من دروس عاشوراء [5]
.
«اليوم اُقتل وتقتلون كلّكم معي، ولايبقى منكم أحد ..» هذا ممّا قاله الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه صبيحة العاشر من المحرم، وحين بدأت سهام القوم تقبل عليهم قال عليه السلام لأصحابه «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه، فإن هذه السهام رُسل القوم إليكم».
.حين يفكر شخص ما بالثورة فإن أسباب هذه الثورة تكون موجودة، وقيامه هو أخذ بهذه الأسباب لرفع ما يراه منها، وكلما ازداد ضغط هذه الأسباب ارتفعت وتيرة الثورة حتى تتحقق على أرض الواقع، فإذا صارت يتم محاسبتها –أي الثورة- على انجازاتها، والتي هي مقايسة ما بين الشعارات التي رفعتها وما بين ما حققته منها في الواقع، ولكن على الضفة الأخرى هناك ثورات تحدث ويتم الإعداد لها خدمة لأهداف شخصية، إنما طرحها بهذه الصيغة يصيبها وأصحابها بمقتل، فمن المستحيل على النّاس أن يضعوا أنفسهم على خط النار إذا كانت الغاية من ذلك لا تمسهم من قريب أو بعيد، وحتى يتم تفادي على الأمر تُصاغ هذه الغايات بشعارات واهية عن المُثل الإنسانية مثل العدالة والحرية والمساواة وغيرها، وهي تمثل قاسمًا مشتركًا ليس بين دعاتها المخلصين فحسب، بل ولسخرية القدر، بين جميع الطغاة والديكتاتوريات وأصحاب المصالح الشخصية في العالم.
.
هناك فرق خفي بين الاثنين، يتمثل في قدرة أصحاب الدعوة الثورية على تطبيق شعاراتهم على أنفسهم أولاً، حين تتولد هذه الثورة من اعتقاد راسخ فإن أصحابها يتماهون مع مبادئهم، ولا يكون هناك إنفصال ما بين (سلوكهم) و(شعاراتهم) وعلى عكس الصنف الثاني، فإن هؤلاء لا يملكون ولا يبدون الإستعداد للتحول أو التبدل أو التنازل عن أيٍّ من معتقداتهم، فضوابطهم وقواعدهم التي يرفعون راياتها لا تخسر دورها بل تمثل هوية واضحة وجودها يشكل ضرورة لألا يرى الإنسان نفسه يسير في اتجاهات مختلفة ومتناقضة في آنٍ واحد.
.في ثورة عاشوراء الحسين عليه السلام، تتباين هويتان، الأولى موقف عمر بن سعد الذي كان يصوّر خروجه لقتال الحسين عليه السلام مصلحة للأمة، وجهادًا في سبيل الله ويحرض الناس على ذلك بصيحته «يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري» وباطنها طمع بمُلك الريّ، وهوية أخرى أراد الحسين عليه السلام غرسها في وجدان الأمة لتشكل شجرة ثابتة تلقي بظلالها على السائرين في دربه مدى الحياة، تذكر التواريخ أن الأمر حين عُرض على ابن سعد رفض وتمثلت حيرته فيما يُنسب إليه من الشعر «أ أترك ملك الري والري منيتي .. أم أصبح مأثومًا بقتل حسين»، ولكنه عدَل عن موقفه وقلب الامر من الإثم إلى الجهاد في سبيل الله بمجرد أن دخلت الريّ وجرجان في المعادلة، بينما ظلت هوية الحسين عليه السلام كما هي «..ألا وإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا..»، برغم كل المغريات التي عُرضت عليه.
.
كلا الموقفين إذا تجسدا أمام الناظر لهما سيتفاجئ من وحدة الشعارات، كلاهما يدعي الحق والإيمان، وكلاهما يبشر بالجنة، وكلاهما يقول بالإصلاح، المنطق الذي يضع حدًا فاصلاً بينهما حتى لا تختلط الحقيقة بالشبهة هو السلوك الذي يستتبع ذلك الشعار، والإمتحان في الموقف، والمطابقة بينهما، في صبيحة عاشوراء أراد مُسلم بن عوسجة أن يرمي شمر بن ذي الجوشن بسهم فقال عليه السلام: لا ترمه فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال.
في نفس اللحظات رمى ابن سعد بسهم وقال: اشهدوا لي عند الامير باني أول من رمى.
.
من هنا يستظهر أمر ثورة الحسين عليه السلام، أنه أراد بها تقديم نموذج لما تكون عليه المطابقة بين الشعار والسلوك وإن أدى ذلك إلى موته ومن معه في سبيل هذا المبدأ الذي عبّر عنه المرحوم محسن أبو الحَب ببيته الخالد: «إن كان دين محمد لن يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني» الثائر الذي يخرج بقلة قليلة من الرجال، متيقن من الموت، ولا يشتري الحياة، هو ثائر يريد أن يرسم لوحة تناسب الشعار الذي يرفعه، شعار ليس كالذي يرفعه المقتاتون على موائد حاجات الناس لمصالحهم الشخصية، إنما شعار يخلق مادة ثورية تحرك الناس باستمرار وتبعث فيهم الحياة ليواجهوا التحديات على مرّ العصور، فهو يرسل صرخة يتردد صداها في كل موقف يتحيّر فيه الإنسان مما يراه وهو بين طرفين متناقضين يرفعان ذات الشعار، وهدف الصرخة أن تزوده بوسائل الحكم، ليستخلص ذلك "المُخلِص" من المتستر بلباس الإخلاص.
.
إن الإنسان هو الإنسان على مر التاريخ، احتياجاته ومطالباته واحدة، لكنها عند بعضهم تنحى منحى الأنانية فيستغلون حاجات الآخرين بضغط من رغباتهم الشخصية لدفعهم إلى تأييدهم حتى إذا ما انتصروا تنكروا لكل ما وعدوا به يومًا، أو جعلوه مفرغًا من كل معنى، وعند البعض الآخر تأخذ منحى التضحية المثالية، ويضربون بذلك مثلاً على أن سيادة العقل لا تعني في معظم الأحيان حفظ النفس وتحقيق مطالبها، فهذا دور الغريزة، إنما دور العقل يكمن في وضع المبادئ التي ترفع الإنسان إلى مستوى أن يتطلع إليه الباقين، ويستلهموا منه كيف يحييون بما يليق بإنسانيتهم.
.
الدرس الذي يضربه هذا الإقدام على الموت دون محاولة دفعه، هو أن الإنجاز الذي يبحث عنه هذا الثائر الحقيقي ليس من سنخية الإنجازات التي يبحث عنها من يدعي نفس المبادئ، وعينه مشخصة نحو النفع الذي ينتظره، لأن ما نتصوره تهلكة يكون لمن يربط انجازه بذاته، فإذا ذهبت ذاته ذهب انجازه، بينما ذلك الذي يبحث عن انجاز للبشرية جمعاء هو الذي يرى في موته، في سبيل ذلك، حياةً له، وبذلك يكون هو من يضع المعنى للشعار، لا الشعار من يعطيه المعنى.
.
«وانهزم الحسين في كربلاء وأصيب هو وذووه من بعده ولكنه ترك الدعوة التي قام بها مُلك العباسيين والفاطميين وتعلل بها أناس من الأيوبيين والعثمانيين، واستظل بها الملوك والامراء بين العرب والفرس والهنود، ومثل للناس في حلة من النور تخشع لها الأبصار»*وللحديث – إن شاء الله – بقية بجزئه الأخير.
.حين يفكر شخص ما بالثورة فإن أسباب هذه الثورة تكون موجودة، وقيامه هو أخذ بهذه الأسباب لرفع ما يراه منها، وكلما ازداد ضغط هذه الأسباب ارتفعت وتيرة الثورة حتى تتحقق على أرض الواقع، فإذا صارت يتم محاسبتها –أي الثورة- على انجازاتها، والتي هي مقايسة ما بين الشعارات التي رفعتها وما بين ما حققته منها في الواقع، ولكن على الضفة الأخرى هناك ثورات تحدث ويتم الإعداد لها خدمة لأهداف شخصية، إنما طرحها بهذه الصيغة يصيبها وأصحابها بمقتل، فمن المستحيل على النّاس أن يضعوا أنفسهم على خط النار إذا كانت الغاية من ذلك لا تمسهم من قريب أو بعيد، وحتى يتم تفادي على الأمر تُصاغ هذه الغايات بشعارات واهية عن المُثل الإنسانية مثل العدالة والحرية والمساواة وغيرها، وهي تمثل قاسمًا مشتركًا ليس بين دعاتها المخلصين فحسب، بل ولسخرية القدر، بين جميع الطغاة والديكتاتوريات وأصحاب المصالح الشخصية في العالم.
.
هناك فرق خفي بين الاثنين، يتمثل في قدرة أصحاب الدعوة الثورية على تطبيق شعاراتهم على أنفسهم أولاً، حين تتولد هذه الثورة من اعتقاد راسخ فإن أصحابها يتماهون مع مبادئهم، ولا يكون هناك إنفصال ما بين (سلوكهم) و(شعاراتهم) وعلى عكس الصنف الثاني، فإن هؤلاء لا يملكون ولا يبدون الإستعداد للتحول أو التبدل أو التنازل عن أيٍّ من معتقداتهم، فضوابطهم وقواعدهم التي يرفعون راياتها لا تخسر دورها بل تمثل هوية واضحة وجودها يشكل ضرورة لألا يرى الإنسان نفسه يسير في اتجاهات مختلفة ومتناقضة في آنٍ واحد.
.في ثورة عاشوراء الحسين عليه السلام، تتباين هويتان، الأولى موقف عمر بن سعد الذي كان يصوّر خروجه لقتال الحسين عليه السلام مصلحة للأمة، وجهادًا في سبيل الله ويحرض الناس على ذلك بصيحته «يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري» وباطنها طمع بمُلك الريّ، وهوية أخرى أراد الحسين عليه السلام غرسها في وجدان الأمة لتشكل شجرة ثابتة تلقي بظلالها على السائرين في دربه مدى الحياة، تذكر التواريخ أن الأمر حين عُرض على ابن سعد رفض وتمثلت حيرته فيما يُنسب إليه من الشعر «أ أترك ملك الري والري منيتي .. أم أصبح مأثومًا بقتل حسين»، ولكنه عدَل عن موقفه وقلب الامر من الإثم إلى الجهاد في سبيل الله بمجرد أن دخلت الريّ وجرجان في المعادلة، بينما ظلت هوية الحسين عليه السلام كما هي «..ألا وإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا..»، برغم كل المغريات التي عُرضت عليه.
.
كلا الموقفين إذا تجسدا أمام الناظر لهما سيتفاجئ من وحدة الشعارات، كلاهما يدعي الحق والإيمان، وكلاهما يبشر بالجنة، وكلاهما يقول بالإصلاح، المنطق الذي يضع حدًا فاصلاً بينهما حتى لا تختلط الحقيقة بالشبهة هو السلوك الذي يستتبع ذلك الشعار، والإمتحان في الموقف، والمطابقة بينهما، في صبيحة عاشوراء أراد مُسلم بن عوسجة أن يرمي شمر بن ذي الجوشن بسهم فقال عليه السلام: لا ترمه فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال.
في نفس اللحظات رمى ابن سعد بسهم وقال: اشهدوا لي عند الامير باني أول من رمى.
.
من هنا يستظهر أمر ثورة الحسين عليه السلام، أنه أراد بها تقديم نموذج لما تكون عليه المطابقة بين الشعار والسلوك وإن أدى ذلك إلى موته ومن معه في سبيل هذا المبدأ الذي عبّر عنه المرحوم محسن أبو الحَب ببيته الخالد: «إن كان دين محمد لن يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني» الثائر الذي يخرج بقلة قليلة من الرجال، متيقن من الموت، ولا يشتري الحياة، هو ثائر يريد أن يرسم لوحة تناسب الشعار الذي يرفعه، شعار ليس كالذي يرفعه المقتاتون على موائد حاجات الناس لمصالحهم الشخصية، إنما شعار يخلق مادة ثورية تحرك الناس باستمرار وتبعث فيهم الحياة ليواجهوا التحديات على مرّ العصور، فهو يرسل صرخة يتردد صداها في كل موقف يتحيّر فيه الإنسان مما يراه وهو بين طرفين متناقضين يرفعان ذات الشعار، وهدف الصرخة أن تزوده بوسائل الحكم، ليستخلص ذلك "المُخلِص" من المتستر بلباس الإخلاص.
.
إن الإنسان هو الإنسان على مر التاريخ، احتياجاته ومطالباته واحدة، لكنها عند بعضهم تنحى منحى الأنانية فيستغلون حاجات الآخرين بضغط من رغباتهم الشخصية لدفعهم إلى تأييدهم حتى إذا ما انتصروا تنكروا لكل ما وعدوا به يومًا، أو جعلوه مفرغًا من كل معنى، وعند البعض الآخر تأخذ منحى التضحية المثالية، ويضربون بذلك مثلاً على أن سيادة العقل لا تعني في معظم الأحيان حفظ النفس وتحقيق مطالبها، فهذا دور الغريزة، إنما دور العقل يكمن في وضع المبادئ التي ترفع الإنسان إلى مستوى أن يتطلع إليه الباقين، ويستلهموا منه كيف يحييون بما يليق بإنسانيتهم.
.
الدرس الذي يضربه هذا الإقدام على الموت دون محاولة دفعه، هو أن الإنجاز الذي يبحث عنه هذا الثائر الحقيقي ليس من سنخية الإنجازات التي يبحث عنها من يدعي نفس المبادئ، وعينه مشخصة نحو النفع الذي ينتظره، لأن ما نتصوره تهلكة يكون لمن يربط انجازه بذاته، فإذا ذهبت ذاته ذهب انجازه، بينما ذلك الذي يبحث عن انجاز للبشرية جمعاء هو الذي يرى في موته، في سبيل ذلك، حياةً له، وبذلك يكون هو من يضع المعنى للشعار، لا الشعار من يعطيه المعنى.
.
«وانهزم الحسين في كربلاء وأصيب هو وذووه من بعده ولكنه ترك الدعوة التي قام بها مُلك العباسيين والفاطميين وتعلل بها أناس من الأيوبيين والعثمانيين، واستظل بها الملوك والامراء بين العرب والفرس والهنود، ومثل للناس في حلة من النور تخشع لها الأبصار»*وللحديث – إن شاء الله – بقية بجزئه الأخير.
- في جامع الأحاديث، عن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا.____________
* عباس العقاد، أبو الشهداء، ص122.
هناك 4 تعليقات:
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
لا فض فوك يا بو حسين ,, و ناطرين التكملة :)
مأجور :)
عظم الله أجرك مولى سفيد
عنوان الموضوع:
شطر من بيت لقصيدة آمنت بالحسين (ع) لمحمد مهدي الجواهري رحمه الله، ومنها:
فنورت ما اظلم من فكرتي.. وقومت ما اعوج من اظلعي
وامنت ايمان من لا يرى ..سوى العقل في الشك من مرجع
بان الاباء ووحي السماء.. وفيض النبوة من منبع
تجمع في جوهر خالص ..تنزه عن عرض المطمع
==
|:|DUBAI|:|،، Don Juan،، الغائب/الحاضر Maximilian
آجركم الله،
شكرا
إرسال تعليق