منذ القدم كان هناك اعتقاد بأن محل الولادة أي كون الطفل هو الأول / الأوسط / الثالث / الرابع له تأثير على الطفل و يساهم في تكوين شخصيته و رسم حياته ، قبل سنوات طويلة قرأت أحد الأبحاث في احد الكتب ( نسيت اسمه حاليًا ) لكنه كان يبحث في نظام الولادة عند الفراعنة و كيف انه كان يقوم على نظام دقيق بأن يكون عدد الأبناء زوجي حتى لا يكون أحدهم ( بطة سوداء ) و لا يلقى الرعاية الكافية ، من غرائب الفراعنة أنهم كانوا يتبعون نظامًا غذائيا معينا قبل و أثناء الحمل بكل طفل لاعتقادهم بأن الغذاء يساهم في بُـنية و عقلية الابن .معظم هذه المعلومات مثبتة علميًا الآن ، خصوصًا نظرية الأبناء و الابن الأوسط ، و أول من أشار لها بصورة واضحة كان العالم النمساوي " آلفرد آلدر " المعاصر لمواطنه " سيغموند فرويد " رغم أن نظريته كانت تعاني من التبسيط الشديد لأثر " محل الولادة " إلا أنها فتحت الباب لنظريات علمية كثيرة بعضها أصبح من المسلمات مثل ( متلازمة الابن الاوسط ) .
عدم الانتماء الذي يشعر به الابن الأوسط لا يعني كرهه للعائلة أو بُعده عنها ، بل في غالب الأحيان يكون هو رزنامة العائلة حيث يحفظ و يتذكر جميع أحداث العائلة و يهتم و يتابع أخبار الجميع و في نفس الوقت يكون منسيًا من قبل الجميع ، يعني مثلا يمكن أن يكون أول من يتذكر عيد ميلاد أخيه / أخته و لكن في عيد ميلاده لا أحد يتذكره إلا بعد فوات الاوان ، فهو كالشبح وجوده مع العائلة إذا كان أمام أعينهم أما إن غاب عنها فهو منسي .
الإنطواء و الإنعزال صفة مشتركة بين كل أبناء الوسط ، فهم يحبون أن تكون لهم مناطق في شخصياتهم و عقولهم تتمتع بخصوصية لا يستطيع أحد أن يطلع عليها أو يفك شفراتها ، مهما انفتحوا على الغير و قوية صداقاتهم او ارتباطهم بهم إلا أنهم يفضلون أن يبقوا أنفسهم في عالمين لا يتحدان و لا يصطدمان ، من كان يتابع مسلسل Seinfeld سوف يمر عليه مصطلح George's two worlds ..
جورج المستقل : و هو جورج العادي و المضحك مع أصدقائه و أهله .
جورج المرتبط : و هو جورج الرجل الرزين المتزوج .
مع القليل من التحريف يُمكن إعادة تصنيف هذه النظرية إلى:
البطة السوداء كرجل العائلة و الصديق .
و البطة السوداء كرجل ذاتي يفضل أن يعزل نفسه عن الناس حتى يختلي بنفسه على طريقة المهاتما غاندي و هي حالة يصفها الشاعر العربي صفي الدين الحلي رحمه الله بقوله :
ذو العقل من أصبح ذا خلوةٍ .. في بيتهِ ، كالميّـت في رمـسِـهِ
مُـنفردًا بالفـكرِ عـن صُـحبهِ .. مُستوحِشًـا بالإنْـسِ مــن أُنـسه
مُـنفردًا بالفـكرِ عـن صُـحبهِ .. مُستوحِشًـا بالإنْـسِ مــن أُنـسه
أصبحَ لا يألـفُ خِــلاً ، و لا .. يَصحبُ شخصًا ليسَ من جنسِهِ
و لا يـريدُ الليثُ فــي غـَابـه .. مـِن مـؤنـسٍ فـيه سـوى نـفـسهِ
من العيوب التي هي نتيجة مباشرة لهذه الصفة هي ( الحياء ) بما أن هذا الشخص يكره أن يطلع الناس على خصوصياته و يفضل الاحتفاظ بها داخل نفسه ، فهو يتوقع أن يكون الناس كذلك ، لذلك يكون من السهل عليه التواصل بالمناسبات الاجتماعية حيث السلام و السؤال فقط ، لكنه يتحرج من السؤال عمّا يمس خصوصيات الطرف المقابل و إن كانت خصوصيات بسيطة مثل اسمه الكامل أو عنوان سكنه و إن حصل على الشجاعة و سأل فهو يكتفي بالقليل من المعلومات و لا يتعمق كثيرًا فيها .. يعني من الطبيعي عندما تسأله مثلاً عن عنوان صديق مشترك يجاوبك بـ : ما أدري ! أو ما سألته أو شدراني .
نتيجة الواقعية التي يتمعتون بها ، كثير من تصرفاتهم تكون غير مفهومة لمن يراها ، لأن الابن الأوسط لا يحصل على التدليل كالبكر أو الأصغر فهو الوحيد الذي يرى الصورة الكاملة بشكل واضح ، و يضع كل شيء في موضعه الصحيح ، يعني يتعلم منذ طفولته أن الحياة ليست عادلة و أنه لا يمكن أن يحصل على كل شيء بمجرد تمنيه ، و أن عليه في غالب الأحيان أن يعتمد على نفسه للحصول على ما يُريد ، بسبب هذا الشيء في أحيان كثيرة تكون تصرفاته غير مبررة أو غير مفهومة لغيره و لكنها من وجهة نظره سليمة و صحيحة فهو لا يرى هذا ( التصرف ) كفعل و انتهى ، بل يراه كوسيلة توصله لما يريد ، أوضح مثال :
في السبعينات تم قبول بيل غيتس في احدى أفضل الجامعات بالعالم و هي ( هارفارد ) و في تخصص نادر و هو ( الرياضيات ) و بعد أقل من سنتين ترك الجامعة في تصرف لم يكن مفهومًا لأغلب الناس بما فيهم أسرته !
الوحيد الذي عرف معنى هذه الخطوة هو ( بيل غيتس ) الذي أنشأ في نهاية تلك الحقبة ( مايكروسوفت ) ليتربع على قائمة أغنى رجال العالم لسنوات بعد أن ظن الكثيرون أن مستقبله انتهى بتركه للجامعة. أيضًا من العيوب التي تكون نتيجة لهذه الواقعية هي ضعف روح المغامرة عند أبناء الوسط ، فالمثل الكويتي القديم ( عتيج الصوف و لا جديد البريسم ) هو دستورهم حيث أن القديم المضمون أولى بالاحتفاظ به من الجديد المجهول .و من العيوب أيضًا أن الابن الاوسط سريع الملل ، فكثير من تصرفاته رغم أنه يعلم نتيجتها النهائية إلا أن ملله و حبه للتغيير يدفعه لتركها بمنتصف الطريق ، فكثيرا ما ترتد تلك التصرفات عليه بصورة عكسية تؤثر عليه .. ليس كل الناس " بيل غيتس " !
فمن الطبيعي أن ترى الابن الأوسط في كثير من الأحيان يقول :
- لا احد يفهمني .
أو .
- لا أحد يستمع لما أقول .
و لكن من أفضل مميزاتها هي ( المرونة ) ، كما يقول نيكولا ميكافيللي " الناس يحبون بإرادتهم الحرة ، و لكنهم يخافون برغبة الأمير "يعني أنهم يملكون القدرة على ابراز ذاتهم و خصالهم ، و في نفس الوقت مراعاة رغبات الغير بما يحقق التوازن المطلوب .
هناك تعليقان (2):
انت شخص مبدع :) ماشاء الله
وفعلا انا اعرف وحده اهي الوسطيه ودايما كلامها جذي محد يفهمني كله ظالميني محد يسالني عني ومن هالكلام
وظليت تعيد نفس الكلام لما تزوجت
الحمدلله اني الاخيره مو الوسطيه :)
makintosh ،،
المسألة مجرد " simple science " مع تجربة شخصية .. :)
و التجربة خير برهان .. :)
إرسال تعليق