلفانيا ، أو اللاتينية و أنت تغنيها مع سكان نيومكسيكو ، جميعهم أمريكيون و لكن خواصهم و جذورهم باقية و مُحافظٌ عليها ، هذا النموذج الذي نجح الامريكان في بنائه يستحق الدراسة و التأمل ، صحيح أن العنصرية لا تزال موجودة و بصور مختلفة و هذا إنما سببه أنه من المستحيل ان تنزع الانسان من محيطه او من انحيازه .. حتى غير المنحاز ، منحاز في ذاته لكتلة حزبية هي " عدم الانحياز " ، الفارق أنهم كونوا صورة عامة بحيث يبقون على بيئتهم كما هي و جعلها محرك بنّاء في صياغة المجتمع الواعي ، لقد تعاملوا مع هذه المسألة كحق و صفة بشرية لا يمكن نزعها ، فاستعملوها كدافع نحو التوحد تحت ظل اكبر يجمعهم و هو ( الامريكية ) ، العارف يعلم بأن الفسيفساء تتكون من حبات مختلفة لا يمكن أن تُصهر كلها لتكوين صورة واحدة قريبة و إن كانت تعطي صورة واحدة للناظر لها من بعيد لأن في ذلك ظلم و طغيان عليها ، و هذا الشيء عفى عنه الزمن في وقتنا الحالي و بعد كل هذه التجارب الإنسانية المريرة طوال تاريخ البشرية حتى الوصول لصيغة التوافق الحالية .


لقد جعل الامريكان وطنهم مثل البالونة ( التفاخية ) داخلها غازات مختلفة بالاسم و بالتركيب " هايدروجين و نيتروجين و أكسجين و بخار ماء .. الخ " و لكن كل هذه الغازات مع بعضها البعض تكون " الهواء " الذي يحفظ للبالونة شكلها و لونها و يحافظ عليها مرتفعة بالهواء ، رغم اختلاف الغازات المكونة لهذا الهواء فإنه في نفس الوقت كلهم يجمعهم صفة مشتركة و هو الجسم الواحد الذي بقوا داخله و كونوا صورته الخارجية ، هم نجحوا في جعل الفكر و الهوية و الجذور مكونة للوطنيـة ، بحيث أعطوهم الحرية و استوعبوها فيها ، و جعلوها محركا لها ، فالأمريكي الصيني - مثلا - يفختر بأمريكيته لأنها سمحت له أن يحصل على ما افتقده هو أو أحد أجداده في وطنه دون أن يفتقد هويته أو أن يتبرأ من ملامحه فنال حقوقه كاملة دون أن يضطر لانتقاص أحدها في سبيلها ، و هذا من أسمى المعاني الإنسانية .


و هذا ما فشلنا به نحن للأسف ، فهمنا الوطنية بفهمٍ خاطئ ، ثمَّ أجبرنا الناس على مفهوم واحد لمعنى الولاء من يخالفه فقد أوقع نفسه خارج محيطه ، وضعنا " الوطنيـة " كغرفة تطهير أو حجرٍ صحي لتطهرنا و تفصلنا عن جذورنا ، جعلنا من الوطنية " شبحًا " يرعب هوياتنا ، و سيفًا مسلطًا على رقابنا فإما جذورنا و إما " وطنيتنا " ، مفهومها الذي عرفناه كمثل لعبة كنّا نلعبها في الفريج أثناء طفولتنا حين ننتظر موسم الجراد لنبدأ بجمعهم و حبسهم مع الخنافس و الذباب و النحل في " بطل كولا " ، ثم مراقبتهم و هم يتقاتلون حتى يقضى كلٌ منهم نحبه !


هذا الفهم الأعوج جعلنا ننظر لكل من يتذكر أصوله و أجداده [ بصيغة العلم لا التفاخر الجاهلي المنتشر حاليًا ] على أنه عميل ، لا ولاء و لا وطنية له مما ولّد حالة عكسية دفعت الكثيرين إلى الإحساس الحقيقي بعدم الإنتماء لأنهم وقعوا بين قطبي مغناطيس كلٌ فيهم يجذبهم نحو جهة حتى ضاع توازنهم ، لا أعلم سببًا لمثل هذا الأمر سوى أنه خوف تكون نتيجة الخشية من الارتباط بأحد أضلاع المثلث المرعب ( ايران - السعودية - العراق ) الذي يمثل إحاطةً تامة بالكويت ، تلك البقعة الصغيرة بين هؤلاء العمالقة .

في وقت اشتد به الصراع و بدت بوادر الإنهيار في الدولة القاجارية ( آخر سلالة آذرية حكمت ايران ) ، كان العراق يعيش في مخاض التخلص من العثمانيين و قدوم الإنجليز وصولاً إلى ثورة العشرين و ما لحقها من أحداث ، و تلازم معها سقوط الدويلات في جزيرة العرب و توحيدها تحت اسم المملكة العربية السعودية بقيادة عبد العزيز آل سعود ، كل هذه الأحداث ساهمت في هجرة كبيرة منها إلى دولة صغيرة مسالمة على رأس الخليج منفصلة عن السلطات الثلاث المذكورة سابقا ، مكتفية بذاتها و منكفأة على تجارتها ، كانت ملاذًا للتجار و أصحاب رؤوس الأموال ، و رؤوس الأموال من الطبيعي ان تجذب العمال لكنها لن تساويهم بأصحابها ( و هذا موضوع آخر ) .


و لأن بذور هذه الهجرات شكلت الكويت كدولة مخالفة في وضعها للتوجه العام المحيط بها ، أصبح هناك خوف توارث مع الأجيال من انجذاب هؤلاء المهاجرين أو أبناءهم أو حتى أحفادهم باتجاه مساقط رؤوسهم و بالتالي دفع البلاد إلى ارتباط غير مرغوب به معها ، لذلك كان التأكيد على صنع هوية وطنية " كويتية " موازية لتلك الهويات الأخرى لتوضع في قبالها ، رغم أنها تفتقد العمق التاريخي كما هي باقي الهويات لأن الكويت دولة حديثة التكوين ، و هذا ما لم نستوعبه في الواقع فأصبح الهاجس هو التأكيد في الطلعة و النازلة على هوية كويتية لا تحمل اي ارتباط بأي شكل من الأشكال مع باقي الهويات ، بينما استوعب الأمريكان و مثلهم باقي سكان العالم الجديد في استراليا و كندا و غيرها أن التاريخ البشري في بلدانها هو مجرد اكمال لدورة التاريخ البشري لهؤلاء السكان في بلدانهم السابقة بشكل جديد و في أرض جديدة ، و أن مهمتهم تكمن في الاستفادة من هذا الشيء و احتضانه لخلق ارتباط حقيقي بين هؤلاء و بين أرضهم جديدة ، بينما فهمنا نحن من ذلك أن من هاجر إلى أرضنا عليه أن يشطب تاريخه ليبدأ تاريخًا جديدا و كانه ظهر كما تظهر ( الفقعة ) في وسط الصحراء .


أعتقد أنه لو تجرا أحد عندنا على محاكاة التجربة الأمريكية أو الأسترالية أو حتى الماليزية في وضع ( منطقة إيران ) أو ( محافظة السعودية ) أو ( مدينة العراق ) ، لطولب بإقامة حد الردة عليه رغم أنه لا ثالث للكويتيين فيهما باستثناء القليل ! و هذا الفرق بيننا و بينهم .

هم نجحوا في خلق مجتمع متجانس من قوميات متعددة ، و فشلنا نحن في صنع تجانس بين قوميات متقاربة .. لأننا نعتقد بعلونا على غيرنا ، فأصبحت الهوية التي حاولنا تشكيلها سيف يمزق مجتمعنا و يفرقه إلى أشلاء متناثرة دون أن نعي أن السبب يكمن في الأثر العكسي الذي ولده التعامل السلبي مع مسألة الاعتزاز بالهويّة الذاتية .

5 أكتوبر 2008

كربلا يا كربلا












كل عام و أنتم بخير ، و عيدكم مبارك ..






أعلم أنها متأخرة ، و أقدم عن اعتذاري عن عدم إجابتي للتهنئة ، و لكنها كانت لسبب ، أنّ العيد كان في رحابٍ أخرى ، بين آياتٍ عظام ، و مقاماتٍ كرام ، كانت و لا زالت و ستظل نبراسًا لكل لهفان .






يحكى أنّ الشريف الرضي رحمه الله مضى يومًا لكربلاء ، حتى وصل إلى حدود المعسكر فتغير حاله بين مرافقيه فخلع عمامته و نعليه و رماهما و مضى يركض دامعًا باتجاه الحائر و هو يرتجل قصيدته المشهورة :


كربلاء لا زلت كربًا و بلا .. ما لقي عندك آل المصطفى




كم على تربكِ لمّا صُرعوا .. من دمٍ سال و من دمعٍ جرى





كم حصان الذيل يروي دمعها .. خدَّها عند قتيلٍ بالظما





تمسح الترب على اعجالها .. عن طُلي نحرٍ رميلٍ بالدما





و ضيوف لفـلاةٍ قفــرة .. تزلوا فيها على غير قرى





لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا .. بحدى السيف على ورود الردى

.. إلخ القصيدة .

لمّا وصلت إلى ما وصل إليه الشريف الرضي من مكان ، لم أجد أبلغ من كلماته التامة لأعبر بها عمّا جاش فيني .
يُقال بأن الصمت أحيانًا كثيرة ، لا يعني الحيرة أو عدم الجواب .. بل يعني أنه لم توجد إلى اليوم الكلمات التي تناسب هذا المقام .

العتبة الحسينية المقدسة لحظة غروب الشمس


العتبة العباسية المقدسة عند العصر