31 ديسمبر 2008

لماذا ينجذب الناس للحسين (ع) ؟

وحي عاشوراء [ 3 ]



يقول أبو الفرج الأصفهاني بأن النقص مستولي على بني البشر .

و من هذا الإستيلاء اتى د. علي شريعتي بنظريته الرائعة حول استيلاد البشر للأساطير و صنعها ، فهو حين يدرس شخصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول بأن دوافع الإنسان نحو صنع الأساطير في مجال ما هو نقصهم في هذا المجال ، فهم يصنعونها ليسدوا هذا النقص ، و يضرب أمثلة على الحب العذري و صنع الناس لأساطير " روميو و جولييت " و " قيس و ليلى " و مثال القوة و يصوره مثلاً بـ" عنتر " و بـ" أخيل " ، فمن سبق ذكرهم إنما كان دافع الناس لسكب هذه القيافة الأسطورية عليهم لكونهم يفتقدون القوة و الحب العذري و صفات الكمال الأخرى في أنفسهم فيلجؤون إلى صنعها في هؤلاء حتى يكونوا مضربًا للأمثال لهم .

د. شريعتي يصل إلى نتيجة مفادها أن الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - ، كان مثالاً حيًا لا أسطوريا على كمالات البشر فلم تكن هناك حاجة لاسباغ صفاتها عليه ، لذلك يُعتبر هو من أكثر الشخصيات جدلا في التاريخ ، فكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام واصفًا حاله : هلك فيّ اثنان : محب غال ، و مبغضٌ قال .

فالمحب ينجذب إليه لأنه يرى فيه الكمال التام ، و المبغض ينفر منه لأنه يمثل نقيضه الذي يؤرقه ، و هذا ما يشكل قوتي الدفع و الجذب و قد شرحها العلامة الشهيد مرتضى مطهري في كتابه بصورة وافية يندر مثيلها .

كان من المفترض أن يكون وحي اليوم عن شعائر الحسين عليه السلام ، و لكن موضوع قرأته [ 1 ] جعلني أغير الدفة .


  • لماذا ينجذب الناس للحسين عليه السلام ؟

كما ذكرت في ذلك الموضوع ، فإن أبيات المرحوم الملا عبد الرسول محيي الدين لا تفارقني و هو يقول في منتصف قصيدته الخالدة :

ياحسين ارتبطنا ويـاك.. بالـدم بالـــــنفـس بالجيـد

مثل ما قلنـه عالفطـره ..لا صـــــدفـه ولا تعويـد

افرض نشذ عن خطّك.. ونسير على خــــط ابعيـد

افرض يجتذبنه الكاس.. ويســحرنه هـوى التجديـد

افرض ننفتـن بافكـار.. ونتـــــــسمـم وفتـره نحيـد

افرض نلتهـي نقامـر.. ونـــــــتصـرف بـلا تقييـد

اشما تفرض بعد يحسين.. اشما نعـمل بعـد ونزيـد

لابـد ماتجـي الساعـه.. البيهـا نـــــــنتبـه ونعـيـد

لابـد ماهـو الرحمـه.. يدركنـا ونــــــــرد اجديـد

على قاعدة أنهم نورٌ واحد ، فالحسين هو امتداد لأبيه و لسيرته ، و هو امتداد لتلك المبادئ العظيمة ، إنّ أصحاب المبادئ يملكون فيضًا يَشغل الأذهان فيجعلها هائمة فيه ، تنجذب إليه لأنّ فيض هذه الشخصيات يبعث فيها شعور الحب و العشق و يسبغ عليها صفات الكمالات ، هم يرون أنفسهم كُمّلاً باتباعهم لهذه الشخصيات ، هذه الشخصيات ليست وليدة الأساطير لذلك لا يُختلف فيها ، و لكنها وجود حقيقي بكيانها لذا تراها تصبح في محل الخلاف .

يُروى عن الإمام الصادق عليه السلام عن جده رسول الله الأكرم - صلى الله عليه و آله - : إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً .

هذه الحرارة في قلوب المؤمنين و الإيمانُ كما ينسلخ من الإنسان حين يرتكب معصية و يعود إليه حين يتوب [ 2 ] ، فإن الحسين بكمالاته الأخلاقية ، بصفاته البشرية ، بعواطفه الراقية ، بمجموع ما يمتلكه من درجات العلو هو لباس يُخلع من على أكتاف الناس حين يبتعدون عن حقيقة مبادئه و واقع ثورته و لكن ما أن يذكر اسمه و تتجدد مصيبته حتى يعود ليلف أجسادهم و يغطي فكرهم هيامًا فيه ، لباس حب الحسين هو لباس الإيمان .. يظل مكمونًا في القلوب طالما أنّ الدنيا تأخذ مآخذها ، و لكن حين تحين الساعة ينقلب كيان الإنسان .

إن سبب الإنجذاب نحو الحسين و عشقه ، هو نفسه سبب الإيمان بالله الواحد القهّار عز و جل ، فالحسين هو مظهر صفات الله ، هو بذاته تطبيق أوامر الله سبحانه ، فهو بمجموعه وجه الله في أرضه ، لذلك فإن المرء كلما انجذب لوحدانية الله عز و جل انجذب للحسين لأنه اصطبغ بصبغة الله فعشقته القلوب لذلك { صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً } ، مهما المرءُ ابتعد بإسرافه على نفسه يظل خيط الوحدانية يربطه ، هذا الخيط الذي يخاطب الفطرة الإنسانية التي يشترك بها كل البشر على اختلافهم ، فعشق الحسين عليه السلام يظل بسبب عشق الله عز و جل .

هذا الإنجذاب نقيضه هو ' النفور ' ، النفس المضللة تنفر من النور لأنها ترى فيه تهديدًا لكيانها و قلبًا لمفاهيمها ، فبما يمثله من القيمَ العالية يشكل ضربة تهدم قناعات هذا النافر لذلك يكيد كيده و يسعى سعيه في سبيل تضليل قضية النور و إنفار الناس منها ، حتى لا يطلعوا على الحقيقة التي تكشف زيفه و زيف إدعاءاته ، هو يرى وجودًا كوجود الحسين و أبيه عليهما السلام كيانا حقيقيا يقض مضاجعه فهما ليسا أساطيرًا تصنعهم المخيلة و تبقيهم فيها و تضفي عليهم ما تضفي ، بل هم حقيقة موجودة و قيم ثابتة و راسخة ، مثلُ هذا الشخص " الدونكيشوتي " يلفت إنتباهي إلى من يبذل كل ما يملك في سبيل تضليل جوهر هذه الأيام و فلسفتها لينطبق عليه قول الله عز و جل { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } فهؤلاء يشترون كل لهو بالغالي و النفيس حتى يضلوا عن السبيل لأن في وجود الحقيقة الحسينية تضادٌ لأنفسهم .


  • وصيّة :

من وصيّة الإمام الرضا - عليه السلام - لـ ريان بن شبيب :


" يا ابن شبيب ان كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) فانه ذبح كما يذبح الكبش"



_____________


[ 1 ] حُبك مدرسة .. ( اضغط للقراءة )


[ 2 ] عن النبي الأعظم - صلى الله عليه و آله - : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن‏.

هناك 11 تعليقًا:

ZooZ "3grbgr" يقول...

حب الحسين بالفطرة
حب الحسين عجن مع أصلاب آبائنا في بطون أمهاتنا

حبك مولاي شفيعنا
حبك مولاي نصيبنا

حبك يا سيدي هو ما أنطق حتى غير المسلم باسمك

آجرنا الله على مصابك الجلل

بو محمد يقول...

عزيزي سفيد
بوست جميل جدا و وددت أن اثني على طرحك أخي الفاضل
فعلا، هناك ارتباط وجداني مع قضية الحسين و تستطيع أن تقول فطري، و لذالك تجد التأثر بالفكر الحسيني ليس مقصورا على طائفة أو دين أو فكر أو مذهب، بل القضية جلها إنساني محض، لأن المبادئ كانت مبادئ سماوية بحتة تجسيدت بالحسين عليه السلام
"مثلي لا يبايع مثله"
مأجورين إن شاء الله
دمت و الأحبة برعاية الله

Yang يقول...

الله يتقبل انشاء الله

كبرياء وردة يقول...

سفيد لا يكون كنت معانا بنفس
الحسينية:p

لأن كان نفس موضوع محاضرة البارحة
اهو الشيخ ذكر 3 نظريات تفسر سبب انجذاب شخص لآخر

بس أنا بكتفي بالنظرية الإسلامية
النظرية الإسلامسة تقول أن هناك ثلاث عوالم الأول عالم الإيجاد وهو العالم الذي تخلق فيه الأرواح وتتعارف بناء على أنها من أصل واحد
العالم الثاني هو عالم الأرواح الذي تتعارف فيه الأرواح وتتنافر أو تتجاذب كل على شاكلته
أم العالم الثالث هو عالم المواد (الدنيا)
والذي يكون نتيجة لما حدث في العالمين السابقين
أما ما يحدث في العالم الأول (الإيجاد)
هو أن فلان يتعرف على فلان لأنهما من نفس الأصل، في هذا العالم تتعرف أرواح الشيعة على أرواح أئمتهم
لأنهم من أصل واحد
فعن ابن عباس أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، قال : فقلت : ياأميرالمؤمنين كيف ينظر بنور الله عزوجل ؟ قال عليه السلام : لانا خلقنا من نور الله ، وخلق شيعتنا من شعاع نورنا....
وهذا ما يفسر سبب تسمية الشيعة بهذا الاسم، فضلا عن المعنى السطحي ألا وهو المشايعة
أما في العالم الثاني وهو عالم الأرواح يتعرف غير الشيعة ممن لديهم القابلية على أرواح آل البيت، وهذا ما يحدث عند التشيع

اعذرني على الأطالة أخي سفيد،
وعلى قصوري في إيصال المعلومة كما يجب
ولكن أعلمني إن أحببت الاستماع إلى المحاضرة

Mohammad Al-Yousifi يقول...

على عتبات اكتشاف د شريعتي

اقراه وا عطيك رايي في القريب انشاءالله

|:| DUBAI |:| يقول...

سفيد

3 بوستات من أروع ما كتب ..

سلام الله عليه ..

لولاه لضاع الدين و الصلاة ..

أرواحنا له الفداء !!

Yin مدام يقول...

قواك الله وماجور يا سفيد
3 بوستات رائعة

عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبا عبدالله الحسين

YouSTaNzR يقول...

احلى الكتاب انت يا سفيد و ابو اللطيف

انتو الأثنين يبيلكم كتاب D:

Safeed يقول...

ZooZ ،
بو محمد ،
Yang ،
ma6goog ،
|:| DUBAI |:|،
Yin ،
YouSTaN ،

آجركم الله جميعا .
كل ما نملك ، هو من فيض مبادئ الحسين عليه السلام .

.
.
كبرياء وردة ،،

ارتباط العاطفة بالعقل مبحث لم يطرقه الغالبية إلى اليوم ، كيف تتحكم العاطفة و تضفي الإطمئنان على العقل حين يحكم على شيء هو من عجائب النفس البشرية التي لم يصل إلى كنهها حتى اليوم .
في الخصال ، من رواية طويلة عن أمير المؤمنين عليه السلام :
" .. ... إن الله تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا و اختار لنا شيعة ينصروننا و يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا و يبذلون أموالهم و أنفسهم فينا ، أولئك منا و إلينا ، ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتى يبتلي ببلية تمحص بها ذنوبه ، إما في مال ، و إما في ولد ، و إما في نفسه حتى يلقى الله عز و جل و ما له ذنب ، و إنه ليبقى عليه الشي‏ء من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته ، الميت من شيعتنا صديق شهيد صدَّق بأمرنا و أحب فينا و أبغض فينا يريد بذلك الله عز و جل مؤمن بالله و برسوله ... ".

أتمنى الحصول على المحاضرة ، فهذه المواضيع الروحانية تجذبني كثيرا .
شكرا على الاضافة

B.A يقول...

السلام عليكم ..

عندما قرأت ما كتبتم .. لا أعلم لم تبادرت لذهني هذه القصيدة..

ياحسين بضمايرنا ~*~ صحنا بيك أمنا
لا صيحة عواطف هاي ~*~ لا دعوه ومجرد راي
هذي من مبادئنا ~*~ صحنا بيك أمنا


يسرني ان تنبثق كل هذه الافكار والتفصيلات الرائعه , من حبك مدرسه ,,,

فمنكم نستفيد ,, أخي الكريم لتفصيلكم لبعض تساؤلاتنا ..

في سياق ما كتبتم تحدثتم عن الحديث الذي يذكر ان للامام الحسين حرارة في قلوب المؤمنين ..

هذه الحراره المقصودة لو ألفنا فيها كتبا لا نفي مظاهرها ..

فهذا الشعور المستميت الذي بداخلنا الذي يحولنا حقيقه لأسود مفترسه لو ذكر الحسين عليه السلام او الحسينيات او شعائرنا بسوء ,, يردني مباشره للحراره التي قصدتم ..

هذه الحراره تريني ذوبان البعض في احياء الشعائر والدأب على حضور الحسينيات والسهر والتجهيز على العكس من بعض من يغط في نوم عميق وفي اليوم العاشر يتثاقل عن الذهاب للحسينيه ..

وتقبل الله منكم ..

Safeed يقول...

B.A ،،

و عليكم السلام و رحمة الله ،

عندما تحدثت عن الحب سابقا هنا قلت :
" الحب قيمة تغير كل صفات الإنسان فهي تحوله لنقيضه ، لو كان الإنسان جبانا فإن مسّ شيء يحبه السوء انتفض لا شعوريا ليدفع السوء ، هذه الانتفاضة نتيجة عمل الحب الذي غير معدنه من الجبن إلى الشجاعة" .
فما يحدث مع الحسين عليه السلام ، هو حب فطري وجد فينا له ، مصداق لقوله تعالى [ قل لا أسالكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ].

منّا و منكم الأعمال بأفضل القبول إن شاء الله ،
شكرا للمرور .