قبل سنتين، أوثلاث تقريبًا، وفي لحظة إلهام أشرقت بها النفس على صفحة الإبداع، كتبت قصة قصيرة كمحاولة أدبية بسيطة، لم تكن الأولى بالطبع. ما صدمني هو حصولها على تقييم رائع لم أتوقعه لكونها وليدة دقائق قليلة تعد على الأصابع. تقييمٍ لم تحصل عليه أيّ من كتاباتي الأخرى بنفس المجال. ولم يُذهب روعة هذا الشيء إلا تحولها إلى كابوس دفعني إلى اعتزال هذا المجال دفعًا معيدًا لذاكرتي مشهدًا شاهدته في احدى حلقات مرايا، لياسر العظمة.
.
حيث يمّثل دور روائي شهير يتعب كثيرًا في صياغة رواياته، وجمع معلوماتها، وسبك حبكاتها، ويسهر لذلك الليالي، ويعمل بالأسابيع والشهور لأجلها ومع ذلك تبقى مقبولة عند النقاد. إلا أنّه في من يوم الأيام، وفي لحظة فراغ، وجد نفسه مدفوعًا لأن يكتب، جلس أمام الكمبيوتر ليضع رواية خلال ساعتين سمّاها «المرحومة هاجر خانم».
حيث يمّثل دور روائي شهير يتعب كثيرًا في صياغة رواياته، وجمع معلوماتها، وسبك حبكاتها، ويسهر لذلك الليالي، ويعمل بالأسابيع والشهور لأجلها ومع ذلك تبقى مقبولة عند النقاد. إلا أنّه في من يوم الأيام، وفي لحظة فراغ، وجد نفسه مدفوعًا لأن يكتب، جلس أمام الكمبيوتر ليضع رواية خلال ساعتين سمّاها «المرحومة هاجر خانم».
.
نجحت نجاحًا باهرًا، وأصبح من بعدها أديبًا لامعًا، حتى عاد اسمه يذكر مقرونًا بهذه الرواية، لتصبّ لعنتها على رأسه ، فلم ينجح في نشر أي شيء بعدها: كان الناشرون يقرؤون ما يكتب ثم يقارنوه بـ«المرحومة هاجر خانم»، ويرفضون نشره لأنه أقل بنظرهم منها، إلى أن اضطره الحال لأن يختار لنفسه اسمًا مستعارًا، ويحوّل رواياته من جوها العربي إلى الجو الأوروبي ويضع اسمه عليها ولكن كمترجم لها لينشرها.. و «يأكل عيش»!
.
كل نجاح يستبطن لعنته في داخله، وبعض النجاحات تكون الهزيمة أرحم منها. فغالبًا ما تقاس النجاحات بتحقيق الأهداف، ولكن كم شخص قاسها بالنتائج التي تستتبع تحقيق هذه الأهداف؟
.
كثيرًا ما يحدث ألا نحسب حساب الظروف والعوامل المؤثرة والأحداث التي صاحبت الوصول للنجاح، ونعتقد أنه يمكن لنا أن ننجح بمعزل عنها، بحيث نفصل ما بين النجاح في حد ذاته، وما بين متطلباته، وفي الوقت الذي نعتبر الاول ضرورة، يتحول الثاني إلى أمر ثانوي يمكن تجاوزه بكل بساطة. وهذا بطبيعة الحال فهم ساذج للنجاح. قد تكون هاجر خانم مدخلاً لفهم هذه الإشكاليّة، فهي تعبير عن حالة شعورية ارتبطت بلحظة نفسية ثم وجدت طريقها لتعبر عن نفسها من خلال أحداث وكلمات صيغت على هيئة رواية. في الوقت نفسه فإن مثل هذه الحالة الوجدانية لا يمكن إعادة خلقها اعتباطيًا، ولذا فشلت تلك الروايات في تكوين أحداث بمثل روحية «المرحومة هاجر خانم»، فلكل شيء طريقه المميز الوحيد، وعلينا أن نجده لا أن ننتظره.
.
على صعيدٍ آخر، تحولت «المرحومة هاجر خانم» لتصبح حاكمة على البقية، وشيئًا فشيئًا باتت كابوسًا يؤرق صاحبها بكونها ضريبة الإبداع، ممّا يجعل صاحبها يبقى محاسبًا على كل ما يكتب، ويُتطلّع منه إلى الأحسن دومًا. ويركض الناس والنقّاد إلى مقارنة كل شيء بها، كأنهم يعتبرونها الحد الأعلى للإبداع، وعلى الباقين أن يحذو حذوه ولا يتجاوزوه، أو يقلّوا عنه. فإن حدث ذلك، طالبوا صاحبها لأن يعود إلى ما كان عليه حين كتبها، فإن عجز لفه النسيان، وطويت ذكراه في غياهب جب الحرمان.
.
في أحيانٍ كثيرة، تكون بعض الأفعال وبعض الحوادث التاريخية مبالغ في تقييمها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنها لامست شيئًا في نفوس المُقيّمين التي طبعت اتجاهاتهم الفكرية والنفسية آثارها في أحكامهم وميولهم، وفاتهم الإلتفات إلى أثر ذلك في تقييمهم. مثل هذا الأمر يحدث مع الروايات كما في «المرحومة هاجر خانم»،وما حدث معي. ويحدث مع اللاعبين الذين تتجمد ذاكرة معجيهم على موسم معيّن يجعلونه المسطرة التي يقيسون بها أداءهم طوال حياتهم المهنية، كما أنه، من باب التشابه، يحدث مع الأشخاص العاديين حين يقومون بدافع غيبي بأفعال معينة أو يبدون آراء معينة ثم يتم تنميطهم وفقها عند الآخرين، ويتم تسفيه جميع مواقفهم وآرائهم التي تخالف هذه الصورة عند الآخرين، كما يحدث مع الدول، بتاريخها وشعوبها ومجتمعها.
.
أثناء نهوض الدول، تمر في فترات صعود، تتوافق فيها جميع الظروف لتهيئ لها الطريق للإزدهار، قد يكون هذا الازدهار نوعيًا بحيث أنه يمكن أن يكون أفضل مما كان إلا أنّ الظروف لم تستثمر جيّدًا. مع هذا، فإنه في فترات الهبوط تصبح فترات الصعود بكل سلبياتها «هاجر خانم» يُتطلع إلى أن يتم إعادتها للحياة مجددًا، وتغدو «يوتوبيا» لن تتكرر، ولن يجود الزمان بمثلها حتى وإن كان حاضر هذه الدولة بامكانه أن يولد ازدهارًا يفوق ما حدث إلا أن الإنشداد للماضي يحول دون ذلك، ويصبح الهمّ الأكبر هو (كيفية إعادتها كما كانت) بدلاً من دفعها لتصبح (ما لم تكنه في يوم من الأيام).
.
حين يمسي همّنا ان «نأكل عيش» فإننا لا نسعى إلى أن نقدم حلولاً، أو علاجًا، بل نكتفي بالدوران حول المشكلة ونرفع الرايات البيضاء أمامها، ونساهم بصورة فعّالة في ترسيخ التقييم المبالغ به، وعلى طبق من ذهب نتوهم بأنه يمكن للنجاح أن يحدث بمعزل عن كل شيء، وحتى حين تأتينا الفرص لتصحيح الأمور لا نغتنمها لاننا لم نتعلم خلق ظروف النجاح بدلاً من انتظارها.
.
كان هدفنا أن نعيد البلاد من احتلال عسكري، وبعد 20 سنة على ذكرى الغزو، وبتحقيق هذا الهدف أدخلناها في احتلال الجمود، لأننا لم نعرف كيف نستغل الفرصة في بناء شيء جديد بدلاً من ترميم الأطلال. باختصار، بتنا نعيش لعنة «المرحومة هاجر خانم» ولم نستطع تجاوزها لأننا اعتبرناها الذروة، ففقدنا الدافعية للمستقبل.
.
الآن،لا زلنا نفضل أن نسترجع الماضي ونحنّ إليه، ونعتبره المثال الأعلى الذي لا يمكننا تجاوزه، وشيئًا فشيئًا بدأت هذه الفكرة تتسرب إلى العامة حتى غدا من المحظور مجرد التفكير في غيرها. أصبحنا نعيش «لعنة هاجر خانم» وقررنا أن ننكص على أعقابنا للماضي مستذكرينه، متنكرين للواقع المر برميه على رؤوس الذين ألبسناهم خطيئة عدم القدرة على المضي للأمام، وقررنا الإختباء خلفهم، كما اختبئ الكاتب خلف لقب المترجم، هربًا من تقييم الآخرين لنا.
نجحت نجاحًا باهرًا، وأصبح من بعدها أديبًا لامعًا، حتى عاد اسمه يذكر مقرونًا بهذه الرواية، لتصبّ لعنتها على رأسه ، فلم ينجح في نشر أي شيء بعدها: كان الناشرون يقرؤون ما يكتب ثم يقارنوه بـ«المرحومة هاجر خانم»، ويرفضون نشره لأنه أقل بنظرهم منها، إلى أن اضطره الحال لأن يختار لنفسه اسمًا مستعارًا، ويحوّل رواياته من جوها العربي إلى الجو الأوروبي ويضع اسمه عليها ولكن كمترجم لها لينشرها.. و «يأكل عيش»!
.
كل نجاح يستبطن لعنته في داخله، وبعض النجاحات تكون الهزيمة أرحم منها. فغالبًا ما تقاس النجاحات بتحقيق الأهداف، ولكن كم شخص قاسها بالنتائج التي تستتبع تحقيق هذه الأهداف؟
.
كثيرًا ما يحدث ألا نحسب حساب الظروف والعوامل المؤثرة والأحداث التي صاحبت الوصول للنجاح، ونعتقد أنه يمكن لنا أن ننجح بمعزل عنها، بحيث نفصل ما بين النجاح في حد ذاته، وما بين متطلباته، وفي الوقت الذي نعتبر الاول ضرورة، يتحول الثاني إلى أمر ثانوي يمكن تجاوزه بكل بساطة. وهذا بطبيعة الحال فهم ساذج للنجاح. قد تكون هاجر خانم مدخلاً لفهم هذه الإشكاليّة، فهي تعبير عن حالة شعورية ارتبطت بلحظة نفسية ثم وجدت طريقها لتعبر عن نفسها من خلال أحداث وكلمات صيغت على هيئة رواية. في الوقت نفسه فإن مثل هذه الحالة الوجدانية لا يمكن إعادة خلقها اعتباطيًا، ولذا فشلت تلك الروايات في تكوين أحداث بمثل روحية «المرحومة هاجر خانم»، فلكل شيء طريقه المميز الوحيد، وعلينا أن نجده لا أن ننتظره.
.
على صعيدٍ آخر، تحولت «المرحومة هاجر خانم» لتصبح حاكمة على البقية، وشيئًا فشيئًا باتت كابوسًا يؤرق صاحبها بكونها ضريبة الإبداع، ممّا يجعل صاحبها يبقى محاسبًا على كل ما يكتب، ويُتطلّع منه إلى الأحسن دومًا. ويركض الناس والنقّاد إلى مقارنة كل شيء بها، كأنهم يعتبرونها الحد الأعلى للإبداع، وعلى الباقين أن يحذو حذوه ولا يتجاوزوه، أو يقلّوا عنه. فإن حدث ذلك، طالبوا صاحبها لأن يعود إلى ما كان عليه حين كتبها، فإن عجز لفه النسيان، وطويت ذكراه في غياهب جب الحرمان.
.
في أحيانٍ كثيرة، تكون بعض الأفعال وبعض الحوادث التاريخية مبالغ في تقييمها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنها لامست شيئًا في نفوس المُقيّمين التي طبعت اتجاهاتهم الفكرية والنفسية آثارها في أحكامهم وميولهم، وفاتهم الإلتفات إلى أثر ذلك في تقييمهم. مثل هذا الأمر يحدث مع الروايات كما في «المرحومة هاجر خانم»،وما حدث معي. ويحدث مع اللاعبين الذين تتجمد ذاكرة معجيهم على موسم معيّن يجعلونه المسطرة التي يقيسون بها أداءهم طوال حياتهم المهنية، كما أنه، من باب التشابه، يحدث مع الأشخاص العاديين حين يقومون بدافع غيبي بأفعال معينة أو يبدون آراء معينة ثم يتم تنميطهم وفقها عند الآخرين، ويتم تسفيه جميع مواقفهم وآرائهم التي تخالف هذه الصورة عند الآخرين، كما يحدث مع الدول، بتاريخها وشعوبها ومجتمعها.
.
أثناء نهوض الدول، تمر في فترات صعود، تتوافق فيها جميع الظروف لتهيئ لها الطريق للإزدهار، قد يكون هذا الازدهار نوعيًا بحيث أنه يمكن أن يكون أفضل مما كان إلا أنّ الظروف لم تستثمر جيّدًا. مع هذا، فإنه في فترات الهبوط تصبح فترات الصعود بكل سلبياتها «هاجر خانم» يُتطلع إلى أن يتم إعادتها للحياة مجددًا، وتغدو «يوتوبيا» لن تتكرر، ولن يجود الزمان بمثلها حتى وإن كان حاضر هذه الدولة بامكانه أن يولد ازدهارًا يفوق ما حدث إلا أن الإنشداد للماضي يحول دون ذلك، ويصبح الهمّ الأكبر هو (كيفية إعادتها كما كانت) بدلاً من دفعها لتصبح (ما لم تكنه في يوم من الأيام).
.
حين يمسي همّنا ان «نأكل عيش» فإننا لا نسعى إلى أن نقدم حلولاً، أو علاجًا، بل نكتفي بالدوران حول المشكلة ونرفع الرايات البيضاء أمامها، ونساهم بصورة فعّالة في ترسيخ التقييم المبالغ به، وعلى طبق من ذهب نتوهم بأنه يمكن للنجاح أن يحدث بمعزل عن كل شيء، وحتى حين تأتينا الفرص لتصحيح الأمور لا نغتنمها لاننا لم نتعلم خلق ظروف النجاح بدلاً من انتظارها.
.
كان هدفنا أن نعيد البلاد من احتلال عسكري، وبعد 20 سنة على ذكرى الغزو، وبتحقيق هذا الهدف أدخلناها في احتلال الجمود، لأننا لم نعرف كيف نستغل الفرصة في بناء شيء جديد بدلاً من ترميم الأطلال. باختصار، بتنا نعيش لعنة «المرحومة هاجر خانم» ولم نستطع تجاوزها لأننا اعتبرناها الذروة، ففقدنا الدافعية للمستقبل.
.
الآن،لا زلنا نفضل أن نسترجع الماضي ونحنّ إليه، ونعتبره المثال الأعلى الذي لا يمكننا تجاوزه، وشيئًا فشيئًا بدأت هذه الفكرة تتسرب إلى العامة حتى غدا من المحظور مجرد التفكير في غيرها. أصبحنا نعيش «لعنة هاجر خانم» وقررنا أن ننكص على أعقابنا للماضي مستذكرينه، متنكرين للواقع المر برميه على رؤوس الذين ألبسناهم خطيئة عدم القدرة على المضي للأمام، وقررنا الإختباء خلفهم، كما اختبئ الكاتب خلف لقب المترجم، هربًا من تقييم الآخرين لنا.
هناك 8 تعليقات:
روعة
مقال ملغوم بس لفت نظري قصة رواية هاجر
هنا نطرح سؤال عن جودة العمل و كيفية الحكم هلى مدى روعته و الإبداع اللي فيه
هل صاحب العمل هو من يُقيّم ؟
أم أن متلقين العمل هم الذين يقيمون ؟
يعني المرحومه زينه او مو زينه ؟
( :
دائما مبدع ياسفيد
بورك قلمك
عجيب
عجييييييييييييييييييب
ma6goog،،
ملغوم :)
تصدق إن جريدة الدار اعتبروا هالمقالة إعلان لاعتزالي الأدب،، :)
جواب سؤالك بسيط
إذا كنت تكتب للناس، فالناس هم الذين يقيمونك.
أما إن كنت تكتب لنفسك، فأنت الذي تقيّم.
ومعنى الكتابة لنفسك، هو التعبير عنها وعن آرائك :)
شكرا
======
غير معرف،،
خوش آدمية، الله يرحمها، ومشكلتنا إنّ ما لقينا أحد يسد مكانها
:)
=======
رهبري،،
شكرا لمتابعتك، ومرورك :)
=======
SHOOSH،،
شكرا :)
رغم قرائاتي العديده
وتجاربي البسيطه في عالم النثر
الا اني لم اتجرأ بتاتا
على الشروع في كتابة قصه
لا ادري لماذا احس برهبه شديده
لدى التفكير في هذه الخطوه
وادائما ما اشعر
بان الاوان لم يحن بعد :(
دائما ردي لا يوازي ما تكتبه ..
مستمرة في الاطلاع و لن أقطع
: )
الى الامام سفيد
اقصوصه،،
لعل مرد ذلك هاجس (هاجر خانم).هاجس الاعتقاد بعدم القدرة على فعل ما هو (افضل مما كان) سواء ذلك حدث في الواقع ام اقتصر على الذهن.
شكرا
|:|DUBAI|:|،،
حياكم الله،
شكرا :)
إرسال تعليق