على الرغم من كثرة الشخصيات المضحكة في ذلك المسلسل الكرتوني إلا أن الإبداع تجلى في فصل ما يعرض على الإنسان من مشاعر في شخصيات مستقلة تتصرف كل منها وفق الجانب الذي تحمله ، الكريه / القوي / الشجاع / الحكيم / الجميل / الشره / العالم / الجاهل / النائم / النشط / الشاب ... إلخ ، يا ترى ماذا لو فصلنا جوانب شخصياتنا إلى شخصيات منفصلة ؟
في حياتنا اليومية نملك جوهرًا واحدًا و هو الإنسانية و لكن لهذا الجوهر عوارض و هي الصفات المرتبطة بهذه الإنسانية ، رحم الله الشيخ الرئيس ابن سينا فقد أنجدني بهذا الوصف ، الجوهر عنده ثابت و هو ما يُدرك بالبديهة بينما العوارض هي ما تنشئ عن هذا الجوهر ، الجوهر هو أنا كإنسان ذو جسم غير قابل للإنقسام بينما العرض هو ما ينشا عن هذا الجسم ، أفعالي و تصرفاتي و اعتقاداتي و مشاعري الظاهرية و غيرها.
نتعامل يوميًا مع الناس بعوارض متعددة تارة نغضب و تارة نضحك و تارة نبتسم كلها أعراض نابعة من جوهرنا الإنساني ، و لكن ماذا لو تحولت هذه الاعراض إلى جوهر بحد ذاتها ؟
بمعنى ماذا لو تحول ( الغضب ) مثلاً إلى كيان منفصل ، إلى إنسان جوهره الغضب و لا شيء فيه غير الغضب ؟
و هكذا مع باقي الصفات الأخرى في الإنسان ، مثل السنافر حين تحولت كل شخصية إلى صفة إنسانية بحتة تمثلها بالكامل لا تحيد عنها ، فالشره يظل شرها على الدوام و الحكيم حكيمًا على الدوام و الكريه يظل كريهًا دومًا ، هل ستختلف الحياة ؟
أتوقع أن إجابتنا كبشر ستكون نعـم تختلف سلبيًا ، و لكن أنا أكره هذه الإجابة ، اعتقد أن الحياة ستكون أكثر سلاسة و تماشيًا و سلامًا ، ستكون كحياة السنافر لا تملك عدوًا إلا الإنسان وحده !
هل تساءلتم لماذا كان الإنسان شرشبيل هو عدو السنافر رغم أنها تملك صفاتًا بشرية كالتي يملكها شرشبيل ؟
كان الإنسان عدوها لأن الإنسان مركب من هذه الصفات بأجمعها هو شره و زاهد ، ضعيف و قوي ، حكيم و غبي ، جاد و مازح ، جميل و مثقف ، حتى يوافق فيما بينها فهو يلجئ للمداراة ساعة ، و للنفاق ساعة أخرى ، يلجا لان يكبت صفة و يظهر أخرى بحسب ما تقتضيه المصلحة ، و بحسب ما يقوده طمعه او حكمته او أي صفة أخرى يقع تحت تأثيرها في ساعة الحُكم تلك ، حتى يعدل فيما بينها فهو يلجأ للتلون بإحداها بما يناسب الموقف الذي يوضع فيه كالحرباء ، بينما لم تتعادى السنافر فيما بينها رغم أنها تملك القوي و الضعيف و العالم و الجاهل و العجوز و الشاب تمامًا كالبشر لأن تلك الصفات ظهرت منسجمة مع شخصية كلٌ منها ، لم يلجا أحدهم لأن يكبت صفاته أو يداري الباقي و ينافقهم أو يتمظهر بغير مظهره و يتطبع بغير طباعه حرصًا على آراء الآخرين أو مشاعرهم أو نظراتهم له ، سنفور غضبان كان غضبانًا على الدوام و يظهر غضبه دائمًا و الكريه يقف أمام الجميع و يعلن كراهيته لأفعالهم و صفاتهم ، و الأكول ياكل طعامهم و الحكيم يفيض عليهم بحكمته ، يقول كل شيء دون أن يحسب حساب تقبل الآخرين له ، تقبل السنافر أفراد مجتمعهم كما هم و لم يجبرهم المجتمع على أن يدفنوا حقائقهم داخل أنفسهم.
هذا الإنسجام و هذه الشجاعة في إبداء الآراء التي نحملها هي ما نفتقده نحن البشر ، في حياتنا اليومية نقول ما لا نؤمن به بحجة المداراة و نفعل ما لا نؤمن به بحجة عدم كسب العداوات ، ندعي حب ما نكره حتى نراعي الآداب الإجتماعية ، و نتحدث بغير ما نعتقد حرصًا منّا على الآخرين و لو كان على حسابنا ، هذا التصارع بين طباعنا التي نحملها ، و بين ما يكبحها ينتقل في غالب الأحيان إلى الأرض فيتحول من صراع داخل يجري نفوسنا إلى صراع فيما بيننا و بين الآخرين .
في الرواية عن الإمام علي عليه السلام : لو سكت الجاهل ما اختلف الناس.
لو انسجم الجاهل مع نفسه ، و كفَّ عن ادعاء ما ليس فيه كما انسجم السنافر مع أنفسهم و صفاتهم ولم يدع كل واحد فيهم ما ليس فيه لما اختلف الناس و لعاشوا في قراهم آمنين ، في احدى المقولات القديمة ورد معنى لطيف مقارب لهذه الرواية و هو لو أن كل شخص قال ما يؤمن به لانتهى كل جدال .
أنا معجب جدًا بسنفور كريه ، ربما سبب اعجابي كان لأن أصدقاء الطفولة لا زالوا ينادوني بهذا اللقب ( قبل يومين اكتشفت أن أحدهم سجل هذا اللقب كاسم لي في هاتفه ) أو ربما لأنني أقاربه بكراهية الكثير من الأشياء حولي و أعترف بذلك ، و لكني اليوم اكتشفت شيئًا جديدًا و هو أن اعجابي به هو لشجاعته و لثبات موقفه ، لم ترغمه طباعه الشرسة على أن يخفيها و يدعي ما ليس فيه لو كنت في محل المسؤولية لوضعتُ له في كل طرف نصبًا و تمثالاً حتى يتعلم منه الناس ألا يجاملوا على حساب أنفسهم و أن يتعملوا منه الثبات على مواقفهم و أن يكفوا عن المجاملات على حساب أنفسهم و ما يعتقدون به كرامة لشخص أو شخصين أو ألف أو مليونين ، و أن يعرفوا أن طمس طباعهم و آرائهم داخل انفسهم لا ينفي وجودها .
و حتى يتعلموا منه أن ينسجموا مع أنفسهم ، أن يوجهوا طاقتهم لما يفيدهم بدلاً من صرفها في التفكير بالحفاظ على صورة غير واقعية لهم بأنظار الغير ، و الأهم من ذلك كله أن يتعلموا منهم أن الناس يتقبلون المنسجمين مع أنفسهم بنفس القدر الذي يكرهون به المتلونين في أقوالهم و مواقفهم و إن لم يظهروا ذلك علانية .