31 ديسمبر 2008

لماذا ينجذب الناس للحسين (ع) ؟

وحي عاشوراء [ 3 ]



يقول أبو الفرج الأصفهاني بأن النقص مستولي على بني البشر .

و من هذا الإستيلاء اتى د. علي شريعتي بنظريته الرائعة حول استيلاد البشر للأساطير و صنعها ، فهو حين يدرس شخصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول بأن دوافع الإنسان نحو صنع الأساطير في مجال ما هو نقصهم في هذا المجال ، فهم يصنعونها ليسدوا هذا النقص ، و يضرب أمثلة على الحب العذري و صنع الناس لأساطير " روميو و جولييت " و " قيس و ليلى " و مثال القوة و يصوره مثلاً بـ" عنتر " و بـ" أخيل " ، فمن سبق ذكرهم إنما كان دافع الناس لسكب هذه القيافة الأسطورية عليهم لكونهم يفتقدون القوة و الحب العذري و صفات الكمال الأخرى في أنفسهم فيلجؤون إلى صنعها في هؤلاء حتى يكونوا مضربًا للأمثال لهم .

د. شريعتي يصل إلى نتيجة مفادها أن الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - ، كان مثالاً حيًا لا أسطوريا على كمالات البشر فلم تكن هناك حاجة لاسباغ صفاتها عليه ، لذلك يُعتبر هو من أكثر الشخصيات جدلا في التاريخ ، فكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام واصفًا حاله : هلك فيّ اثنان : محب غال ، و مبغضٌ قال .

فالمحب ينجذب إليه لأنه يرى فيه الكمال التام ، و المبغض ينفر منه لأنه يمثل نقيضه الذي يؤرقه ، و هذا ما يشكل قوتي الدفع و الجذب و قد شرحها العلامة الشهيد مرتضى مطهري في كتابه بصورة وافية يندر مثيلها .

كان من المفترض أن يكون وحي اليوم عن شعائر الحسين عليه السلام ، و لكن موضوع قرأته [ 1 ] جعلني أغير الدفة .


  • لماذا ينجذب الناس للحسين عليه السلام ؟

كما ذكرت في ذلك الموضوع ، فإن أبيات المرحوم الملا عبد الرسول محيي الدين لا تفارقني و هو يقول في منتصف قصيدته الخالدة :

ياحسين ارتبطنا ويـاك.. بالـدم بالـــــنفـس بالجيـد

مثل ما قلنـه عالفطـره ..لا صـــــدفـه ولا تعويـد

افرض نشذ عن خطّك.. ونسير على خــــط ابعيـد

افرض يجتذبنه الكاس.. ويســحرنه هـوى التجديـد

افرض ننفتـن بافكـار.. ونتـــــــسمـم وفتـره نحيـد

افرض نلتهـي نقامـر.. ونـــــــتصـرف بـلا تقييـد

اشما تفرض بعد يحسين.. اشما نعـمل بعـد ونزيـد

لابـد ماتجـي الساعـه.. البيهـا نـــــــنتبـه ونعـيـد

لابـد ماهـو الرحمـه.. يدركنـا ونــــــــرد اجديـد

على قاعدة أنهم نورٌ واحد ، فالحسين هو امتداد لأبيه و لسيرته ، و هو امتداد لتلك المبادئ العظيمة ، إنّ أصحاب المبادئ يملكون فيضًا يَشغل الأذهان فيجعلها هائمة فيه ، تنجذب إليه لأنّ فيض هذه الشخصيات يبعث فيها شعور الحب و العشق و يسبغ عليها صفات الكمالات ، هم يرون أنفسهم كُمّلاً باتباعهم لهذه الشخصيات ، هذه الشخصيات ليست وليدة الأساطير لذلك لا يُختلف فيها ، و لكنها وجود حقيقي بكيانها لذا تراها تصبح في محل الخلاف .

يُروى عن الإمام الصادق عليه السلام عن جده رسول الله الأكرم - صلى الله عليه و آله - : إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً .

هذه الحرارة في قلوب المؤمنين و الإيمانُ كما ينسلخ من الإنسان حين يرتكب معصية و يعود إليه حين يتوب [ 2 ] ، فإن الحسين بكمالاته الأخلاقية ، بصفاته البشرية ، بعواطفه الراقية ، بمجموع ما يمتلكه من درجات العلو هو لباس يُخلع من على أكتاف الناس حين يبتعدون عن حقيقة مبادئه و واقع ثورته و لكن ما أن يذكر اسمه و تتجدد مصيبته حتى يعود ليلف أجسادهم و يغطي فكرهم هيامًا فيه ، لباس حب الحسين هو لباس الإيمان .. يظل مكمونًا في القلوب طالما أنّ الدنيا تأخذ مآخذها ، و لكن حين تحين الساعة ينقلب كيان الإنسان .

إن سبب الإنجذاب نحو الحسين و عشقه ، هو نفسه سبب الإيمان بالله الواحد القهّار عز و جل ، فالحسين هو مظهر صفات الله ، هو بذاته تطبيق أوامر الله سبحانه ، فهو بمجموعه وجه الله في أرضه ، لذلك فإن المرء كلما انجذب لوحدانية الله عز و جل انجذب للحسين لأنه اصطبغ بصبغة الله فعشقته القلوب لذلك { صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً } ، مهما المرءُ ابتعد بإسرافه على نفسه يظل خيط الوحدانية يربطه ، هذا الخيط الذي يخاطب الفطرة الإنسانية التي يشترك بها كل البشر على اختلافهم ، فعشق الحسين عليه السلام يظل بسبب عشق الله عز و جل .

هذا الإنجذاب نقيضه هو ' النفور ' ، النفس المضللة تنفر من النور لأنها ترى فيه تهديدًا لكيانها و قلبًا لمفاهيمها ، فبما يمثله من القيمَ العالية يشكل ضربة تهدم قناعات هذا النافر لذلك يكيد كيده و يسعى سعيه في سبيل تضليل قضية النور و إنفار الناس منها ، حتى لا يطلعوا على الحقيقة التي تكشف زيفه و زيف إدعاءاته ، هو يرى وجودًا كوجود الحسين و أبيه عليهما السلام كيانا حقيقيا يقض مضاجعه فهما ليسا أساطيرًا تصنعهم المخيلة و تبقيهم فيها و تضفي عليهم ما تضفي ، بل هم حقيقة موجودة و قيم ثابتة و راسخة ، مثلُ هذا الشخص " الدونكيشوتي " يلفت إنتباهي إلى من يبذل كل ما يملك في سبيل تضليل جوهر هذه الأيام و فلسفتها لينطبق عليه قول الله عز و جل { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } فهؤلاء يشترون كل لهو بالغالي و النفيس حتى يضلوا عن السبيل لأن في وجود الحقيقة الحسينية تضادٌ لأنفسهم .


  • وصيّة :

من وصيّة الإمام الرضا - عليه السلام - لـ ريان بن شبيب :


" يا ابن شبيب ان كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) فانه ذبح كما يذبح الكبش"



_____________


[ 1 ] حُبك مدرسة .. ( اضغط للقراءة )


[ 2 ] عن النبي الأعظم - صلى الله عليه و آله - : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن‏.

30 ديسمبر 2008

لماذا إحياء ' الثورة ' ؟

وحي عاشوراء [ 2 ]



لماذا نحيي عاشوراء ؟


إجابة هذا السؤال قد تكون بسيطة ، و قد تكون صعبة كلٌ بحسب قابليته لها .


من زاوية أخرى يمكن أن نسأل : لماذا نحيي الأعياد الوطنية ؟


لماذا نحتفل بالجوائز العالمية ؟


لماذا نركز على الأسابيع الثقافية ؟


إلى آخر هذه الأسئلة .


أبسط إجابة تكون : حتى ترسخ في النفس ما تدعو إليه .


قيام الحسين عليه السلام توجه نحو التأكيد على إحيائه منذ صعد زين العابدين عليه السلام على أعواد الشام فقال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - ... إلخ . ثم بدأ بذكر المصيبة الراتبة.


و ظل هذا الذكر مؤيدًا ، مدعومًا ، مشعًا في كل زمن حتى في أحلك الظروف و الأوقات عندما كان الناس يُقتلون لاسمائهم المجردة [1].


في إحياء هذه المظاهر ، إحياءٌ لقيمها الأصيلة ، و تأكيد على أهدافها السامية ، و إشارةٌ لدعوتها ، و جعلها مركز شحن يعيد للنفوس تهذيبها بما تحمله هذه الأيام من فِكر و عِبر ، بعد أن تلوثت هذه النفوس على مدار عامٍ كامل بما تحمله الدنيا من صراعات و خلافات أبعد ما فيها الأخلاق .


بعاشوراء الحسين - عليه السلام - ، إعادة بث لدعوته الإصلاحية ، و لثورته الحسينية لترينا كيف أن يزيد ليس هو ذلك الموجود في السلطة قبل أربعة عشر قرنًا ، بل هو كل شخص و شيء يحمل فكره الطغياني مهما اختلف لونه أو تغير دينه أو غاب شخصه و ظل فكره ، و لتبعث فينا الرؤية لأن نستلهم قدرة التغيير و تشخيص الباطل من الحق حتى نتخذ الجانب الصحيح ، و لا نخجل من الصدع بهذا الموقف .


إحياء هذه العشرة الحسينية هو إحياء لفكره الأصيل ، و إظهار عربون العرفان لدمه الذي سقى هذه الفكرة حتى تصل إلينا نقية طاهرة ، فلا خير في فكرة لم يتجرد لها صاحبها فما بالك بفكرة غرست في صدر الحسين و سقاها بدمه حتى ارتوت.

تجديد ذكراه ليس تجديدٌ للمصيبة فقط ، بل هو تجديد لمحاسبة النفس ، و تشذيب السلوك و تقويم الفكر ، و شحن النفس بأسباب هذه الثورة و غاياتها و أهدافها و ما دعت إليه و أركزت رماحها فيه.

اليوم لا وجود للإمام الحسين - عليه السلام - بيننا كما أنّ لا وجود ليزيد ، و لكن هناك وجود ثابت لكل معسكرٍ منهما .

معسكر نبراسه الحسين ... و معسكره دليله يزيد .

« معركة كربلاء قائمة بطرفيها اليوم وغداً .. في النفس .. في البيت .. في كل ساحات الحياة والمجتمع .. وسيبقى الناس منقسمين إلى معسكر مع الحسين ومعسكر مع يزيد فاختر معسكرك » [2]

___________________

[1] تاريخ الإسلام - الذهبي - ص 427

[2] من كلمات الشيخ عيسى قاسم .

29 ديسمبر 2008

كل الجهات اليوم .. كربلاء .

وحي عاشوراء [ 1 ]





هَـلَّ الـمُحرمُ فاستهـلــّت أدمعي .. و وُري زنادُ الحزنِ بين الأضلعِ


مُذ أبصَرت عيني بزوغ هلاله .. ملأ الشجا جسمي ففارق مضجعي


و تنــغصّت فيه عـلـيَّ مـــطاعمي .. و مــشاربي و ازداد فيه توجعي


الله يا شــهر الـمُحرّم مــاذا جـــرى .. فيــه علــى آل الوصيِّ الأنزعِ


الله من شهرٍ أطَــَّل عـلى الـوَرى .. بمـصائب شـيَّـبــْنَ حـتى الرُّضعِ


شـــهرٌ قـد فــجع الــنبي محمدٍ .. فــيه و أيُّ مُـوحدٍ لــم يـفـجَـعِ


شهــرٌ به نزل الحسينُ بكربـلا .. بــخيرِ صَــحبٍ كـالبدورِ اللُّمّــعِ


و عــلــت عـلـى هامِ السماء فـ .. تلألأت تلك الربوع بنورهِ الأرفــعِ


للمرحوم الشيخ عبد الكريم العوامي القطيفي - رحمه الله- ( ت 1373 هـ )


أعتذر لأحمد مطر لأنني اقتبست بتصرف عنوان قصيدته ،


و عذري أن معناها واحد فالجنوب ابنٌ لكربلاء !


اليوم تتوجه كل الكلمات نحو ذلك النور الساطع ،


تقتبس من مصيبته دروس العز و الافتخار ،


و دروس الكرم و الإيثار .


اليوم تتعطل كل الكلمات ،


و تعجز كل الحروف ،


عن المدار حول كـربـلاء .


هي عشرة .. أثرها في التاريخ لا يقاس بطولها


و لا بزمنها .. بل بدروسها .. و بقيمها ..


بما تُعلمنا إياه في كل لحظة ..


و بما تقدمه لنا في كل يوم .


منذ اليوم .. نحن ..


في رحاب الإمام الحسين عليه السلام .

.

25 ديسمبر 2008

بهائم البشر .





يُنقل عن سقراط قوله : الإنسان حيوان ناطق .


و سار على هذا التعريف أغلب المناطقة [ أهل المنطق ] ، فالإنسان من حيث كونه مخلوقا فهو متشابه التركيب مع الحيوانات ، إنما يختلف عنه بقدرته على ذاتية النطق ، أي أن منشأ النطق عنده من ذاته و برغبته و إرادته و ليس تقليدًا أو محاكاة كما تقوم بها بعض الحيوانات الناطقة إن صح التعبير ؛ و النطق هو أحد لوازم التفكير فالنتيجة النهائية هي أن الإنسان حيوان من حيث البناء ، بشرٌ من حيث القدرة على التفكير و التعقل و يختصر ذلك بالنطق .


يقول بعض أهل الأخلاق و التربية أن حياة الإنسان مقسمة إلى ثلاثة مراحل :




  • الأولى - المرحلة النباتية :


و هي مرحلة النمو عند الكائن الحي ، فهو مثل النبات كل ما يفعله أن ياكل و ينام لينمو جسمه و عقله ، و هذه المرحلة مرتبطة بالطفولة غالبا فهي مرحلة النمو أو المرحلة النباتية التي لا يحمل فيها همَّ التعقل و التفكير بقدر ما يسعى إلى تكامل جسمه و استعادة توازنه ليمشي على الأرض .





  • الثانية - المرحلة الحيوانية :


و هي المرحلة التي يبدأ الإنسان فيها بالتعرف على غرائزه و أحاسيسه ، و على مهام أعضاء جسده المختلفة ، حيث تتحول من مجرد أحاسيس و مشاعر غير مفهومة متكونة لديه إلى حاجات تكون الدافعية عنده نحو سدها بأي طريقة ، فهو هنا يستلهم قيم الحيوان - أجلكم الله - في حياته اليومية ، يأكل و ينام و يبحث عن سبل اشباع رغباته و الإستئناس بها بعد أن تحولت إلى مشاعر مفهومة تولد اللذة لديه .




  • الثالثة - المرحلة البشرية :


أو الإنسانية ، و هي المرحلة التي يستوعب فيها الإنسان حاجته للعقل و يسلمه زمام الحكم ليشذب غرائزه و يجعلها على الطريق الصحيح ، و يشبع كل منها وفق الأساليب الصحيحة التي تتوافق و كونه إنسانا يملك منظومةً أخلاقية و دينية تحتم عليه أن يرقى بتصرفاته إلى درجة استيعاب كونه عضو في مجتمع إنساني يحاجة لتفاعل أعضائه حتى يتطور و يترقى لمفهوم المجتمع الإنساني ، بدلا من بقائه في إطار التجمّع البهيمي ، و هو القطعان الحيوانية التي يجمعها الكلأ و الماء ، لا الحاجة إلى الانتماء و الامن الاجتماعي و ما يترتب عليهما من أشياء يوافق عليها العقل البشري .



_______________



قلة فقط من ينجحون في التجرد بأوساط محيطهم الإجتماعي الذي بالعاده يدفع الناس للإيمان بأفكاره و قيمه حتى و إن رفضها الباقي بحجة المجاراة و المتابعة و عدم الرغبة بالظهور كشيء شاذ في وسط محيط متناغم ، رغم أنّ التفرد في تاريخ الإنسانية غالبًا ما يُسجل لمن تمرد على الحدود المرسومة له فيكتسب تميزه من ثورته هذه ، كما تفرد نيوتن بقصة التفاحة الشهيرة على عادة معاصريه في أن يأكلها دون أن يجهد نفسه لتفسير سب سقوطها لأسفل بدلاً من صعودها لأعلى !



معظم الناس يتخطون المرحلة الأولى ، لكن أقدامهم تعلق في المرحلة الثانية و إن تعدوها فالكثير منهم ينجذب إليها مجددًا ، فيتم رسم حياتهم كلها وفق شهواتهم و ما يدفعهم إليه هواهم ؛ البهيمية التي يعيشها هؤلاء تتمثل في كونهم أصعدوا الغرائز فوق العقل ، فصارت قدراتهم التفكيرية محصورة في البحث عن طرق اشباع الغريزة ، في عالم الحيوان نرى الشاة مثلاً مزودة بعقل بدائي لا يدلها على أكثر من كيفية أكلها و شربها و تكاثرها كيفما اتفق لأنها ليست بحاجة لأكثر من ذلك ، بينما زُوّد الإنسان بمنظومة فكرية و عقلية متكاملة لا يمكن اختصار قدرتها على سنواته البسيطة التي يحياها و على الرغم من ذلك فإن هناك من يفضل أن يجعل هذه الآداة الخلاقة آلة لتنفيذ الهوى و الشهوات على إطلاقها ، فهذا أسهل و أيسر من أن تُستعمل استعمالها الصحيح.


يصف الله سبحانه و تعالى بعض الخلق بأنهم [ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا ]الفرقان .


إذن ، فهناك صنف و إن كانوا في الصورة الخارجية من بني البشر إلا أنهم في بعض مراتبهم ليسوا سوى أنعام تعلقت أذيال أثوابهم بالمرحلة الثانية و لم يتعدوها ، لأنهم لا يملكون الرغبة و لا الإرادة لذلك فـ " عقولهم مغلقة " و أفكارهم معطلة ، و أهدافهم بالحياة محصورة بما حُصرت به أهداف الحيوان في هذه الأرض .


عقولهم يصبح وجودها كعدمها لأنها موجودة فقط لحفظ كيان الوجود في الحياة لا أكثر ، فلا فكر و لا منطق بل عصبيات تغذيها الحمية الغرائزية نحو محيطها الذي يوفر لها الآمان " القطيعي " و نحو أفكاره مهما كانت منحطة في مقاييس الآدميين ، هذا الوصف لهؤلاء ليس نقيصة أو مسبة بل هو تعبير واقعي و حقيقي عن أنّ هؤلاء الأشخاص لم يصلوا لمرحلة الإنسانية و ما تتطلبه بَعد ، فهم بهائم برغبتهم و إرادتهم و لكن بصورة بشر .


و ما أكثر هؤلاء حين نعدهم في المجتمعات الإنسانية .









14 ديسمبر 2008

حوار مع صديقي العزيز .. [ 2 ] : الحب .





لماذا نشرت الحوار مع صديقي العزيز ؟


سؤال يتبادر للذهن ، الإجابة على السؤال بسيطة جدًا ، في أحيان كثيرة يكون هناك تزاحم للأولويات فيتم تقديم الاولى على الأول ، حديثي مع صديقي كان مهما لأدخل من خلاله على مفردة يُساء استخدامها كثيرًا بصرفها لغير معناها ، و لقيمة هي مجهولة عند الكثيرين ، ما مر به صديقي يُبين معنى الإدراك من عدمه لهذه القيمة.


صديقي العزيز الذي أفتخر بان أتعلم منه كان في كلامه إشارات خفية لهذا الشيء متلازمة بكاء و ضحك الدهر هي نقطة مفصلية في توضيح الفارق بين العاطفة و العقل ، و تصرفه بعد تلك الصدمة تدل على ضرورة الوعي بالشيء قبل أن يتم الحكم عليه ، يعني أنه لا يمكن أن أصف نفسي بأني من أصحاب الوجد إن كنت أجهل في ذاتي معنى هذا الوجد .
الشاعر و الحكيم الفارسي حافظ الشيرازي يقول في أحد أبياته الشعرية :


كسان عتاب كنندم كه ترك عشق بگوي .. به نقد اگر نكشد عشقم اين سخن بكشد

و ترجمة هذا البيت : أن الناس يعاتبوني حتى أترك الحب ، و لكن إن لم يقتلني الحب فسيقتلني هذا العتاب .

كل انسان يملك منطلقين يعتبران أساسا عنده لإطلاق الحكم على الشيء الأول هو ( العاطفة ) ، و الثانية هو ( العقل ) ، كلا المنطلقان يميلان للتطرف حين يتم أخذ أحدهما بمعزلٍ عن الآخر ، و لكن العاطفة تتطرف أكثر لأنها قائمة على المشاعر و الاحاسيس و الميل المطلق نحو الشيء ، هذا الميل يجعل الإنسان يعيش بحالة من التوجيه التام بحيث يلغي كل حواسه الأخرى كما يقول الشاعر : و عين الرضا عن كل عيبٍ كليلة . و الرضا هو أحد مصاديق العاطفة .

أما العقل فسبيله هو التجريد البحت ، يرفض العاطفة تماما و يعتمد على الأشياء المحسوسة في تكوين اتجاهاته و بناء مواقفه ، إن أخذنا الوردة كمثال فإن ترك الحكم للعاطفة سيحاول ربط هذه الوردة بمشاعره الداخلية و ذكرياته السابقة المؤلمة أو المفرحة و يبني موقفه على أساس هذه الذكريات و ما تولده من أحاسيس و مشاعر آنية ، أما إن أحكم الامر بعقله فإنه سيلجأ لتقييم هذه الوردة لا من خلال ما تثيره من من مشاعر بل من خلال تقييمها بمظهرها الخارجي وفق أساليب التقييم المنطقية اللون / الرائحة / الحجم / ... إلخ .


إذن فما قاله حافظ الشيرازي عن الحب و العشق ينبع من نظرته كأديب فهو يوقن بأن العشق أرداه و لكنه كمدمن عليه لا يمكن له أن يتخلى عنه فأصبح بين نارين نار العاطفة التي تحرقه من طرف و نار عتاب الناس الذي يحرقه من طرف آخر لانهم يطالبونه بأن يعيد تحكيم عقله ،هذه النظرة هي نظرة الشعراء و الأدباء ممن يجعلون محركاتهم هي عواطفهم قبل عقولهم لأن منهل الإبداع في الكلمة هو ( العاطفة ) لا العقل ، لذلك تتكرر امثال هذه الأبيات في قصائد الشعراء ذوي الإحساس و تراثنا العربي زاخر بالكثير فهذا قيس يندب حظه العاثر بقوله :


إليكَ عَنِّيَ إنِّي هائِمٌ وَصِبٌ .. أمَا تَرَى الْجِسْمَ قد أودَى به الْعَطَبُ
لِلّه قـلبِيَ مـاذا قـد أُتِـيحَ له .. حر الصبابة والأوجاع والوصــب
ضاقت علي بلاد الله ما رحبت .. يا للرجال فهل في الأرض مضطرب
البين يؤلمني والشوق يجرحني .. و الدار نازحة والشمل منشعـبُ
كيف السَّبيلُ إلى ليلى وقد حُجِبَتْ .. عَهْدي بها زَمَناً ما دُونَهَا حُجُبُ


فمرد هذه الأمراض و الأسقام على المحبين أنهم عمدوا إلى تعطيل عقولهم [ أو قلوبهم الواعية ] و جعلوا أمر ركابهم بيد عواطفهم تقودهم حيثما شاءت .
كلٌ من العقل و العاطفة يعتبران متماثلان في القوة و متضادان في الإتجاه ، فالاستفادة منهما تكون حين يتضاربان ، مثل حجر الصوان الذي يضرب أحدهما بالآخر لتنتج منه النار ، أو مثل الأقطاب الكهربائية التي تنتج الطاقة فيهما من جمع النقيضين ، فرغم تضادهما إلا أنهما يكملان بعضهما ، و في مسائل مثل الميل أو الإنجذاب باتجاه طرف يجب أن يكون الحكم للعقل و العاطفة حتى لا يضع الإنسان نفسه في موضع " الصم البكم " يسبغ صفات و كلمات الحب بدون وعي حقيقي لهذه الكلمة .

أغلب ما يدور من حديث عن الحب هو مجرد كلمات مصففة لا تستقيم مع المعنى الراقي لهذه الكلمة ، الحب قيمة إنسانية سامية ، فوق كل مشاعر الإنسان ، و يتم الإساءة لها عندما يتم اطلاقها على مشاعر تربط بين اثنين فقط.
الحب قيمة تغير كل صفات الإنسان فهي تحوله لنقيضه ، لو كان الإنسان جبانا فإن مسّ شيء يحبه السوء انتفض لا شعوريا ليدفع السوء ، هذه الانتفاضة نتيجة عمل الحب الذي غير معدنه من الجبن إلى الشجاعة و على هذا يمكن قياس كل الصفات .
الحب نفسه يقسم لقسمين :

( 1 ) الحب المادي


( 2 ) الحب المعنوي

الحب المادي هو الغريزة الحيوانية المتمكنة في الإنسان ، الغريزة التي تدفعه أو تجذبه تجاه الطرف الآخر من الجنس البشري عندما يشير الناس إلى هذه الغريزة بالحب فهم يسيئون للحب لأن اقتصار الحب على هذا المعنى يقتل الفضيلة لأنها يختصرها بمظاهر خارجية كوجه جميل أو أخلاق قد تذهب مع الأيام فيختفي هذا الحب أو قد ينتهي الاعجاب فيها فينتهي هذا الحب لأن أسس غير متينة.


أما الحب المعنوي فهو شيء فوق الانجذاب الاعتيادي هو مودة و رحمة و اتباع ، النبي الكريم صلى الله عليه و آله و سلم يقول " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه و أهله .. " ، ما هو سر هذا الحب حتى يكون كمال الإيمان مرتبط به ؟
سره أن هذا النوع من الحب يؤدي لا شعوريا إلى اتباع المُحب لحبيبه و الإقتداء فيه ، كمثال بسيط أضربه :

ما بعد منتصف القرن الماضي بقليل بدأت حقبة ما يُعرف الآن بـ " الهستيريا البريسلية " ، أصبح ألفيس بريسلي فيها الملك الاوحد و المثال الاعلى لفئات الشباب ، ملابسه ، حديثه ، رقصه ، أسلوبه ، أغانيه كلها أصبحت standard يتم قياس الناس من خلالها ، ما حدث من انتحال هؤلاء و استلهامهم لألفيس هو قيمة الحب الحقيقية ، القيمة التي تجعلهم ينسلخون من ذواتهم يتبعوا ذاتًا أخرى و ينتحلوها ، لذلك هي تعتبر قيمة سامية و لكن بشرط أن تتوجه نحو مستحقها .


كسبيل للنجاة نرى الله سبحانه و تعالى يدعونا إلى الحب في قوله : ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) ، لما نوجه حبنا تجاه النبي صلى الله عليه و آله ، أو آل بيته عليهم السلام فنحن نقتدي فيهم و نستنسخ أفعالهم و بالتالي نصل إلى طريق الحقيقة و النجاة و لكن بشرط العمل و هو الإتباع ، أي أن القيمة العاطفية أو العقلية لوحدها ليست كافية .

منطق أرسطو الخالد إلى اليوم ينص على : أن استقراء النتائج يؤدي بك إلى الجواب الصحيح ، و لكن علماء العرفان و السلوك يقولون بدلا من أن تضيع وقتك في معرفة الاجزاء الصغيرة لتكون الصورة الكبيرة ، حُب و اتبع من تحب ممن تتوافر فيه صفات الكمال ، و بالتالي تصل للنجاة و تختصر كل الوقت المطلوب منك في استقراء الاجزاء الصغيرة .
حب الإنسان لأولاده و أسرته يندرج تحت باب الحب المعنوي و يسمى ( عطف و مودة و رحمة ) فالحب المادي هو قيمة ذاتية متعلقة بالانسان ، بمعنى أنه عندما يحب شيءا فهو يريده لذاته فقط كحبه للمال و اكتنازه لها و رفضه مشاركتها مع غيره فهي حب مادي نابع من غريزة حب التملك و الأنانية ، لكن المودة و الرحمة و العطف هي حب مقرون بالفيض أي حب يؤدي إلى انسلاخ الفرد من أنانيته ليعطي و يهب غيره دون اجبار بل برغبة ، و يغير صفاته لارضاء من يحب و يندك معه في شخصية واحدة متناغمة .


هل يتوهم الناس الحب بينهم ، إذن ؟


لا يوجد في الحياة وهم تـام ، كل شيء يرتبط بالواقع بصورة ما ، و لو كان مجرد أساس يستند عليه في بناء خياله ، مثل الأساطير تقوم على أصل حقيقي و لكن الإضافات عليها هي من تحور هذا الأصل لشيء آخر ، الناس لا يتوهمون الحب لان هناك مشاعر موجودة و تكوّن سلوكا ما ، لكنها مشاعر لا تخرج عن دائرة الحب المادي أو ما يصطلح عليه بالإنجذاب نتيجة لحاجة عقلائية ما أو نتيجة لتفعيل دور العاطفة في الميل تجاه هذا الشيء.
غالبا ما تجد هذه الكلمة سوقا رائجة عند المراهقين ، فسن المراهقة الحاكم فيه شيئان الاول ( العاطفة ) و العاطفة تميل للتطرف أكثر من ( العقل ) ، و الثاني الهرمونات النشطة و الهرمونات تميل ( للإعجاب ) بالعالم المجهول للشاب أو العكس ( أي الشابات ) .
بالتالي أغلب القرارات تكون نابعة من عاطفة و اندفاع قائم على الاعجاب و محاولة اكتشاف المجهول فـقـط ، و لتلطيف هذه الحاجة يلجأ إلى تسميتها بغير اسمها و هو ( الـحـب ) .




إلى هنا .. و يكفي صداعا :)

8 ديسمبر 2008

حوار مع صديقي العزيز .. [ 1 ]

.
.
حدث في ليلة قمرية قبل فترة وجيزة :
.

صديقي العزيز : سلام عليكم
سفيد : و عليكم السلام و رحمة الله :)


صديقي العزيز : شلونك ؟
سفيد : بخير الله يسلمك . شخبارك :) ؟

صديقي العزيز : لا شيء انشر الابتسامات مع دعابات " القدر " الثقيلة جدا
سفيد : الابتسامة في وجه أخيك صدقة :) يعني قاعد توزع صدقات .. هنيئا لك:p

صديقي العزيز : أمانة القدر ابكاني وجرحني بعمق لكن بنفس الوقت قدر يخليني انفجر من الضحك
سفيد : صاير من " القدريين " ؟ :P
إن القدريين كانوا ابناء الجهميين :D
اشفيك :) ؟

صديقي العزيز : كنت لمدة سنة ونص مخطط اخطب وحدة وكنت احب هل بنت جدا وكل شيء كان ماشي بتسلسل منطقي لكن كل شيء انتهى فجأة !
بشكل مدهش والله .. احترت شسوي حتى انتشل المتبقي من الموضوع سويت خيرة فطلعلت الخيرة " اضغاث احلام " فبفورة حزني انفجرت من الضحك .. حسيت القدر امطلع لي لسانة ويقولي بالمشمشششش

سفيد : هههههههههههههههههههههههههههههههههههه
قول إنّ السالفة سالفة حب من الأول .. يا ابني .. طلعت مشرك بحكم أهل العرفان :D
ما توقعتك تطيح بهالمطب ، و لكن مثل ما يقولون الرصاصة الخاطئة هي القاتلة .
صديقي العزيز : اي حتى انا ماكنت ادري اني بطيح بهل مطب .. غريب هلقدر يقطك في الحفرة ويرش عليك التراب وهو يضحك ، يحط اللقمة بحلجك و الويل لما تبلعها

سفيد : خـيرة يا اخي ، حاول انك تبحث عن سبعين محمل مشرق .. بس الإنسان كان " أكثر شيء جدلا " :)
في درس حاول القدر انه يعلمه اياك ، لكنك رفضت أن تتعلمه فلجأ " للكيّ " عشان يعلمك إيّاه .
لو كنت من العرفانيين لاصابك برق الاشراق و فهمت الدرس ، لكنك ماديّ شيوعي :) لازم تعيش التجربة المادية عشان تستوعب الدرس و درسك عنوانه العام هو : لوعة الفقد :)

صديقي العزيز : فعلا للحين انا مندهش اقول يمكن بعد شوي يقعدوني من النوم ويطلع الموضوع مجرد حلم وموضوع الخطبة راح يمشي ...

سفيد : انت مشكلتك عويصة حييل .. يعني غرقان في الحب :)
عموما ما في شي مستحيل على الله سبحانه ، إنما هناك خيرة و إسأل الله الخيرة في الأمر. و ما كان ليفوتك فلن تلحقه ، و ما كان من نصيبك فلن تخطئه .

صديقي العزيز : مع كل ايماني ومعرفتي بالاسلام والابتلاء للانبياء واهل البيت وقع الصدمة عزف كل اناشيد الكفر براسي ! .. شي غريب

سفيد : واذا انعمنا على الانسان اعرض ونأى بجانبه واذا مسه الشر كان يؤوسا .. جانبك الإنساني لا زال أعلى من جانبك العقلاني ، فلجأت لليأس لأنه أسهل طريقة تحصل من خلالها على الشعور اللي تبيه ، و تريح نفسك من عناء صراع عقلك و نفسك على حلبة الواقع التعيس.

صديقي العزيز : الحمدلله على كل حال .. بس فعلا شي رهيب حسيت بهلابتلاء صرت كما ولدتني امي هههه

سفيد : تدري ليش ؟لأنك حطيت اللجام بإيد عاطفتك ، و صكرت عقلك ، و ربطت كيانك بما هو ليس بيدك .. و لما انتبهت اكتشفت أنك نسجت " هدومك " من خيوط الهواء ... تذكرني بالخروف اللي حاول ينحاش من الذيب بانه ينخش في بيت من القش:)

صديقي العزيز : انشالله لما تجرب تعيش سنة ونص على حلم وصراع مرير وكل شي ينتهي بشكل بشع جدا ساعتها بتتذكرني .. على كل حال انا الحمدلله صامد ..
سفيد : الله لا يقول :)
خلني بعيد عن هالسوالف مو مال هالأشياء أنا :)
بس انت الله يهداك قاعد تتكلم بالالغاز ، و انا ارد عليك بمثلها :D

صديقي العزيز : لاني ما اتكلم بتفاصيل الموضوع رأفةً بحالي .. داش قهوة بدسمان اسمها كون ليشه ؟

سفيد : لا ، هذي شنو بعد ؟
باجر ليلة وفاة الصادق ع ،اسأل الله بحقه يفرجها :)
و تنفرج ان شاء الله مثل ما يقول ما ادري منو ( ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت و ما كنت اظنها تفرج )

صديقي العزيز : ما ابيها تفرج لاني ما مت من حزني اخاف هل مرة تجيلي صدمة الفرحة واموت ! هههه

سفيد : لما كنّا صغار ، و نشوف شي يحزنا او يصير لنا شي محزن كانت المواساة الوحيدة قولهم : تكبر و تنسى :)
.. مع الأيام ارتباطك مع ماضيك يخف لما يختفي و يظل مجرد ذكرى .. الحزن على عكس البشر يبدأ كبير و ينتهي صغير .

صديقي العزيز : صحيح

سفيد : المسألة الحين شلون " تهرب للامام " ، في ناس يتعايشون مع حاضرهم و يتكيفون معاه ، و في ناس يغمضون اعينهم و يصمون آذانهم و يركضون هربا لما ينتهي هذا الحاضر .. شلون ؟.
بانهم يشغلون انفسهم و يهلكونها حتى ما تصير عندهم فسحة يستذكرون فيها الحاضر . شوف انت من اي نوع ، من نوع البطاط اللي يتكيف مع الحر و البرد ؟ او من نوع الحديد ما يتكيف الا بالصهر و الضرب :)

صديقي العزيز : من النوع الي يحاول ان لا ينجن هههه
بالقهوة الي اقولك عنها صورة وايد معبرة حق اسماعيل ياسين
تقريبا صايرة جذي



الصورة الي على اليمين

سفيد : ههههههههههههههه ... الله يسامحك ..
شنو المعبر فيها :) ؟

صديقي العزيز : شكل القضاء والقدر ما لقيت تشبيه ابلغ
او تخفيفا للمصطلح نقول ارادة الحياة


سفيد : قول تعامل الحياة :)

دايما توقف بوجه الانسان عشان تحسسه إن قيمته هي مجرد كونه رحّال في مساراتها ، ما عنده القدرة على انه يطوعها بحسب مزاجه و مثل ما يبي .. احنا نعتقد بأنه خلال سنوات قليلة نعيشها على أرض عمرها 6 مليارات سنة بامكاننا أن نفرض أحكامنا غصبا على الكل .. و دايما نصحى على " طراق " محترم ... مثل هذا
لا يعرف الانسان قيمة اي شيء يمتلكه حتى يعرف قيمة الفقد ما هي .. من خلالها يمكن أن نبني التوازن :)

صديقي العزيز : بس للامانة حسيت نفسي شجاع حتى في نهاية المعركة وقت ما العدو شايل سيفة يبي يغرسة فيني كنت اقاوم ! كبرت بعين نفسي مع اني اكلت تبن وانلعن سنسفيل وبعد الغرس ربطوني بالخيول وجروا جثتي بكل قارة اسيا

سفيد : يعني منصدم من نفسك :)

إنت مثلك مثل ورقة الشاي .. ما تظهر قوتها إلا بالماي الحار :p

صديقي العزيز : يعني مت بشرف بصراحة يمكن هذا احلى شي بالجنازة الي صارتلي هههه

على العموم لو فجاة انتكست فهالله هالله بـ "......"

سفيد : شايف فيلم عنوانه : عش بكرامة او مت و انت تقاتل من اجلها .. أو فيما معناه
غريبة هالأفلام شلون تختصر دروس واقعية من الحياة بسطور قليلة .. و تصورها بسذاجة شديدة !
ما اعتقد تنتكس ،، خلاص عديت الصعب و ما ظل الا السهل .. و هو إنك تدور وحده غيرها :p
.
.
.. .. . إلخ .

30 نوفمبر 2008

كن لهم ، يكونوا لك .


هل تعرف معنى الإزعاج و الحديث المتواصل ؟

هل تعرف معنى الصخب و الضوضاء ؟

هل وجدت نفسك يومًا في وسط كل هذا و مع هذا رأيت نفسك فبصرتها غير قابلة على التكيف مع هذا المحيط ؟

هل تعرف هذا الشعور عندما تكون في وسط حلقة أطرافها مشغولة و أنت وحيدً بوسطها ؟

هذا هو الشعور الذي أحسستُ به منذ فترة ، أشعر بان هناك انعدام لقدرة التكيف عندي و ان تواصلي مع الناس أصبح شكليًا ، فلا هم يشاركوني هواياتي و لاهم قادرين على مجاراتي بأفكاري لأن الزمن الحاضر أصبح مقتصرًا على الظواهر دون البواطن نادرًا ما تجد شخصا قادرًا على التعاطي مع فلسفة الأمور أو مضامين الكتب أو مناطات الأبحاث في مختلف العلوم .. ستجد نفسك كمن يطير خارج السرب .. منبوذًا !

مع هذا ، أزاح بعض همي كلمة جميلة قرأتها ذات يوم للفيلسوف الصيني و داعي الفضيلة " كونفوشيوس " يقول فيها : " لا تقلق إذا لم يفهمك الآخرون ، بل إقلق إن لم تفهمهم أنت " .. بعد تفكير معمق وصلت إلى نتيجة مفادها هو ما قاله الإمام الحسين عليه السلام : " واعلموا ان حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحور نقمًا "، فمن نعم الله أن رزقني نعمة فهم الآخرين و استئناسهم برأيي فمن أنا حتى أرفض هذه النعمة لمجرد أنني لا أجد من يفهمني ؟



إن خلق الله للإنسان كان خلقًا محكمًا لا اعتباطية فيه ، و لكل الأمور التي جعلها ميزانٌ لا تطغى احدى كفتيه على الأخرى فإن أخذ شيئًا أعطى آخر ، و هذا هو جوهر الأمور و لكن كاي إنسان آخر تستولي الأنانية على نفسه يرى في سلب شيء منه تعدٍّ عليه و لو كان ذلك من مالك الامور كلها سبحانه .



أود أن أشير بصورة مختصرة إلى اختبار إلهي يوقعه للإنسان ، ليرى هل الإنسان حال القدرة يلجأ لمساعدة غيره أم لا؟


التفكر في الحقيقة بهذه الفكرة البسيطة يدفعنا للتساؤل لماذا نعمل على توقع الخير من الناس و نشتكي حين لا نراه إن كان هناك منّا من يبخل بالخير حال قدرته عليه؟


الإنسان بطبعه يُحب التملك فهذه نزعة ذاتية متواجدة فيه ، و بطبعه يحب أن يتميز على أقرانه فلا تجعل تميزك يكون من باب سعادتك و المحيطون بك تعساء ، يقولون في المثل : التعيس من لا يجد من يعينه في الأزمات ، و هو حقًا تعيس عندما يرى نفسه وحيدًا فريدًا دون سند يسنده ، فأن تعين الناس يعني وصولك لجوهر الإنسانية و لبها و هو الإستئناس ببني جنسك ، و كما يقولون سيد القوم خادمهم لأن الإستغناء عن الناس أمرٌ مستحيل .



كنتُ أتحدث عن نفسي و كيف لا أجد من يفهمني قبل أن أتمتع بلحظات إشراق خرقت الحجب التي أغمضت عيني عن رؤية الحقيقة و هي أن خدمتي للناس و فهمي لهم ، هي ما اختصني الله به بعكس من طفق عن اراحة نفسه إلا بالشكوى لغيره فقط ، لذلك عمدت إلى أن أرى الأمر من باب التمثيل كحساب التوفير ، فخدمتي لغيري هي ضمانتي حين عوزي و مطالبتي ، و إن ردني بعض من خدمته من باب شر من أحسنتُ إليه ، فإن الله عز و جل مسبب الأسباب فكم من مرة دخلت بإشكالية فرجها الله عني بأُناسٍ لا أعرفهم و لا يعرفوني .



لم يَعد مهمًا أن أجد شخصًا يوكل أمر شكواي طالما أن سامع الشكوى عز وجل حي موجود يعلم بحالي ، و لكن أصبح من المهم عندي هو أن أفعل ما بقدرتي و وسعي لخدمة غيري طالما أنني قادرٌ على فهمهم و مجاراتهم .



حين أردت الكتابة في هذا الموضوع استوقفتني نصوصٌ كثيرة وقعتُ عليها ، أجد لزامًا عليّ ذكرها لأنها تغنيني عن كتابة الكثير ..روى الشيخ الصدوق - قدس سره - عن الامام جعفر الصادق عليه السلام:" من أغاث أخاه اللهفان عند جهده فنفس كربته وأعانه على نجاح حاجته كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله يعجل له منها واحدة يصلح بها معيشته ويدخر له إحدى وسبعون رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله".
وعن الامام محمد الباقرعليه السلام :" من مشى في حاجة أخيه المسلم أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك ولم يرفع قدما إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بسيئة ويرفع له بها درجة فإذا فرغ من حاجته كتب الله عزوجل له بها أجر حاج ومعتمر".

وروى الشيخ الجليل شاذان بن جبرائيل القمي عن رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله أنه رأى ليلة المعراج هذه الكلمات على الباب الثاني من أبواب الجنة :" لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله لكل شي حلية وحلية السرور في الآخرة أربع خصال : مسح رأس اليتامى والعطف على الأرامل والسعي في حوائج المسلمين ونفقة الفقراء والمساكين".

25 نوفمبر 2008

ديكتاتورية من رحم الديمقراطية .


" تعلمت من التاريخ : أن الإنسان لا يمكنه أبدًا أن يتعلم من التاريخ ! "


- هـيغـل


يحدثنا التاريخ عن حادثة مدفونة في التاريخ القديم قبل ميلاد المسيح عليه السلام ، عن دولة كانت جمهورية في زمن لم تعرف فيه الدويلات سوى أحكام العشائر و تقاليد القبائل ، يحدثنا عن مكان اسمه " كوريا جوليا " اجتمع فيه نخبة الشعب الروماني و قرروا أن تكون السلطة بالإنتخاب بعد اسقاط الملكية ، ليكتب التاريخ في صفحاته عن امبراطورية و لكن ديمقراطية .


بسطت الامبراطورية الرومانية سلطتها على بلاد أوروبا و توسعت نحو آسيا في واحدة من أكبر الرقع التي شملتها طوال تاريخها ، و رغم ذلك كانت هذه الامبراطورية تقاد من مجلس الشيوخ في روما الإيطالية ، هؤلاء الشيوخ كانوا يصلون للكوريا جوليا بالإنتخاب من قِبل الشعب الروماني في نظام بديع لم يسمح لأحد فيه بالبروز أبدًا ، فقد كان الحكم مشتركًا بين المنتخبين لا يعترف بسلطة أحد على آخر خارج الحدود المتعارف عليها .


وفرت هذه القيادة لهذه الامبراطورية جوًا جعل من بعض العائلات ترى في مجلس الشيوخ حقًا مكتسبا لها فهي تتوارث الكراسي فيه اعتمادا على ارثها السياسي و المالي و الاجتماعي ، و ساهمت الوفرة الاقتصادية التي شهدتها روما بسبب التوسع الكبير في الفتوحات العسكرية الناجحة في بلاد الغال و اليونان و آسيا و غيرها في رفع المستوى المعيشي للرومان بدرجة كبيرة حتى تحولت روما لقبلة الأرض وقتها ، و من هنا بدأت الحكاية .


كانت الفتوحات التي تحدث لبلدان تعيش في عصور الحكم الفردي المطلق تحت قيادة الجنرالات الرومان تعاني من خلل فشلت فيه الحكومة الرومانية من التعامل معه ، فقد كانت تلك البلاد لا تزال تحت تأثير الحاكم الاوحد المطاع و ضعف التمويلات و الامدادات للجنرالات و الجيوش التي فتحت هذه البلدان بسبب الألعاب و المصالح السياسية التي كانت تحكم العائلات المتسيسة في مجلس الشيوخ جعلت هؤلاء الجنرالات يلجؤون إلى تثبيت أنفسهم و اظهارهم أمام سكان تلك البلدان كحكام فعليين يحكمون باسم الامبراطورية لجباية ما يريدون في سبيل حفظ الجيوش و الممتلكات مما ولد طائفة من المستفيدين أو كما يُحب أن يسمهيم البعض ( البطانة ) السيئة في الدولة .


هذا البروز للجنرالات جعل مجلس الشيوخ يبتعد عن تدعيم الجيوش تاركا إياها لقوادها ، و بدلا من ذلك بدأ أعضاء المجلس في الدخول بلعبة التحالفات مع الأقطاب ' الكبرى ' في المؤسسة العسكرية ، حيث بدأ شراء الولاءات و الصفقات و التحالفات القائمة على الأفكار و المبادئ و لكن بشكل أكبر ( المصالح ) .


بدأت العنصرية تمزق الامبراطورية الرومانية فمجلس الشيوخ نتيجة عداءه مع ' بومبي ' الذي لم يفوضه لغزو الشام ، رفض الاعتراف بمواطنية أهل سوريا ضمن الجمهورية الرومانية كما أن المجلس رفضا اعطاء أي حقوق للمواطنين اللاتين كما رفض مساواتهم بالمواطنين الرومان ، و وقف النبلاء بالتحالف مع أبنائهم في مجلس الشيوخ موقفا صلبا ضد هؤلاء ، كان ' ماريوس ' القائد الروماني منتخبا من طرف مجلس الشيوخ [ السيناتورات ] ليكون قائدًا في الحرب الأهلية النوميديين [ سكان شمال أفريقيا ] ضد أتباع بوغرطة و استمرت هذه الحرب طويلاً حتى أصاب الشعب الروماني الملل و الكلل نتيجة ضعف الدولة عن هزيمة هؤلاء و كنتيجة لتشرذم مجلس الشيوخ الذي وجد نفسه أمام ضرورة التجديد لـ ماريوس بطريقة غير شرعية حتى تنتهي هذه الحرب ، لأن الشعب قد اكتشف أن ملك النوميديين بوغرطة قد دفع رشاوى كبيرة لأعضاء مجلس الشيوخ حتى يتخلص من العقوبة ضده و يخرج من هذه الحرب سالمًا .


عندما انتهت الحرب بدأت العنصرية تطفح على السطح بصورتها الشرسة و مهددة بتمزق الجمهورية ، فقد بدأ ماريوس نزاعا ساحقا ضد سولا الروماني الذي أجبر مجلس الشيوخ على انتخابه كرئيس للجمهورية بعدما حاصرهم بقواته و هو الذي فعل ما عجز عنه ماريوس في انهاء بوغرطة و حكمه ، و دخلا في حرب كان سببها الشعوبية و العنصرية ما بين النوميديين و بين الرومان و ما لبث الصراع أن أشعل صراعات أخرى كان منها ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس الذي بدأ يتقدم ببطء نحو روما و هو يسحق الجيش الروماني .


يُعتبر " سولا " أول ديكتاتور في العهد الجمهوري الروماني فقد رأى مجلس الشيوخ في جيوشه المطيعة له الزاحفة نحو روما سببا كافيا لإعطائه ما يريده من سُلطة ، و ما لبث سولا أن زاد عدد الأعضاء إلى نحو 600 شيخ في مجلس الشيوخ في طريقة لضمان بقاءه على السلطة و استمرار سيطرته على مجلس الشيوخ و هذا ما حدث له ، و لكن برز ما لم يكن في الحسبان .


حربه التي خاضها ضد الشعوبيين و ضد العبيد و ضد اللاتين ولّدت المزيد من العنصريات و الثورات التي صُنّفت على أنها ثورات و حروب " اجتماعية " ، و في ظل تذمر العامة من الأداء السياسي المتهافت لمجلس الشيوخ ، و كثرة الحروب العبثية و تفرق الرومان و المواطنين و تعدد الانتماءات و محاولة كل جنرال إبراز نفسه كقوة يُنظر لها باحترام و بخشية سيّما من كانوا في اطراف الامبراطورية ، كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت روما على صفيح ساخن تخرج من أزمة لتدخل في أخرى و صُبّ الاهتمام على شراء ولاءات اعضاء مجلس الشيوخ و صراعهم مع أقطاب السلطة و تناسوا الامبراطورية و أمنها و حمايتها و مكانتها ، و تناسوا كل المشاكل التي تعاني منها هذه الجمهورية المرهقة و انصب اهتمام النخبة في روما على الحفلات و حلبات المصارعة و تكوين القواعد و الخطابات و الشعارات ، لدرجة تحول المصارعين العبيد و حركاتهم و أسمائهم إلى قضايا تشغل أبناء العاصمة و الدولة عن كل شيء آخر بما فيه تفكك البلاد تحت نير الاقطاع و المعارك .

و لم يصحوا إلا على وقع أن السلطة في الحقيقة تركزت بعد خروج " سولا " من الصورة بيد " بومبي " و "قيصر" و "كراسوس" الذي مات تاركا مكانه لـ " بومبي " و اغتاله يوليوس قيصر بدوره ليُعلن بعد ذلك انتهاء الجمهورية الرومانية و بداية العصر الامبراطوري القائم على الديكتاتورية المطلقة ممنيًا الشعب الروماني بالعدالة و تحسين المستوى المعيشي المتهالك نتيجة الحروب و الصراعات السياسية ملقيًا باللوم كله على أعضاء مجلس الشيوخ ؛ مما يثير الضحك عند المؤرخين هو أنّ هؤلاء الثلاثة إنما حصلوا على مكانتهم و مراكزهم بما وفرته لهم الجمهورية من مكانة عن طريق الـ كوريا جوليا فكانوا هم أول من انقلب عليه.

و هكذا انتهت قصة جمهورية كانت سببًا للديكتاتورية .

21 نوفمبر 2008

المـعلبـون


قبل أكثر من عشر سنوات ذهبت كعادة كل ليلة جمعة لديوانية خالي رحمه الله ، و معي رواية لآغاثا كريستي عندما شهدها بعض كبار السن هناك معي تحلقوا حولي و بدؤوا بـ" نصحي " بأن أبتعد عن قراءة مثل هذه الأشياء و أكتفي بقراءة كتب معينة فهذه الروايات هي مجرد مضيعة للوقت ، أما الكتب المخالفة لهم فهي " عادمة " للوقت ، تلك اللحظات أذكر كلمات والدي رحمه الله جيدا : مالك شغل فيهم ، إقرأ اللي تبيه .. انت تقرأ لنفسك مو لهم .. اقرأ اللي تحبه و خل اللي يحبونه لهم اهم يقرونه .
ما يحصل في معرض الكتـيبات اليوم هو اعتداء على حق العقل في المعرفة ، و على حقه في الإطلاع، واعتداء صارخ على حق الإنسان في التفكير ، و نحر لكل مبادئ الإنسانية في بناء معارفها ، لان العلوم و المعرفة خبرات متركبة و متراكمة و ليست متولدة بلحظتها ، اقتصار القراءة على اتجاه واحد أو ما يقاربه هو عملية تعليب لعقول الناس ، و إعادة انتاج لهم في ظل أطر واحدة مسبقة ، و هذا خلاف الطبيعة البشرية .
الإختلاف هو سنة إلهية وجدت في البشر ، فهو أساس استمرار الحياة ، يقول السيد الطباطبائي في الميزان :
« و هذا الاختلاف كما عرفت ضروري الوقوع بين أفراد المجتمعين من الإنسان لاختلاف الخلقة باختلاف المواد، و إن كان الجميع إنسانا بحسب الصورة الإنسانية الواحدة، و الوحدة في الصورة تقتضي الوحدة من حيث الأفكار و الأفعال بوجه، و اختلاف المواد يؤدي إلى اختلاف الإحساسات و الإدراكات و الأحوال في عين أنها متحدة بنحو، و اختلافها يؤدي إلى اختلاف الأغراض و المقاصد و الآمال، و اختلافها يؤدي إلى اختلاف الأفعال » [1]
فانحسار الإنسان على لون واحد يعني اصطباغه به و و متى ما انتقل هذا الشيء إلى باقي أفراد مجتمعه تحولوا لصورة نمطية متكررة يفقدون خلالها كل قدرة على الاختلاف ، و متى ما انتهى الإختلاف انتفت الحاجة لمزيد من التقدم ، فتاريخ البشرية يشهد بأن هذا التطور العقلاني و التكنولوجي هو وليد الصراع الإنساني ، في علم الإجتماع يقولون : المجتمعات أو التنظيمات بشكل عام تعمل من خلال صراع اعضائها و مشاركيها المستمر للحصول على منافع أكثر ، و هذا ما يسهم بشكل أساسي في التغير الاجتماعي كما هي حالة التغيرات السياسية و الثورات. [2]

أنيس منصور لديه كتاب هو كالعاده تجميع لمقالات عديده له ، أسماه بـ : إقرأ أي شيء.

ما يقوله أنيس منصور عن ضرورة قراءة كل شيء و أي شيء هو الصحيح فلا يوجد هناك شيء يخلو من فائدة و لو كانت مقتصرة على طريقة رسم حرفٍ مكتوب ، و هذا هو الصحيح فالإنسان عليه أن ينفتح على كل المذاهب و الأفكار و يقرأ فيها و يطلع - أقلاً عليها - و لكن في مقابل ذلك عليه أن يتحلى بعقل ( نقدي ) قادر على أن يكون مثل المنخل يصفي البيانات الداخلة لمعلومات خالصة يستفيد منها و يخزنها ، أما الضار منها فيتركها تخرج ، أحب أن أعتقد بأن عقل الإنسان هو صورة غير حسية عن جهازه الهضمي ، فم يستقبل كل أنواع الطعام ، و معده تهضم المفيد و أمعاء تخرج الضار ، الخوف من التأثر بما هو مكتوب هو خوف غير منطقي ، لأنه خوف مبني على افتراض و في نفس الوقت خوف مبني من قلة الثقة بالنفس ، إذا كان الفرد يخشى قراءة أي شيء بحجة الخوف من التأثر فلن تتوسع مداركه أو يكون قادرًا على أن يرى الصورة ، أي صورة ، من زاوية مختلفة غابت عنه في وقت من الأوقات و لن يكون قادرًا على أن يستوعب (حقائق الأشياء) لأنه لم يطلع على ما هو عكسها .. و المثل العربي يحكي بأن الأشياء إنما تـُعرف بأضدادها .
اقصار المعرفة على جانب واحد يراه الرقيب أو من يصنف نفسه مكانه هو تحديد لقدرات العقول البشرية المختلفة و إرغامها على فهمٍ واحد مما يعني تحويلها لعقول ( إنقيادية ) ، لا ( نقدية ) كالتي سبق ذكرها ، و تعليل ذلك بالحفاظ على الثقافة الأصيلة هو أمرٌ مضحك فكل شخص يكتب بناء على خلفيته الفكرية ، نحن المسلمون نكتب و نناقش بناءً على خلفيتنا الثقافية الإسلامية ، و غيرنا يكتبون بناءً على خلفيتهم الثقافية الأصيلة ، نوع الخلفية ليس مهما و لا يشكل حاجزًا إذا كان الإنسان صاحب منطق و فكر و ( وعي ) يميز من خلاله الصحيح من السقيم و يجعل عقله مستمر في التفكير ، لأن مجرد ( التعلم ) يعني تحول الإنسان إلى (علبة) يتم حشوها لتقفل بعد ذلك ، فهو يستخدم عقله كـ 'مخزن ' لا كعقل من مهماته أن يتعلم و في نفس الوقت يستفيد من المعلومات التي تعلمها في صياغة تفكيره و اكتشاف طرق حل مشكلاته .
أولى خطوات كسر النمطية و الجمود هو بالإطلاع و الإستفادة من كل المشارب و المناهل و الأفكار ، و لايكون ذلك إن حبس الفرد نفسه في قالب واحد أو حُبس فيه لأن هناك رجلاً ما اكتشف أنه في موضع سلطة يستطيع من خلاله أن يتسلط على عقول الناس ، من يريد لفكره أن يكون صلبًا عليه أن يتقبل الضربات التي تأتيه ، و من يريد لرأيه أن يكون حرًا عليه أن يتقبل ما هو مخالف له ، وحدها المجتمعات الكرتونية و الإعتقادات الورقية تخشى من وجهات النظر المقابلة لها لانها تدرك عجزها عن مقارعتها و ضعفها في أصل أفكارها .
في الزهير لباولو كويليو كلمة جميلة على لسان بطل روايته الذي تفهم في نهاية المطاف سبب التمرد على المجتمع النمطي : << علينا أن نلبس ما يُمليه الدارج ، ..... ، أن نقتل باسم حدود بلادنا ، أن نتمنى انقضاء الوقت لنستعجل أوان التقاعد ، أن ننتخب سياسيين ، أن نتذمر من غلاء المعيشة ، أن نغير تسريحة الشعر ، أن ننتقد كل من هو مختلف ، أن نذهب إلى خدمة دينية يوم الاحد أو السبت أو الجمعة ، بحسب ديننا ، حيث نطلب مغفرة لخطايانا ، و أن ننفش ريشنا كالطواويس لأننا ندرك الحقيقة و نحتقر القبيلة الأخرى ، التي تعبد إلهًا مزيفًا >>

و هذا ما يريدوننا أن نتحول إليه ، علبٌ تحمل أسفارا !
_______________________________



[ 1 ] الميزان في تفسير القرآن - العلامة محمد حسين الطباطبائي


[ 2 ] نظرية الصراع - ويكيبيديا

16 نوفمبر 2008

إليك يا سيدي .. اعتذاري .




توفي والدي و أنا في بداية مراهقتي ..




كان كل شيء متاح أمامي ...




فالمال متوفر ، و الرقابة منعدمة ،




كما يقولون المقتضى موجود و المانع مفقود .




كنت قبل ذلك بسنوات أراه ،




أستمع له أحيانا ،




تشدني كلماته ، ثم ابتعد عنه




لا اعرفه جيدا و لكن في تلك السنة قررت أن أتعرف عليه عن قرب .



هناك شيء جذبني له .. ربما فقداني لنصائح والدي !




ما قبلها كنت أتخبط ما بين شبهات ذاك الطرف ، و افتراءات هذا الطرف




كانت لي تجربة سيئة جدا في مجال ما يدعونه بـ " الحركية " .




تلك السنة جلست عنده و سلمته أغلى ما أملك : عقلي .




مراهق بسيط منخدع بالكثير من بهارج الدنيا ..




تكفلني .. ليس ماليا و لكن فكريا




كانوا يتصلون عليّ : اليوم سينما ؟




جوابي : عندي شي أهم !




أذكر جلوسي عنده أمام مكتبه الصغير في منطقة سلوى




على المكتب عدة أوراق و أقلام بسيطة و فوقه مكتبة عظيمة




أسأله و يجيب ، ازيد و يسهب ، أحاول أن أغيضه ببعض الشبهات




يهدمها لي و هو يضحك مبتسما و يشجعني على أن آتيه بالمزيد منها




سألته يومًا : هل هناك شيء تنصحني ألا أقرؤه ؟




قال : إقرا كل ما يقع تحت يداك ..




كلمة تماثل ما قاله لي والدي قبل وفاته بفترة بسيطة .




في شهر رمضان كنا في أوقات نحرمه من لقمة الإفطار من كثرة أسئلتنا ..




ما وجدت أوداجه تنتفخ ، و لا أعصابه تفقد .. كان يقابلنا بترحاب يجعلنا أحيانا نخجل من أنفسنا




حين نخرج من عنده يشيعنا للباب و يسألنا الدعاء .. أضحك و أقوله : دعائي يطق السقف و يرجع




يضحك فيقول :قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم




و لا ينسى بأن يذكرنا بصلاة الليلة و صلاة الليل




نجلس بالساعات .. ننهل من فيض علمه .. و لطف أدبه




أعشق حديثه عن علم الاجتماع و هو يسبر اغوار النفس الإنسانية




و أحب نكاته الفلسفية و استشهاداته بها .. رغم أنه حاصل شهادة عليا في الحقوق



فقد كان وسطنا .. كأحدنا




أما قصصه فكنت أتعجب منها .. يروي الحكاية و إن سالته عنها بعد عدة سنوات




سيذكرها لك مجددا و يشير لك لمصدرها ..




يعشق التاريخ و يحب النظر له من زاوية مختلفة ..




علمني بذلك كيف أقرأ ماضيّ لأصحح به مستقبلي




يقولون من علمني حرفا صرتُ له عبدا .. فما بالك بمن علمني كل شيء ؟

...




كنت أدخل نفسي في نقاشات هي أكبر مني و حين أرى الردود




اهرع له ، ما هو الرد ؟




و يجلس بالساعات يفصل لي المسألة و يحللها و يجيبني عنها




عرفت منه كيف أحلل الكلمة لأخرج منها الإجابة



و كيف أن حياة الإنسان إما أن تكون بهيمية أو بشرية



كان حديثه لي دائما : دع الأنا العلوية تقودك للبشرية



أستاذي هذا ، الذي أتقازم أمام أفضاله عليّ هو ..



السيد محمد باقر الفالي

...

بيروت - لبنان
أذكر تلك الدمعات جيدا حين وجدت تلك اليتيمة


أخاها اليتيم المفقود منذ سنوات على مائدة ..

صنعتها في مؤسسة جعلتها


مأوى لهؤلاء ..

تجالسهم .. و تتحنن عليهم


كانوا عن جدك يقولون :


و أبو اليتامى و الجياع يعولهم
فكأنه و كأنهـم أرحامُ


و لكنهم اليوم عنك يقولون : مجرم !

كما قال جدك ..

أنزلني الدهر و أنزلني .. و أنزلني

هكذا هو الدهر مع العظام !
...

إليك يا أستاذي اعتذاري

فقومي لم يقدروك .. و لم يعرفوك

لو كنت تلبس طربوش الأفندية و قلت ما قاله علي الوردي لجعلوا لك نصبا

و لو استبدلت الجبة بالبدلة و قلت ما قاله سيد قطب لسموك الشهيد الحي

و لكنك تلبس عمامة .. فاتهموك بكل صلافة !

إنهم يحبون النظر بعين واحدة ..

قدسوا سارتر ،، و ألهوا داروين ،، و جعلوا القمني قديسا

و صنعوا منك تمثالا لشرورهم

إليك يا سيدي اعتذاري

و أعلم أنك لا تحتاجه ، فكلماتك صارمة

وقفت في كربلاء و أظهرت معدن البعث ما هو فكان نصيبك منهم الإعدام

اعتذاري يا سيدي لأنهم جعلوك كبش فداء لمطامعهم

اعتذاري لأنهم صوروك بغير صورتك ..

اعتذاري إليك يا سيدي لأنهم عرفوا ما صنعت ..

و عرفوا جيدا ما صنعوا هم ..فحق منهم البغض لك !

اعتذاري لك يا سيدي لأن قومي استضعفوك .. لأن قومي

سلبوا حقوقك .. لان قومي برروا التعدي عليك بحجة أن جوازك

لونه أحمر و عليه شعار ( الله ) !

اعتذاري يا سيدي إليك لأنهم مارسوا عهرهم السياسي

على عباءتك !

15 نوفمبر 2008

الأخلاق .. و الفعل الأخلاقي .




في موضوع :


ج3 ، سفيد : .. لكن مختلف !


تطرقت لذكر مبدأ " الاخلاق " و تفريقه عن مبدأ " الفعل الأخلاقي " ، و أعتقد أنّ أكثر من ركز على هذا التفريق كان الشهيد د. مرتضى مطهري حين درس مبادئ الأخلاق و تأثيرها في تكوين المجتمعات ، و هل هي مكتسبة أم متأصلة في الإنسان ؟


و ناقش ذلك بصورة مسهبة في كتابيه عن الأخلاق و عن تحقيق نظرية نسبية الأخلاق.


في ذلك الموضوع نوهت إلى الرغبة في بيان معنى هذا التفريق بكلمات كتبتها سابقا، و لأنه مفهوم في ذاته بسيطٌ جدًا أجد من اللازم علي أن أتوسع قليلاً في بدايته ليشمل نظرة مختصرة إلى الأخلاق ككل ، و هذه النظرة قادرة على أن تتفرع إلى آلاف الفروع الجانبية و كل فرع يتوالد فروعًا أكثر .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في مدار التاريخ و بين طبقات ( النخبة ) كما يعبر عنهم كان هناك نقاش حاد عن الحدود التي يصح بها وصف فعل ما أو شي ما بالحسن أو القبح ، هل هذه الحدود و الأطر تكون قياسا بالإنسان ذاته و أنه ( القطب الأوحد ) أم أنها تكون تابعة لمتحكمات ثانية تتداخل في رسم حياة الإنسان و ما يتعلق بها .

فلاسفة اليونان القدماء ذهبوا إلى الرأي الاول و هو أن الانسان هو ( القطب الاوحد ) و إن اعتقاده بأي شيء هو سبيل اثبات وجوده ، فلو كان الإنسان يرى في فعل ما قباحة عقلية وجب وصف هذا الفعل بالقبح ، بينما لو وجد فيه الحُسن وصف بالحسن مع الأخذ بالاعتبار أن القباحة و الحسن لا يرتبطان بعقل جمعي بل بعقل فردي بمعنى أن الحقيقة الواحدة يمكن لها أن تثبت و تنفى بنفس الوقت ، يعني لو قال إنسان أن السرقة حسنة فهي بحسب مبادئ اليونانيين " حسنة " بينما لو قال زميله بأنها سيئة فإنها حين إذن تدخل بباب القبح فتكون حائزة على مبدئي الحسن و القبح بنفس الوقت !


هذه الفكرة انتقلت بصورة محسنة نوعا ما إلى بعض الفلاسفة المتأخرين الذين حدثوا هذه الفكرة من باب أن مدار اطلاق القبح أو الحسن على فعل ما هو (رضا) المجتمع به فحين يكون هذا الفعل مشكورًا و ممدوحا في المجتمع فهو فعل حسن و العكس صحيح ، و بما أن رضا المجتمع هو شيء متحرك أي قابل للتطور سواء بناحية ايجابية أو سلبية فإن الاخلاق حسنها و سيئها قابلة للتحرك فيمكن أن تكون بعصر جيدة و في عصر آخر سيئة و هنا نقطة وجب الإلتفات لها ، فحين نتحدث عن المتغير و الثابت عند الغرب و مقارنتها بالثبات و المتغير عند المسلمين المؤمنين بالحلال و الحرام الثابتين يشتبه كما يبدو على الكثيرين أن هذا الأمر هو ما دفع الفلاسفة المسلمين إلى مبدأ و مفهوم العناوين ( الأولية و الثانوية ) فالنسبية موجودة إنما يختلف مصداقها ما بين المسلمين و غيرهم ، فحسب الفكر الغربي فإن رضا المجتمع يحكم على الفعل بذاته بحسنه و إن كانت بعض النفوس تأباه إلا أنها ترضاه لأن المجتمع أقره ، بينما في المفهوم الإسلامي يظل الحكم ثابتا بالحرمة أو الحلية بالعنوان الأولي و هو المصداق الرئيسي بينما يكون قابلا للتغيير في العنوان الثانوي بحسب الحالة و القضية التي تحكمه مع الإلتفات أن أحد الفلاسفة الغربيين و هو ( هيغل ) تطرق إلى هذه القضية و أيّد فيها هذا الكلام لكن من ناقش كلامه لم يلتفت إلى أن المسلمين يؤمنون بمثل ما يؤمن به إلا في الثوابت التي تكون غير قابلة للتحول عندهم بينما عند هيغل فهي متحركة بحسب المجتمع و في كل الاطراف ، و لهذا تفصيل آخر .


أما سارتر فنظرته قائمة على مبدا الانتخاب و هو ما يرضى به الإنسان و يؤيد تماما نسبية الأخلاق و أن السيء في عصر جيد في عصر آخر بحسب انتخاب المجتمع و اقراره لهذا الفعل ، فهنا يصح إطلاق مفهوم النسبية على المبنى الأخلاقي ككل .



  • الأخلاق و الفعل الأخلاقي .

الفعل الأخلاقي هو الفعل الذي يرتبط أدائه بحكم عقلي أو شرعي باستحسانه أو استقباحه ، و هذا الحكم يُقاس على الثابت الخُلقي ، و هو ما أشرت له في كلامي السابق بأنه و إن اصبح الزنا – و العياذ بالله – عرف متسامح فيه بالمجتمع إلا أنه في ذاته لا زال بنفس المحل من الإنكار .

ليست هناك ملازمة بين الخلق و الفعل الأخلاقي ، فليس الفعل كالخلق قابل لأن يكون مصنفًا في باب ( الحسن ) و باب ( القبيح ) فقط ، و أضرب على هذا مثلاً، و هي عادة مستخدمة في التربية .

لو كان هناك طفل و ضُرب من أحدهم ، الحكم الأخلاقي هو باستقباح الضرب من باب القاعده العامة إنما الفعل الأخلاقي فهو تارة ممدوح إذا كان هذا الضرب من باب التربية و التأديب و مستقبح إن كان من باب الأذية و الإعتداء ، فهنا نحن أمام حكم النسبية و هو انطباق العنوانين على الحالة و لكن الفارق بينهما هو مورد (الفعل الأخلاقي) الذي يصنف من باب العنوان الثانوي لأن العنوان الأولي و هو الضرب يدخل به حكم الكراهة .

حتى أوضح الفارق بين العنوان الاولي و الثانوي أضرب مثالا يستعمل الآن ، فالكحول مستخلص من التخمير .

و عملية التخمير تضفي الحرمة على ما دخل فيها ، فبالعنوان الأولي مفهوم الحرمة منطبق ، لكنه هذا الكحول المستخلص يستعمل في الاغراض الطبية فيحكم بحليته من العنوان الثانوي لأن مورده داخل في الحلية ، مع الاخذ بالاعتبار أن تحضيره في الأصل لا يصح إلا لمسوغ .



  • الآداب و الأخلاق .

عندما نقول أن الماء = water فهذا يعني أن كلا اللفظان مترادفان و إن اختلف نطقهما و رسمهما ، و لكن النتيجة النهائية لهما واحدة ، فهل ينطبق هذا الأمر على وصفنا للآداب و الأخلاق ؟


قطعًا و بلا تردد ( لا ) .


فالآداب في ذاتها شيء مختلف عن الأخلاق و إن كان الأصل في فيهما تشذيب و تهذيب الطبيعة الإنسانية لما فيه الصالح العام ، فالأخلاق بحسب المفهوم الإسلامي هي شرائط و ضوابط وضعت بناء على استقراء النفس الإنسانية و قائمة عليها فالإنسان حسب قول علماء الأخلاق مداره ثلاث قوى تتحكم به :



  1. قوى عقلية .

  2. قوى شهوية ( المال / الطعام / ... إلخ )

  3. قوى غضبية ( قوى الدفع و الجذب للمضرة و المنفعة )

و الأخلاق يكمن دورها هو في ضبط توازن هذه القوى بحيث لا تطغى أحدهما على الأخرى ، فلا يصبح الإنسان عقلانيًا إلى درجة اهمال النفس و متطلباتها ، و لا يصبح حيوانيًا إلى درجة إلغاء العقل و قوى الغضبية ، و لا يصبح ( متلونًا ) هدفه المصلحة الذاتية القائمة على المنفعة الشخصية فقط ، فالأخلاق هي ضوابط تحفظ لكل هذه القوى حدودها بحيث لا تكون احداها حاكمة على الاخريات فهذا خلاف ما أقره الله سبحانه .


لذلك نرى الاهتمام الإسلامي العظيم في تنشئة كل جانب من هذه القوى وفق وصايا قائمة على المبادئ الإلهية المنزلة و هي ثوابت لا يمكن لها أن تتغير أو تتحول لأنها موضوعة بالمعرفة الإلهية التامة لا تتبدل و لا تتحول .

أما الآداب فهي مسألة منفصلة لا تتعلق بذات الإنسان بما يحمله من غرائز تتجاذب مقود التحكم فيه ، بل هي مسالة امكانيات و فنون يكتسبها الانسان لتكون محركا له في التكيف مع العالم ، فهي مجموعة أعراف و تقاليد لا يمكن لها أن تكون ثابتة لأنها قائمة على مبدأ العقل الإنساني القاصر و فهي قابلة للتحول بناء على التطور الإنساني و تغير عادات الإنسان و أعرافه أوضح من أن يضرب لها المثل ليتم التدليل عليها .

فالتطور الإنساني لا يمكن له أن يغير الأخلاق و إن غير ( أفعالها ) فهي موضوعة بأسس قائمة على صيانة مراكز التحكم في الإنسان و موضوعة بدقة ، بينما التطور له حق تغيير العادات و الآداب الإنسانية فهي مبنية على ( الممكن ) المنتخب من قبل الناس كقواعد لتسهيل التكيّف بينهم و بين مجتمعاتهم .



  • الحسن و القبيح .

الحسن و القبيح عند الفلاسفة الغربيين مستمدٌ تعريفه مما ذهب إليه اليونانيين القدماء و على رأسهم ( سقراط ) في أنه تابعٌ في حكمه بما يحكم به العقل ، فسيده هو العقل فقط لأنه الوحيد القادر على إدراك الأمور .

عندما يكون العقل هو المرجع الوحيد فالتغير يكون طريقه ، لأن العقل الإنساني يمشي بخط متوازي مع التطور ، كمثال لو أخذنا الحجاب بصورة مجردة فهو حسنٌ عقلي عند المجتمعات الإسلامية و لكنه مستقبح عقلي عند المجتمعات الليبرالية المختلفة ، فالعقل يتفاوت في اثبات الحسن و القبح لما يملكه من معطيات مختلفة تؤدي إلى أحكام مختلفة .

في المفهوم الإسلامي [ كما ذهب لذلك و شرحه العلامة الطباطبائي و مطهري و غيرهم ] فإن الأصل في الحكم بالاستقباح و الحسن هو ( الإرادة ) الإنسانية و هي القوة الحاكمة عليه التي تبين له متى تعدى على حدود احدى قواه .

فلو زاد الانسان في الاعتماد على قواه الغضبية – مثلاً – فإن في نفسه تظهر ملامح البُعد عن المصلحة العامة و يمكن تلمسها فلو كان للإنسان ( إرادة ) حاكمة اعاد تقييم نفسه إلى الجادة الصواب رغم أنف " طبيعته " .


هذه الإرادة هي ما يشير إليها سبحانه بـ ( النفس اللوامة ) و هي أصغر محكمة وضعت داخل الإنسان لتقييم فعله و إن شذَّ بطبيعته عنها ، و هي ما يصطلح عليه عند العرفانيين بـ " الوجدان " . . ، و هذا مبحث آخر .

8 نوفمبر 2008

قول للزمان إرجع يا زمان .

كان الحنين إلى الماضي يؤرقنا .. واليوم نبكي على الماضي ويبكينا

من يرجع العمر منكم من يبادلني .. يوما بعمري ونحيي طيف ماضينا .



مثل هذا النص لـ فاروق جويدة متكرر بصورة كبيرة في ثنايا الأدب العربي ، و الإنساني بشكل عام ، فالحنين للماضي قضية ارتبطت بجلاء مع الأدباء كمقدمة ، لانهم بحكم مهنتهم و ميولهم فالحكم عندهم هو للعاطفة الغالبة للعقل الذي يميل إلى " التخلي " أكثر من التطرف باتجاه الحب و الكره كما تفعل العاطفة ، إلا أنّ ذلك لا ينفي وجود هذه الرغبة العارمة في العودة للماضي عند كل إنسان ، فلا بد و أن تعتريه في لحظة من لحظات حياته ، و لابد له من التباكي على اللبن المسكوب في ساعة من هذه الساعات .

أصبح من المسلمات الآن إرداف أي حديث عن الحاضر أو المستقبل بحديث ساحر عن الماضي ، ما كان و ما سيكون لو استُمِرّ عليه ، شيءٌ يثير العجب حين يصبح الحنين إلى الماضي مقررًا على كل لسان ، يتم الدعوة إليه و الحديث عنه في لحظة من لحظات اليوم ، و أنا أعجب حقيقة حين يصبح الماضي هو مطلب من يعيش بالحاضر ، فهذه تمثل حالة " ردة " يحق للمرء أن يقف عندها و يتساءل لماذا ؟

لا يمكنني أن أجزم بإجابة ، و لكن يمكنني أن أشخص بعض ظواهر هذه الردة الزمنية الواضحة ، فلا يمكن أن تطري ذكر الحاضر دون أن ترى تباكي ( التقدميين و الليبراليين ) على كويت الستينات و بداية السبعينات .

و لا يمكن أن تطري المستقبل دون أن ترى ( الإسلاميين ) يندفعون نحو التأكيد على الحوادث الماضية و التمني بالرجوع في الزمن لعهد ' شرقي غربي أين ما تهطلين ياتيني خراجك ' ، و كلاهما يتفقان على قيم و عادات و تقاليد (كويت الماضي ) ، و ليس باقي الناس من هذين الصنفين بخارجين .

الغريب أنه لم تكن هناك عنصرية و طائفية أشدّ و ضوحًا مما كان في كويت الماضي ، و لم يكن هناك خروج لا لبس فيه عن قيم الإسلام الحقيقية كما كان في عهود الدولة ( الإسلامية ) سيما بني أمية و بني العباس الذين عاثوا في الأرض فسادًا .

من عادتي أن أذهب لمقبرة شرق الجعفرية أو بالأحرى يجب أن تسمى بـ " العيمية " لأن الشيعة العرب لم يكونوا يدفنوا فيها و لا تزال مقبرة الحساوية ماثلة أمام هذه المقبرة ، و لا يمكنك أن تمشي في شوارع شرق دون أن تعتقد نفسك تمشي في احدى ' سكيك ' تبريز بالعهد الصفوي ، فهناك تكتل للمساجد و الحسينيات الشيعية بحيث أصبح لا يفصل مسجد عن الآخر في بعض الأحيان سوى شارع صغير لا يكفي إلا لمرور سيارة واحدة.

بينما لو انتقلت للمرقاب فلا أثر هناك لهذا الشيء بتاتا ، و كأن الكويت كانت كانتونات مقسمة بشكل فيدرالي و هذا هو الواقع ، لدرجة أن مؤرخ الكويت كما يُسمى الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه ( تاريخ الكويت ) يوضح كيف كانت المناطق بغالبيتها مقسمة تقسيمات اثنية واضحة فالقبلة لأهل نجد و البادية ، و الشرق للأعاجم و قلة من الجلاهمة و الوسط الذي كان يسكنه آل الصباح و آل العدساني و بودي و غيرهم .

و يذكر الدكتور أحمد الخطيب الجزء الأول من مذكراته شواهد كثيرة تؤيد هذا الأمر ، بل زاد عليه مثلاً الدكتور فلاح المديرس في دراسته عن الحركة السياسية عند الشيعة في الكويت و أظهر نماذج واضحة لتفرقة قائمة لا ينكرها أحد كانت تعتبر إلى وقت قريب من ركائز التعامل في الكويت ، مثلاً يصف الدكتور الخطيب الحركة القومية (و يعتبر هو أحد مؤسسيها و رائديها في العالم العربي ) التي أخذت بزمام اللسان السياسي في الخمسينات و الستينات حتى سقوطها على يد ( الإسلام المسّيس) : " فإن الفكر القومي السائد آنذاك كان معظمه فكرًا عنصريًا فاشيًا متعاليًا ، يرى نفسه شعب الله المختار و يحتقر الطبقات الشعبية الواسعة ،و يضمر العداء للأقليات غير العربية " .

فتلك السنوات هي على النقيض تمامًا مما يتم تصويره الآن عنها حتى رسمت الأجيال الجديدة صورًا وردية عن تلك الحقبة تماثل ما رسمه أفلاطون في ذهنه عن مدينته الفاضلة ، كانت تلك الحقبة أوضح صورة على عنصرية و " تفرقة " واضحة خفف وطأها هذا الدين العظيم ( الإسلام ) و لولاه لكان الحال أسوء مما كان ، و أغلب ما يتم رسمه عن تلك الحقبة بتهاوى أمام أي دراسة واقعية كانت الدولة تمارس تمييزا عنصريا ، و كان التجار يمارسون تمييزا طبقيا ، و كان العمال يمارسون تمييزا مهنيًا ، فرقعة الأرض البسيطة هذه كانت ككانتونات متعنصرة و امتدت حتى إلى المقابر ففرقت بين مقابر ذاك الطرف و هذا الطرف .

و لو رجعنا لزمانٍ آخر و هو الزمن الذي تدور حوله هذه الأيام معظم شعارات الإسلام المتسيس بالرجوع لزمن " الخلافات " او كما يُطلق عليه زمن الخلفاء في دول بني أمية و العباس و ما اتى بعدهم و بينهم من دويلات من كافة الملل و النحل ، لرأيناه تاريخًا ينزف بالدماء و يقوم على الأشلاء ، حميد بن قحطبة مثلاً في عهد المنصور العباسي قتل في ليلة واحدة ستين علويًا لأن المنصور استشعر خطرهم دون بينة أو دليل ، فالناس يٌقتلون على الظنة كما قال هارون لابنه : لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك .

كان من أثر ما حدث في تلك العصور نبرة الشعوبية التي ظهرت واضحة ، و أردفتها ثورة الزنج في البصرة ، و التحزب و التقاتل بين قبائل الشام و قبائل اليمن في العهد الأموي ، و التفرقة في العطاء بحسب النسب و العمل ، و فساد مؤسسة السلطة ، و تهديد الأبرياء بالقتل شر قتلة .
و تفصيل هذا الأمر في كتب التاريخ ثقيل بحيث تنوء الجبال عن حمله .

محل الشاهد من كلامي ، أنّ هناك صورة غير واقعية ترسم عن الأزمنة الماضية ، صورة لطيفة و جميلة عن بساطة الحياة ( لا عن كدح الفقراء فيها ) ، و عن الأمان بين الناس ( لا عن الخشية من العسس ) ، و عن تلك الأخلاق الرفيعة ( بعيدا عن القصور الملكية أو أحياء صفائح الزبالة كما كانت تسمى في عهد الملك فاروق ) ، و عن غيرها من الامور الحميدة ، هذه المبالغة تجبر من لم يعش في تلك الأيّام أن ينجذب إليها فيطالب بالرجوع إليها و إلى قيمها و إلى استحضارها في كل لحظة و آن .

و لطالما تساءلت عن السبب في زيادة المطالبة بذلك ، لدرجة أنّ الحاضر الذي نعيشه أصبح في محل المقارنة مع الماضي في كل خطوة و لحظة ، و كان السبب بسيطًا .
المسألة تعود لشيئين :


  1. اقتصار نقل الصورة على النقاط المضيئة .

  2. انكشاف الماضي أمام الحاضر .

( 1 ) التركيز على أيَّ شيء في نواحيه الإيجابية لا يلفت النظر إلى حقيقة السلبيات الموجودة فيه ، فالإنسان كائن يعتمد على مبدأ " التلقين " في أخذ و تكوين قناعاته ، فهو ميّال إلى الاقتناع بما يتم ترديده على سمعه حتى يقر في ذهنه ، و عندما يتم التركيز على قيم و تصرفات تمثل روائع الأخلاق حدثت في تلك العصور بشكل مركز ، فإن الصورة الذهنية المتكونة هي صورة المدينة الفاضلة ، الصور المماثلة للكمال الذي ينشده الإنسان ، فتصبح كل فترة مقارنة بهذه الصورة ساقطة عن الاعتبار لأنها لا تصل لدرجة كمالها .
عدم نقل الماضي بموضوعية يؤدي إلى تطرف في تقديس هذا الماضي ، و اسباغ هالات القداسة عليه فلا يُعد بعد ذلك في محل مقارنة مع أي وقت آخر ، ماذا لو حاول أحدنا اليوم أن يُقارن وقتنا الحاضر ، بكويت ما قبل طفرة النفط ؟
اعتقد أن كل سلبية اكتشفت في تاريخ البشرية ستُلبس على واقعنا الحاضر و سيخرج الماضي نزيها ناقيا طاهرًا مطهرًا ، رغم أن تتبع التاريخ يقول بأن ما نعيشه الآن يعتبر إطارًا أكثر إلتزاما و احترامًا و قيمة من أغلب تاريخنا ، أصبحت العنصرية مجرد أمراض نفسية تظهر خارج القانون ، فهي عقد مجتمعية و لم تعد الأساس في الحكم القانوني أو التشريعي ، أصبحت السواسية مصدر التعامل بين البشر و الاستهجان هو المقابل لغيرها من تفرقة .



لم تعد قوانين المجتمعات البدائية هي الحاكمة ، بل قوانين الدولة الدستورية التي تضيف قيمة للإنسان من حيث كونه إنسان ، لا من حيث كونه النَسَبي أو مقامه الاجتماعي و رصيده البنكي ، نعم لا يخلو الأمر من شوائب و أي شيء يخلو منها ؟
و لكن المقارنة بين الحاضر و الماضي و ثقل كفة ميزان الماضي دائمًا كما يحدث الآن ليس من الصواب في شيء ، و لكنه نتيجة في الغالب لتصوير التفوق الماضوي رغم عدم صحة الأمر .

( 2 ) انكشاف الماضي أمام الحاضر ، هو أحد الأسباب المهمة في نظري ، فالإنسان بطبعه لا يحب التعقيد إنما يميل للتبسيط ، لذلك كان الخوف هو مرادفه دائمًا من مستقبله ، لان المستقبل شيء مجهول لم يختبره الإنسان إلى الآن فهو يفضل الركون إلى القديم المعروف بدلاً من الجديد المجهول .



أحد أسباب الإنجذاب إلى الماضي هو أنّ جميع ما به قد كُشف فليست هناك مطبات أو عواقب وخيمة غير معروفة أو مظان سلبية مجهولة ، فالماضي خالي تمامًا من الترقب لما هو قادم أو من العيش في قلق المشاكل الحالية كما هو الحاضر ، لذلك دائمًا ما يكون تذكر الماضي هو بسبب القلق الذي يعيشه الإنسان في يومه ، و همه و غمه الذي يحمله لما يمكن أن ياتي به المستقبل سواءٌ القريب أو البعيد .
دائمًا نفضل الرجوع للماضي و استحضاره ، و لكننا في نفس الوقت ننسى ما كنّا نشعر به في لحظاتها من ترقب يماثل ما نعيشه في وقتنا الحاضر ، لان تقادم الزمن أنسانا هذه المشاعر ، و انتهاء أحداث الماضي و انتقالها من لحظة " المعايشة " إلى أدراج " الذكريات " يعني تحولها إلى أحداث تذكرها يولد فينا شعور الحنين إليها ففيها يُفتقد شعور الغربة و الترقب و tension الحياة اليومية ، لان ذاكرة الإنسان في الغالب لا تحتفظ إلا بما يسرها بكل تفاصيله و تمحو معظم تفاصيل الاحداث السيئة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



ذاكرة الإنسان وضعت فيه كنعمة إلهية لتعينه على المضي قدمًا في حياته ، لان الحياة لا تسير بدون الخبرات و تراكم هذه الخبرات بفضل الذاكرة يعطي للإنسان الدافعية لأن يكمل مسيره و يتكيف مع ما يصيبه ، و يتجنب ما سبق و أن وقع فيه ، و لكنه للأسف حولها إلى أداة رجعيّة ، تحبس عقله في دواخل الماضي كحل أخير لاخراجه مما يعيشه ، أو كنافذة للهروب للأمام بحيث يلقي تبعات كل مساوئ الحاضر التي يراها على معاصريه ، و يفضل استرجاع الماضي كسبيل للتغلب على هذه المشاكل .



تمامًا كمن يحاول أن يتخلص من التبعات الثقيلة التي يعيشها وطننا الآن في أن يطالب إرجاع الخلافة ، أو أن نعود لقيم السبعينات و الستينات و كأنها الكمال الإلهي المنزل ، فهؤلاء مثلهم كمثل دونكيشوت يحاولون محاربة معضلات الحاضر بتجنبها و إلقاء سبل حلها على ما مضى علهم بذلك يتخلصون من أم المشاكل و هو السؤال : كيف نتغلب على مشاكلنا الحاضرة ؟



عدم الموضوعية في قراءة التاريخ ، جعلتنا ننشيء أجيالاً غير قادرة على التكيف مع حاضرها و واقعها و تفضل بدلاً من ذلك أن تغوص في ماضيها ، و تجعله الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا خلفه في حل مشكلاتها ، من خلال استرجاعه و محاولة تطبيقه غصبًا .
لا أحد يفكر بخصائص المجتمعات و تغيرها من سنة إلى أخرى ، و لا بمناسبة القواعد كلٌ بحسب مقامها ، إنما تفكيرهم منحصر بأن السبب في عدم وجود أمثال هذه المشاكل الحاليّة هي أنها لم تكن موجودة في السابق ، لذلك يجب أن نعيد بناء الماضي لنتخلص منها !


مجتمعاتنا الحالية هي في الصورة العامة تتفوق على كل مجتمعاتنا الماضية ، من أغلب النواحي ، حتى في قيم المجتمعات فهي بمجملها لا زالت موجودة و بدرجة أكبر مما سبق ، و لكن شدة التركيز على الماضي أضفى عليها هالة أعمت أبصارنا عن الحكم بعدالة على واقعنا الآن ، الأمر ليس بحاجة لأكثر من نظرة منصفة تزن الأمور بموازينها بعيدًا عن التنظيرات و التجاذبات التي تطرحها الفرق العاجزة عن اثبات حلولها لمشاكل الحاضر فتلجأ لأن تعيش بدوامة الماضي .



أنا أجزم صادقًا بأنه لو حدثت هذه " الردة " على أرض الواقع بدلا من حدوثها على أوراق التنظيرات لتبرء منها أصحابها و المنادين بها في أول الامر ، لأن الواقع دائمًا هو نقيض الحلم !

ملاحظة : حتى نعرف معنى القناعة ، و منها القناعة بزمننا الحاضر ، اقرؤوا هذه الكلمات الرائعة بمدونة أنا و زوجتي بعنوان : القناعة .

لابن يانغ الأول - حفظه الله .

28 أكتوبر 2008

الإشراق .. مجرد لمحة .



هذا الموضوع هو ( لمحة ) ، و اللمحة جزءٌ من النظرة ، و الجزء كنقطة ماء من صفحة المحيط الهادي .
الموضوع برسم الإهداء للفاضلة ' Yin ' لأنني وعدتها بذلك .




يعتبر أفلاطون مؤسس المدرسة الإشراقية ، المدرسة التي خالفها تلميذه أرسطو حين أطلق مدرسة المشائين التي تعتمد البناء على البراهين العقلية البحتة في العلوم الطبيعية ، مدرسة أفلاطون كانت على جدال دائم مع أتباع المدرسة الأرسطية ، و لم يتوقف هذا الجدال خصوصًا بعد أن بدأت بوادر الفلسفة الإغريقية تدخل في جدالات الفلاسفة المسلمين إلا حين ظهر العلامة الملا صدر المتألهين القوامي الشيرازي رحمه الله صاحب الأسفار بمدرسته التي سماها " مدرسة الحكمة المتعالية " و وفق فيها بين مقالات أفلاطون و تلميذه أرسطو بأسلوب جديد و على مباني ابتدعها لم يسبقه بها أحد.


يقول الشهيد د. مرتضى مطهري : " و لقد توفق [ أي الملا صدر المتألهين ] كل التوفيق في الجمع بين الآراء الباقية من أفلاطون مؤسس مدرسة الإشراق و تلميذه الجليل أرسطو مبتكر منهج المشائين و كان الأوّل من المعلمين داعيًا إلى تهذيب النفس و تصفية الباطن ، قائلاً بأن الطريق الوحيد إلى اقتناص شوارد الحقائق واكتشاف دقائق الكون هو هذا المنهج ليس غير ، و كان الثاني منهما مخالفًا له في أساس منهجه ،قائلاً بأنّ الدليل للوصول إلى الحقائق المكنونة ، و الدقائق المجهولة ، هو التفكير و الاستدلال و البرهنة الصحيحة ، فكان يخطو على ضوء البرهان العقلي من مقدمة لأخرى ، إلى أن يصل إلى الحقيقة التي يتوخاها بسيره النظري "


مع هذا كتب الشهيد مطهري لاحقًا عن مدرسة الحكمة المتعالية للملا صدر المتألهين الشيرازي : من بين العشرات الذين يقضون أعمارهم كلها في فهم مطالب الحكمة المتعالية، لايستطيع فهمها سوى عدد محدود يُعد على عدد أصابع اليد الواحدة.
لماذا ؟
لأنها مدرسة تعتمد على الإثبات العقلي البرهاني ثم تدعيمه بالإثبات الكشفي ( أي المكاشفة / الاشراق ) .


- فلسفة أفلاطون

ترجع فلسفة أفلاطون إلى أستاذه سقراط ، و قبله إلى هيرميس المصري مرورًا بفيثاغورث الرياضي و الفيلسوف الاغريقي المعروف ، و ترتكز فلسفة أفلاطون على شيئين تماما كفلسفة كونفوشيوس الصيني و هما : حب الفضيلة و الفضائل و بغض الرذيلة و الرذائل .

كانت طريقة إجابتهم للأسئلة التي تؤرقهم هي تخلية أنفسهم من الرذائل ، كل الرذائل التي تلازم الإنسان يتخلصون منها و يتمسكون بالفضائل حتى يصبح ظاهرهم كباطنهم لا يقومان إلا على التحلي بكل فضيلة و التخلي عن كل رذيلة ، فتكون أنفسهم صافية كالمرآة تنجلي للحقائق فتعكسها كما هي مما يحدث لهم حالات الكشف أو الإلهام التي تجيب مسائلهم .
فهي فلسفة أخلاقية بحتة تعتمد على الروحانية في إجابة الأسئلة ، على العكس من فلسفة أرسطو القائمة على البراهين و الإستدلالات العقلية ، و رغم أنّ هذه الفلسفة [ أي فلسفة المشائين لأرسطو ] نقلت طريقة التفكير الإنسانية من مجال الخرافات إلى مجال البراهين ، أي صعدت بالفكر و ارتقت فيه من تفسير كل شيء عن طريق الخزعبلات و الأساطير إلى تفسيره وفق الحقائق و الطرق العلمية إلا أنها ظلت بدائية و لم تستطع القضاء على فلسفة أفلاطون الإشراقية التي شقت طريقها و أثبتت وجودها.

- السهروردي يحيي أفلاطون .

شهاب الدين السهروردي ، الذي اشتهر بلقب الشيخ المقتول حتى عند الغربيين بعد أن قتله حكام الدولة الأيوبية في مصر و هو لم يتعد الأربعين من عمره .

يعتبر السهروردي شيخ الإشراق في العالم الإسلامي ، يأخذ منه الصوفي السني و العرفاني الشيعي و كلاً يتقاتل على نسبته إليه كما يحدث لابن عربي صاحب الفتوحات المكية و الحلاج و الهروي و غيرهم ، تبقى مسألة مذاهبهم أو اعتقاداتهم الفكرية غير مهمة ، إنما المهم هو أثرهم الذي غرسوه في وجدان المتبعين لهم . كان السهروردي مغرما في فلسفة أفلاطون ، ينقل السيد المدرسي قوله - أي السهروردي - : إن مدى فهم الفلاسفة المسلمين لافلاطون كنسبة الواحد الى الألف .

ثم ينقل قول البعض عنه : إن السهروردي من أكثر فلاسفة المسلمين الذين صرفوا أوقاتهم في تفسير كلمات أفلاطون. فالفضل الأول في إعادة احياء طريقة الاشراقيين بلباس إسلامي في المشرق العربي ترجع للسهروردي الذي خالف الفارابي و باقي الفلاسفة في اعتماده على " تنقية الذات " كطريق للوصول إلى الحقائق .

- ما هو الإشراق ؟

متى تشرق الشمس ؟


حين يصبح وجه الأرض أمامها فيضع نفسه في موضع المستقبل لأشعتها ، و لولا هذا الأمر لبقينا تحت رحمة القمر .


ينقل الشيخ القريشي : فالإنسان إذا صفّى هذه الكدورات وهذه الشبهات الغريبة من جسده تصفوا مرآته فتنعكس على الملكوت الأعلى فيشرق عليها النور .


هكذا هو الإنسان ، لا ينال مدارك العلم إلا بالإمداد الغيبي ، ولا يكون الإمداد الغيبي إلا لمن يجعل في نفسه القابلية لأن يسمع صوته ، و لا يسمع صوته إلا حين ينقي بدنه و نفسه من المكدرات و الرذائل ، حتى تصبح روحه شفافة خفيفة قادرة على سبر أغوار عوالم اللا شعور .
هناك سؤال لا يزال يحيّر العقول و الألباب : كيف ينتقل العلم ؟
بحسب فهمي القاصر ، فعند العرفانيين العلم هو نور يقذف للإنسان حين يصل إلى درجة ( الحب ) و هي الدرجة التي يندك فيها الشخص مع محبه فيصبح شخصًا واحدًا ، و لهم استدلال قرآني لطيف ، سيأتي في سياق موضوع آخر إن شاء الله .


حين يحدث هذا التوحد يتجلى العلم فيكون أثره ما ينفع المسلمين بشكل خاص أو ينفع البشرية بشكل عام ؛ يُقال بأن إسحاق نيوتن كان ( مندكا ) في علومه الطبيعية لدرجة عدم إحساسه بالموجودات حوله ، فكم من مرة نسى طعامه أو طبخ ساعته !
فكان عاقبة ذلك أن حدثت له المكاشفة حين فكر : لماذا سقطت التفاحة للأسفل ، و لم تصعد لأعلى ؟
و حينئذ لمعت الفكرة برأسه .


هي نفسها اللحظة التي جعلت بيرسي سبينسر يكتشف المايكروويف من لوح شيكولاتة كان يأكله .


و الأمثلة أكثر من أن تحصى ، فما بالك إن كان هذا الشخص توجه نحو الأعلى أو نحو نفسه فما تكون نتيجة إشراقاته ؟


يقول الشيخ القريشي : إذن هناك جملة من الفلاسفة يستمدون معلوماتهم من الإشراق والكشف ، يعني ينقّون أنفسهم و يجردون ألواح عقولهم عن الكدورات حتى تنكشف لهم الحقائق ، [ إلى أن يقول .. ] ، فيكتبونها في طواميرهم كما فعل صدر المتالهين في كتابه الأسفار الأربعة بعد أن انقطع عن الناس لمدة خمسة عشر سنة ، وكذلك ابن عربي في الفتوحات المكية ، بغض النظر عن صحة هذه الحقائق وعدمها وكذلك ما فعله "الدربندي" في أسرار الشهادة عندما يتكلم عن قضايا الإمام الحسين عليه السلام فهو يتكلم عن طريق الكشف والإشراق .

و يتحدث عن واحد من شروط الإشراق و هو إذا أراد الإنسان أن يأخذ إلهاماً أو كشفاً جديداً لا بد له أن يترك جميع المسبقات الفكرية حتى يحصل له شيء جديد ، فهو إذا تعصب لرأي معين مسبق قبل الكشف فهذا التعصب يؤثر عليه فلا يجعله يرى الحقيقة صافية .

- مراتب الإشراق


يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - ، كما في شرح النهج قوله :


« قد أحيى عقله ، وامات نفسه ، حتى دق جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الابواب الى باب السلامة ، ودار الاقامة ، وثبتت رجلاه بطمانينة بدنه في قرار الامن والراحة ، بما استعمل قلبه وارضى ربه »


على ضوء هذه الكلمة ، يُقسّم العرفاء مراتب الإشراق إلى :


1. التوبة :


أولى مراتبها هي الإقرار بالخطأ ، و معرفة النفس ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) .

لا يمكن لأي شخص أن يخطو خطوة واحدة باتجاه شيء لو لم يشعر بالحاجة إليها ، فالحاجة تولد الدافعية ، و الدافعية تعطي القوة و الجاذبية للعمل ، فتصفية النفس بأن يقف الإنسان على سوء مسكلها ، و بُعد طريقها هو يرسم له الدرجة الثانية في مجال تعلية النفس.


2. البرق :


هي لحظات خاطفة ، تلمع في وجدان الإنسان فتغذي عقله بدقائق ما خُفي عنه لأمر ما .

هي لحظات يشعر فيها الإنسان بالخفة بعد الثقل ، فتظهر له خفايا ما أخفاه ثقله ، و لكنها متقطعة و خاطفة كالبرق.


3. المكاشفة :


اليقظة بعد الغفلة ، و كم من غافل عمّا بين يديه لا يراه حتى تنتابه لحظة البرق فيستوعب فيها أن حقيقة ما يبحث عنه إنما هو تحت أنفه و ليس بيد غيره ، و أن راحته في مدفونة في عميق ذاته ، متى ما استيقظ من غفلته و وعى انتبه للمكاشفة .

فهي مثل أشعة الشمس تحت الحمراء ، محيطة بنا و لكننا لا نسعى إليها بسبب ربط أذهاننا بسعادة الغير لا سعادة أنفسنا ، و أننا نبحث لما هو بين يدي الغير و ليس ما بين أناملنا .


4. الصعق :


هي الحقيقة الواضحة ، في حديث الإمام علي - عليه السلام - لتلميذه كميل بن زياد النخعي - رضي الله عنه - : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة .

فهي الحقيقة على صورتها الواقعية لكل شيء فالمؤمن يرى بعين الله سبحانه و تعالى ، يقول السيد الخميني :


« وفي عالم ما بعد الموت - سواء في البرزخ أو القيامة - إذا كانت خلقة الإنسان في الباطن والملكة والسريرة إنسانية، تكون الصورة الملكوتية له صورة إنسانية أيضا، وأما إذا لم تكن ملكاته ملكات إنسانية، فصورته - في عالم ما بعد الموت - تكون غير إنسانية أيضاً، وهي تابعة لتلك السريرة والملكة، فمثلاً إذا غلبت على باطنه ملكة الشهوة والبهيمية وأصبح حكم مملكة الباطن حكم البهيمة، كانت صورة الإنسان الملكوتية على صورة إحدى البهائم التي تتلائم وذلك الخلق. وإذا غلبت على باطنه وسريرته ملكة الغضب والسبعية وكان حكم مملكة الباطن والسريرة حكما سبعياً، كانت صورته الغيبية الملكوتية صور أحد السباع والبهائم. »


5. الإفاقة :


و هي خاتمة المراحل ، حين يكون اليقين سيد الموقف فيكون الاشراق مستداما في هذا العالم الفاني، فلا الحقيقة صاعقة لأنها أصبحت متوالفة مع الإنسان ، و لا هناك برق يبرق في روح الإنسان لأنه تنقى إلى درجة تماثل ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في حديث كميل أيضًا : نور يشرق من صبح الأزل، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره.


- خاتمـة


كم مرة كنت جالسًا غارقا بفكرك في مسألة ما ، و فجأة يتفتق ذهنك عن حل مسألة لا تتعلق بما كنت تفكر فيه ؟


كم مرة تلتف فجأة لشيء بسيط جدًا لتتساءل عن حقيقة ( عظمة ) هذه البساطة التي كانت محجوبة عن ناظريك ؟


كم مرة ترى مسائل عالقة تؤرق ليلك و تتعب نهارك تحل بفكرة بسيطة تلمع برأسك؟
و كم مرة تتخذ خطوة جبارة بسبب لمعة صغيرة برقت في ذهنك ؟

و كم مرة ، و كم مرة .. إلخ . قد لا تكون كل الكلمات أعلاه مفيدة ، بل قد تكون مجرد حروف سخيفة ، و لكن هذه التساؤلات ستوصل لك المعنى بتمامه إن عجزت عن ذلك كل الكلمات السابقة ، لأنني لا أظن أنّ هناك إنسانًا في هذه الأرض لم يشعر في لحظة من اللحظات بصفاء ذهني و نفسي تـام تكون نتيجته أن يرى الواقع على حقيقته { فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد } ، هي لحظة لا تقدر بثمن و المغبون من لا يعمل على بقائها .


رغم أني أميل شخصيا أكثر إلى رأي النجفيين بعدم وضع اعتبارية لهذه الأشياء ، إلا أنني لا أنفيها و لا أزيحها عن مكانتها فهي ثابتة محسوسة و ملموسة ، و لكن مشكلتنا أننا وقعنا إما في افراط ( التأكيد ) أو تفريط ( النفي ).

- مصادر :
1/ أسس الفلسفة - الشهيد د. مرتضى مطهري

2/ منطق ابن خلدون - د. علي الوردي

3/ مبادئ الحكمة - السيد محمد تقي المدرسي

4/ أصول الفلسفة - العلامة محمد حسين الطباطبائي

5/ الأربعون حديثًا - السيد روح الله الموسوي الخميني

6/ مقالات : الشيخ الأحسائي ونظرية المعرفة - الشيخ سعيد القريشي

7/ wikipedia

و غيرها .