‏إظهار الرسائل ذات التسميات سفيد الطريف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سفيد الطريف. إظهار كافة الرسائل

9 سبتمبر 2010

مرحبا، هل تعرفني؟

مرحبا


هل تعرفني؟ أنا أعرفك جيدا ..
أعتذر عن الإزعاج، اعلم أنني كثير الشكوى ومزعج جدا ولكن ماذا أفعل؟

 زياراتي قليلة، وغيباتي طويلة .. وغصاتي كثيرة


أحمل في داخلي همومًا أثقل من وزني.. ولا يوجد من يستمع لي ..


صدقوني لا أريد أن آخذ أفراحكم وأبدلها بأشجاني .. لا ..


ولكني أتساءل لماذا كلهم يطلبونني .. وحين أحضر


لا أرى سوى ظهورهم!


لماذا يلاطفوني ثم يمتطون ظهري؟


خذ مثلاً هذه المرة، أتيت بموعدي المعتاد ولم أجد من يستقبلني بما أستحق!


وكأنني كابوس أتى على نائمٍ بعد عشاءٍ دسم.


يحثونني على القدوم، فأقطع راحتي .. وأضطر إلى نكث نُذر الصمت التي أمارسها ..


وأحضر وبدلا من أن يفرحوا .. يجعلوني شاهدًا على خلافاتهم!


ومادة لنزاعاتهم!


هل من مصيبة أكبر من أن تجد نفسك متداولاً على الألسن ومتمزقًا بالمعارك

ولا تستطيع أن تدافع عن نفسك ولو بكلمة؟


كم أكره الشعور بالعجز والإهمال .. أقف في الوسط ألتفت يمنة ويسرة ..


وأتساءل عن طريقة أدفن نفسي فيها في مقبرة الزمن حتى اتخلص من تذمرهم..


أحيانًا أشك بوجودي، لا أعلم هل أنا حقيقي أم مجرد طيف ..


ما يحدث أمامي لا يشعرني بأنني واقعي ولكن حين أسمعهم يقولون اسمي


أنتبه لنفسي ..


فالناس لا ينادون ما هو غير موجود..


ولكنهم على استعداد لـ"تطنيشه" حين يوجد!


عندما أرى الأطفال يبتسمون حين أطرق الأبواب يحدوني شعور بالأمل بأنني لا زلت كما كنت ..


مصنعًا للذكريات..


أهرع لمقابلة الكبار لأرى هل لا زالوا على عهدهم بي؟


أصطدم بتعابير وجوههم .. يشيحون بوجوههم ... ويصافحونني بتثاقل..


لا أعلم لماذا يحاولون التخلص مني بأي طريقة؟


كل الأعذار تجد لها سوقًا اليوم،


هذا ينام، وذاك يسافر، وذا يبحث عن أوقات عملٍ إضافية.. كلهم يعلمون بقدومي!


ورغم ذلك يتجاهلونني .. وباسمي الذي يتأففون حين يذكرونه .. يفعلون كل الشرور..

وكأن مقدمي هو ربيع الأباليس.


صحيح أن الحياة تمضي .. وأن التجاهل في بعض الأحيان مجدي ..


ولكن السكوت مؤلم ..


انظر لهؤلاء .. يجلسون معي على مائدة واحدة


صافحتهم واحدًا واحدًا .. مروّا عليّ وهم غافلون..


رؤيتهم تُفرح قلبي .. ولا يروني ..فأعينهم تحولت لسرب من الطيور..


يتقافز من مكان ٍلآخر .. هذا يشتكي من قدومي مبكرًا..


وهذا يبكي على جيوبه التي فرغت..


والآخر يتألم لأنه اضطر للجلوس وسط العقارب..


وتلك المسكينة – التي تحرق نفسها - لا تشكر الخبزة التي بين أيديها ..


بل تشكو الحليَّ التي لم ترتديها!


اليوم، زرت المقبرة.. سأقول لك لماذا؟


لأن الموتى أفضل مستمعين.. صدورهم رحبة لكل شيء.. ولا يتذمرون


يلفهم الصمت .. صمت لا تسمع فيه شيء.. أغبطهم عليه ..


الحكمة التي يوصلونها دون كلمات .. تطهرني بعظمتها..

كيف يتحول هؤلاء الصامتون إلى أفضل وعاظ؟ وصمتهم لأفضل موعظة؟



اليوم تعلمت منهم أنّ المَنح فرحة .. والعطاء سعادة.. وأن الحياة شوقًا ..

أفضل من الموت تذمرًا ومللا..


أعلم أن بأعماق الناس فرحًا لحضوري

 حتى وإن تظاهروا بالعكس

رغباتهم المزدوجة لوثتهم..


رغبتهم بالشعور بالفرح ..

ورغبتهم باستغلالي لمصالحهم ..


لا يهم .. من يتعود على العطاء .. لا يلتفت للرغبة.


من يبسط يده، لا يشعر بألم قبضها ..

ذكرياتهم معي قبل أن يتلوثوا تكفي..


كالعادة .. أعلم بأني  فشلت في ايصال مأساتي ..


كما فشل القمر بايصال وحدته ..


فالشعور بالجمال .. يسلب منّا الكلمات ..

وأنجح القضايا دائمًا يترافع عنها أفشل محام ..


تأخرت، سأذهب الآن .. اعتذر عن ازعاجي مجددًا ..


أووه، نسيت .. أن أعرفك باسمي قبل أن أذهب ..



 اسمي : عـيـد سعـيد





19 أبريل 2009

رسالة من حمار

في أيـام الطفـولة كنّا ننتظر عيد الفطر ، ففيه تجتمع العائلة بمزرعة زوج خالتي في الوفرة ، و لم يكن في المزرعة إلا حمارٌ واحد اسمه إن لم تخني الذاكرة ( برعي ) ، رأسه بالأرض و ياكل من حشائشها رغم ما يتعرض له من قصف جوي و مدفعي بكل ما صغر حجمه و ثقل وزنه من جموع البرابرة الصغار ، حتى قضى نحبه ذاهبًا لحميرستان وأرسل لي هذه الرسالة من تلك البلاد.


صديقي العزيز سفيد ،
.
كم أنا في شوق و حنين و لوعة و أنين للجلوس معكم و التسامر في محضركم عمّا إعتلاكم من الطوام و أصابكم من الآلام جراء تسلط اللئام و ابتعاد الكرام عن مزاولة شؤون العوام بما يرضي النفس و الأنام بصنوف الولاء و الإحترام فتنالوا بذلك المرام و تبلغوا الوئام ليحسنُ بعد ذلك الختام.
.
لذا أكتبُ لك بعد طول الفراق و كثرة المشاق التي غلفت قلبي المشتاق ، و بعد أن صار حديثنا يتم عبر الأوراق عوضًا عن شد الوثاق و ضرب الأعناق دون إشفاق .
.
صديقي العزيز ،
.
سمعتُ حديثًا عرفته ، و بيان لمحته ، و مشهدًا انتظم صيته و علا صوته ، بأنكم مجددًا على أبواب الإنتخابات بعد النتائج المثبطات التي غطت سحائبها سماؤكم عن النّجوم السراة فبسَطت على واقعكم بيديها المجذومتين المشكلات، و طرقت في أجنابكم الحسرات، و تركت في سجلكم صفحاتٍ من المنجزاتِ خاليات، حينها تذكرتُ تلك الأحلامُ الحسان عن الأوطان و الجنان التي كان حديثكَ بها يزدان و لكن الأمر بكم شان و أصبح أمَلكم خسران فهل لا زلت تملك الإيمان بأن الجميل في طور الإمكان رغم كل هذا الخذلان ؟
إني لا أظنك اليوم إلا حيران بعد ما كان من الأشجان .
.
صديقي العزيز ،
.
قبل أيام و شهور و بضع نهاراتٍ و عصور عمَّ حميرستان السرور و بدا ذلك على محيَا الحضور ، فقد كانت نتائج إنتخاباتنا عظيمةً بلا غرور ، و رائعة بلا فخور ، و الفوز فيها كان من نصيب كلُّ وقورٍ و شريفٍ كريمُ الحضور، في هذا الخطاب مرفق كلمة نائبي بعد نجاحه في الإنتخابات ، نعم نائبي فالناجح لكل الحمير ممثلٌ و ليس لصحبه - وحدهم -مؤصلْ، و لكل القضايا مُعجّلْ و ليس عن همومنا بمَعزلْ و لا بالمواقف مبدلْ و لا بالخطابات مُضللْ، و لا عند التصويت للحمامات براحلْ.
.
إنّ الحمار يا صديقي رشيد و على الإنحراف شديد و لا يفوته من الحقوق جديد ، قليلُ الكلام عظيمُ الفعال ، صبور على البلاء حليمٌ على الأحياء رؤوف بالضعفاء وفيٌ للشركاء، و هو على عكسكم لا يتحدث إلا قليلاً و لا يحب ترتيل الخطابات ترتيلاً ، و إن واجه الصعوبات أذلها بعزمه تذليلاً ، لا يهوى الشكاية و لا يبحث عن النكاية ، صوته من أنكر الأصوات و شكله من أقبح الأشكال و مع هذا صار كالغيث المنهمرْ و ليس مثلكم أيها البشرْ جمعتم حسن الصوت و جمال المنظر و حلاوة المنطق و ظننتم أن قبح الباطن عندكم يتغير بسحر الخطاب و سوء الفعل لديكم ينقلب بمجرد صلاةٍ في المحراب ، و كنتم بظنكم مخطئين و فيه مغترين.
.
دعني أخبرك عن مجلسي و أعضائه ،
.
مجلسنا بناهُ الأشراف لتحقيق الأهداف التي بها يتم الكفاف لحقوق بني الحمير و الأحلاف ، و للإنصاف فهو في زريبة نظيفة على بابها حكمة لطيفة : كل من أظلّـته السقيفة فهو في مهمة شريفة ، و من أخل بها فهو للسوء رهينة و لا يستحق البقاء لدقيقة و حقَّ عليه أن يكون جيفة ، و أن تنسبه أمة الحمير العظيمة بأنه للإنسان وصيفه!
.
نائبنا الحمار ليس له أعداء ، لأن همّه خدمة الحمير وجعلهم سعداء ، لا يحب الاستهزاء و لا التحزب تحت رايات الأقوياء ، و لا يدعي ما ليس فيه أو أنَّ به تجتمع الآراء ، يعرف طريقه من أول مرة و إذا عرفه لا يكثر عنه الثرثرة .
.
عندنا نائبٌ اسمه (الورّاد)* كان للماء حاملٌ وفــّادْ يضعُ صاحبه عليه قربة على وشك النفادْ ، يملؤها بنفسه من النهر دون هادْ ثم يعود بها لصاحبه من العبادْ و من مائها على حد السواء من البشر و الحمير جوادْ .
.
سمعتُ أن عندكم مثله في البلاد ، نائبٌ عزيز الميلادْ و ورث مجد الأجدادْ ثم صارَ نائبًا بذكائه الوقادْ و لكن يا حسرة على العبادْ ما مضى من الوقت قليلٌ إلا و لنفسه الضعيفة عادْ و أصبح لمن كان يعيبهم شادْ و تحولت كلماته لرمادٍ يذرها الهواء في الوادْ!
.
الحمارُ يا سفيد عن موقفه لا يحيد ، و بدفاعه عن حقوق الحمير عنيد ،لا يبحث عن مجد تليد و لا يحاول صنع نفسه شهيد ، و عزّ على الزمان أن يأتي بمثله وليد و ليس له في الغابرات منكم عهيد و إن كنتم تظنونه من فئـة العبيد لجلوسكم على ظهره بلا سنيد و أن سكوته عنكم هو لأنه سعيد ، و لكنه في الحقيقة بأمثالكم زهيد و أن صمته هو ذكاءٌ فريد ، العبد يا سفيد هو من يعتقد أن الحرية عيشٌ رغيد و أنها شِعار جديد أتى به القادمون من بعيد الذين هم على عروش الغرب قعيد، بينما الحر هو الذي يرى الحريّة أنها القوة ، و ليست القوة بالفتوة بل هي بالمروّة ، إنّ الضعف أمام الإنسان حذوه و حكمة ، احتذاها الحمار خطوة خطوة ،
هل ترى عاقلاً بالغًا يضرب الطفل بقوة ؟
هل ترى في ضعف الرضيع كبوة ؟
هكذا يرى الحمار ضرب الإنسان له في الحلوة و المرّة ،
و النزول لمستوى الرد على الأطفال في لغة الحمير ليس فيه من مفخرة أو مروّة !
.
و الصمتُ عنده حكمة لأن فيه جوابُ كل سائل و من لم يكتف به فهو غافلْ .
أما العاقل في تعريفه فهو صاحب الخُلق الفاضل الذي يبتعدُ عن كل مائلْ.
و لا أنسى أن الجسد الناحل عنده خيرٌ من اللسان الجاهلْ.
.
حمارنا النائب صاحب النيافة الموقرة و الخمائل المنورة لا يُحب السيطرة و عنده في أموره تبصره ، يقوم صباحًا ليشد مئزره و يعملُ مع أصحابه البرره في الحقول المُزهره دون أن يشتكي قيد أنملة أو يرى في نفسه رفعةً على الحمير المَهرة كما أنه لا يحب ركوب العربة لأن خدمته لا تستحق ' الفشخرة ' ، لذلك سُمي عند أدبائكم بالحكيم و عند جهّالكم بالبهيم!
.
كلُّ حمارٍ عندنا هو حمـارْ ، أبيضٌ كان لونه أو مشوب بالسّمارْ ، ولد في المزرعة أو في إحدى الأمصارْ ، خدم البشر أم عاش كما شاءَت الأقدارْ ، و الحمار لأنه تعود الإيثارْ فهو لا يهتم بالدرهم و الدينارْ بقدر اهتمامه بصديقه و الجارْ و الأعوان و الأنصارْ ، و رغم نشاز صوته إلا أنه يُفصح عن الأسرارْ لأن للجميع الحق في معرفة التاريخ و الآثارْ ، و بهذا تدفع البلدة عن نفسها الأخطارْ و تجعل من أبنائها أخيارْ.
.
هذا هو مجلسنا و ما فيه من نوابٍ أصحابُ الإتقانِ في بلاد العدل و الأحلام المعروفة بحميرستان أبعدها الله عن تدخل الإنسان و طمع السلطان و أشباه الغربان و عشاق التيجان ، و جعلها منارة لسائر الأوطان.
.
هذا ،
.
و انجدكم الله من البلاء ، و أذهب عنكم الشقاء ، و رزقكم العلياء ، بتولية الأتقياء ، و تنحية طالبي الثراء، حتى تأخذوا بسيرة الحمير عديمة النظير علكم بذلك ترتقوا الكثير.
.
و السلام.
.
بـرعـي من حمــيــرستــــان ،
حرسها الله من الذوائب و النوائب و العجائب.
19 / 4 / 2009 م



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الحمار الورّاد هو الحمار الذي يرد للنهر أو 'الترعة' لوحده و يملأ القرب على ظهره و يرجع لصاحبه دون أن يقوده أحد.

المرفـق : كلمة النائب الفاضل في زريبة حميرستان - مبغضة الإنسان : هــنـا.


7 سبتمبر 2008

تفلسف عـزاب !

المأذُونْ..
هو الطاهي الذي
يُحوِّلُ علاقاتِ الحُبِّ الجميلةْ
إلى أسماكٍ مُثَلَّجَةْ...

نزار قبّاني


كثيرون مروا علينا في حياتنا نقرا أسماءهم ، و نقرا سيرهم ، و نرى انتاجاتهم التي شكلت حجرًا مهما في مجالاتهم ؛ يقولون أن وراء كل رجل عظيم إمرأة .. قائل هذه العبارة عبقري لأنه لم يحصر المراة في ( الزوجة ) !

هل يمكن للرجل أن يكون مبدعًا و هو أعزب ؟

هذا ما ترويه سيرة الكثير من العظماء في مجالاتهم ، نختلف معهم أو نتفق في النهاية ذكر كلٌ منهم فلسفته التي صاغها ليبرر لنفسه أن يبقى حرًا طليقا بلا أي قيد يربطه ،سيما إن كان في هذا ( القيد ) جناية على النفس البشرية كما ذهب لذلك المعري .

.

- فولتير .

.

فرانسوا ماري أرويه المشهور بـ " فولتير " لدوره في عصر التنوير بأوروبا، فيلسوف فرنسي و كاتب مسرحي لا يمكن لأي شخص يمر على الادب الفرنسي و لا يلحظه ، فولتير يعتبر بمثابة ( شكسبير ) و لكنه يتحدث الفرنسية بدلاً من الإنجليزية ، و على عكس شكسبير كان فولتير يكتب كتبه و آراءه ثم ينزل للشارع ليحرض الناس ضد التعصب و الجهل و يقرن كلماته بأفعاله رغم أنه لم يتخل عن تعصبه لأفكاره ، كان كاثوليكيًا وقف في وجه الكاثوليك و كاتبًا مرموقًا وقف في وجه المتعصبين و دافع عن حرية الرأي و هو صاحب المقولة الشهيرة : أختلف معك بالرأي و لكني مستعد لدفع حياتي ثمنًا لتقول رأيك !

مع هذا تعصب جدًا ضد ( الزواج ) لأنه كان يراه مجرد عائق أمام رسالته في توثيق الحرية و نبذ التعصب و التنوير !

كان تبرير " فولتير " لعدم زواجه رغم أنه وصل لسنه الـ 83 هو :إن الزواج هو المغامرة الوحيدة المتاحة ... للجبناء !

.

- آدم سميث .

.

هل ترى اقتصاد العالم الآن ؟

كله مبني على آراء و نظريات آدم سميث التي صاغ الكثير منها في كتابه ( ثروة الأمم ) لم يكن سميث ( الاسكتلندي ) مجرد عالم اقتصادي بل فيلسوف تشهد له آراءه الكثيرة في قدرته بهذا المجال .رغم أنه تخطى الـ 70 من عمره إلا أنه لم يتزوج أبدًا ، و فلسفته في عدم الزواج كانت نابعة من نظرياته الفلسفية ، فهو يقول :" أعطيني ما أحتاجه منك ، وسأعطيك أنت ما تحتاجه مني " لأنه كان يعتقد أن أساس العلاقة بين البشر هي المنفعة المتبادلة ، بالتالي لا تجب أن تكون المبادلة قائمة على العاطفة البشرية بل على العقل و على حسابات الربح و الخسارة ، و هذا معنى المجتمع عنده ، فأن تعيش بمجتمع يعني أن تعيش بمحيط يتم تبادل المنفعة فيه بين أعضاءه ، لانه إذا اعتمد الإنسان على عطف الآخرين عليه فلن يضمن بذلك اشباع احتياجاته أبدًا!

و الزواج بنظره مجرد علاقة تبادل عنده و لأنها تتطلب عطف و عناية أحد الأطراف ... و العطف و العناية تعني عدم اشباع الحاجات فهي بالنتيجة علاقة خاسرة !

.

- عباس محمود العقاد .

.

لا يوجد أحد لا يعرف هذا الكاتب العملاق ، بكتبه الأدبية أو التاريخية او مقالاته و بحوثه و حتى السير الذاتية التي كتبها للشخصيات الإسلامية المختلفة ، رغم أنه عاش بحالة مادية جيدة و كان له صالون يرتاده الادباء و السياسيون و العلماء و الطلبة ، و رغم اشتهاره إلا أنه لم يتزوج أبدًا !

سألوه كثيرًا لماذا لم يتزوج .. و لم يجب على السؤال بصورة واضحة أبدًا !
في مقالة كتبها سنة 1953 بمجلة الهلال المصرية ، قال العقاد مخاطبًا أمه : " لو وجدت لي زوجة مثلك تزوجت الساعة " كان اعجاب العقاد الشديد بامه التي ربته رغم الظروف الصعبة التي مروا بها ، و قوة إيمانها لدرجة اعتكافها لأيام طويلة السبب في بُعده عن الزواج لأن نظرته لشخصية أمه أعمت عينه عن شخصيات باقي النساء .
ينقل أنيس منصور في كتابه ( في صالون العقاد كانت لنا أيام .. ) ، أن احدى الطالبات سألته يومًا : لماذا لم تتزوج يا أستاذ ؟
هل لأنك لا تحب المرأة أو لأنك لم تجد التي المرأة تناسبك ؟

.. فقال: إن الذين يحبون المرأة و الذين يكرهونها يتزوجونها. فالزواج ليس دليلاً على الحب .. كما أن الطلاق ليس دليلاً على الكراهية ، و العزوبة ليس معناها أن يتساوى لدى الإنسان أن يتزوج و ألا يتزوج ، فلو كان الزواج قائماً على الحب، ما كانت هذه الاختلافات العنيفة بين الأزواج ، إنها تصل إلى درجة الفضيحة و إلى المحاكم و إلى القتل و إلى الخيانة .. و لكن الزواج هو اتفاق في وجهات النظر و في المصالح.
فالذي يحب إنما يحب شخصاً ، و الذي يتزوج إنما يتزوج شخصاً من عائلة لتكون له عائلة هو أيضاً !

.

- أبو العلاء المعري .

.

رهين المحبسين أحمد بن عبد الله التنوخي المعرّي ، الشاعر و الأديب الذي لا يشق له غبار ، و لكنه فوق هذا كله الفيلسوف الذي رفض أن يجعل شعره إلا طريقا ليكتب بها فلسفته في الحياة ، فيصف نفسه قائلاً :

و إني و إن كنتُ الأخيرَ زمانه .. لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ

رغم أنه فقد بصره صغيرًا إلا أن وجود أمه معه ساعده على تخطي هذه العقبة ، فسافر و طاف البلدان يتعلم و يُعلّم حتى ماتت أمه فحبس نفسه في البيت لا يغادره حتى مات ، و يصف حالته بعد وفاة أمه بقوله :

.

و أحمل فيك الحزن حيًا فإن أمت .. و ألقـكِ لم أسلك طـريقًا إلى الحزنِ

و بعدك لا يهوى الفؤاد مسـرةً .. و إن خانَ في وصل السرور فلا يهني

.

هذا الحزن انعكس على أبو العلاء المعري فلم يتزوج طول حياته حتى مات ، و عندما حضرته الوفاة أوصى بان يكتبوا على قبره :

هذا [ ما ] جناه أبي عليّ .. و ما جنيتُ على أحد *

و معنى كلامه : أن والده عندما تزوج و أنجب أبو العلاء فهو جنى عليه لانه وضعه في العالم حيث يتعرض للأحزان و المصائب و الحوادث و الآفات ، فأبو العلاء لم يتزوج حتى لا ينجب و يعرض أولاده لهذه الأشياء المؤلمة !

كان رفضه للزواج من منبع إنساني لأنه يعتقد أن الزواج هو جناية على الأبناء !

.

.

...و العزّاب الأدباء ... لا زالوا يزدادون
* ما بين [ ..] من اضافتي للتوضيح .