وحيدًا .. يأبى الاجتماع، يسير بهدوء وكأنه لم يخلق للدنيا ولا هي خُلقت له، يقطع غابات النخيل بصمت، ويدفن في تربتها الحمراء أنينه المستمر.
هطلت دموع السماء، نزلت قطرات، وتحولت إلى نهر حفر طريقه بالحزن والشجن، تسكن الضباع "حويجاته".. يمضي صابرًا .. ومن بطنه يُطعم السكان حوله وعلى ضفافه يتباطئ .. يسمع شكواهم .. يناجونه .. يضم نجواهم لصدره .. ويكتم آهاته العبرى في قلبه .. ويسير..
مع مطلع كل يوم، تعير الشمس أشعتها له، يصبغ بها صفحته الزرقاء، تظهر رقراقة، وبكل جبروتها تبدو منكسرة. .. يبحث عن غابة نخيل جديدة، يتوارى خلفها .. يقطع نفسه قطعًا خفية عن أعين الناس ..ويبث روحه تجاه ذلك «البحر» .. يزوره كل يوم .. يجد فيه السلوى .. يعلم أنّ همومه .. وما يحمله .. تصل عنده .. سيعالجها ويتكفل بها .. سيحنو على أصحابها .. وبقلبه الكبير .. سيجد مكانًا لهم كلهم ..
يرى «بحر النجف» .. تستقبله أشعة النور المنعكسة من القبة البيضاء.. يطأطئ الرأس .. يدخله منكسرًا .. .. ينساب برويّة .. يثني ركبتيه .. ويشكو دهره .. لمن شكى من صبره الدهر!
كم أغبط هذا .. الـفـرات.. يصل إليه كل يوم ..
.. يسليه بوحدته .. التي طالت ..
وحيدًا .. تؤلمه الصباحات وهو يرى تراثه نهبًا، فيسدل ثوبه عنها، ويطوي عنها كشحًا، ويصبر و"في العين قذى، وفي الحلق شجًا على طول المدة وشدة المحنة" [1]، ولا من معين ..
وحيدًا .. " وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضـاً على لحيته، يتململ تململ السـليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقـول: يا دنيا غري غيري.. إليّ تعرضت أم إليّ تشوقت؟
هيهات هيهات!
قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها. فعمرك قصير، وخطؤك حقير.
آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق." [2]
وحيدًا .. كصباحٍ تاه بين قطع الليل المظلم، منحيًا، يحثو على قبر حبيبته التراب، ولا مُعزٍّ أو ناصر، يناجي أبيها بالآلام: " أما حزني فسرمَدٌ، وأما ليلي فمُسهّدٌ، إلى أن يختارَ الله لي دارك الّتي أنت بها مقيم. وستنبئك ابنتك بتضافر أُمتك على هضمها، فأَحْفها السُّؤال، واستخبرها الحال.
هذا ولم يطل العهدُ، ولم يخل منك الذِّكرُ، والسلام عليكما سلام مُوَدِّع، لا قالٍ ولا سئم، فإن أنصرفُ فلا عن ملالة، وإنْ أُقِمْ فلا عن سوء ظنٍّ بما وعَدَ الله الصابرين "[3]
وحيدًا .. استضعفه القوم، وتناهشوا أمره، وكادوا يقتلون، نهض بهم "فنكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول : {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين} بلى والله لقد سمعوها و وعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها"[4] ..
وحيدًا .. ضاع بين جهال. يصيح فيهم أسفًا: "لله أنتم! أ تتوقعون إمامًا غيري يطأ بكم الطريق، ويرشدكم السبيل؟"[5].. ولا من مجيب .. أو معتبر ..
وحيدًا .. يرى نفسه كنخلة أجدب ما حولها، باسقة تؤتي ثمارها، فتلتقطها الأرض الجرداء، لتواسيها عن عزوف الناس عنها.." أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذوالشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة، وأُبْرِدَ برؤوسهم إلى الفجرة؟"[6]
وحيدًا .. يضمّه الباب .. يأبى رحيله .. يلف أذرعته حوله .. ويقطع حزامه .. فينحلّ مئزره .. يخاطب الباب " اشدد حيازيمك للموت.. فإنّ الموت لاقيكَ
ولا تجزع من الموت .. إذا حلّ بناديكا.."
وحيدًا .. في المحراب .. يناجي ربه ..يطلبه .. فيرحل إليه .. مخضبًا بدمائه ..
وحيدًا .. "أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة"[8] ..
وحيدًا .. يجرف بسيل صبره .. نشارة همومنا ..
السلام عليك يا أبا اليتامى والمساكين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نهج البلاغة الخطبة الثالثة، المعروفة بالشقشقية.
[2] بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ج6.
[3] نهج البلاغة الخطبة 200.
[4] نهج البلاغة ص 56.
[6] نقس المصدر أعلاه.
[8] صحيح البخاري، ح 3965.
هناك 15 تعليقًا:
عظّم الله لكَ الأجر أيها الأبيض،
علي نسخة مفردة لا تتكرر أبداً .. ولا تكرار لها،
السلام عليكَ يا أبا الحسنين ..
السلآم عليك يآ مولآي ،
عظم الله لك الأجر ، و طيب الله أنفآسك
أحسنت على البوست أيها المبدع
مأجورين بمصاب الكرار
السلام عليك ياوليالله
السلامُ عليك يا أوّل مظلوم. سيـدي، فُزتَ و رب الكعبة. عليك مني السّلام دائمًا أبدًا سرمدا، يا معجزة الرسول (ص) الخالدة... {وفي ذلك فليتنافس المُتنافسون}.
عظّم الله أُجورنا وأجوركم.
المُهاجر
السلام عليك يا أسد الله الغالب يا مولاي يا علي بن ابي طالب
عظم الله اجورنا و اجوركم
مااعظم هذه الليالي المباركة
وهي ليلة خير من الف شهر
ومايتخللها هو ذكرى استشهاد وصي رسول
الله صلوات الله عليهم اجمعين
فاجعة مابعدها فاجعة وانا هنا اعزيكم
بهذا المصاب الجلل
تهدمت والله اركان الهدى
ماجوريين
وحيدًا .. ضاع بين جهال. يصيح فيهم أسفًا: "لله أنتم! أ تتوقعون إمامًا غيري يطأ بكم الطريق، ويرشدكم السبيل؟"[5].. ولا من مجيب .. أو معتبر ..
عظم الله لك الأجر
عظم الله لك الأجر في ابانا امير المؤمنين (ع)
لا يسعني التعليق على ما كتبت ..
فعلي (ع) .. عاش وحيداً .. و استشهد وحيداً ..
سلام الله عليها .. كان يندب نفسه !!
آجركم الله جميعًا.
"تيتّمنا بـ فقدك يا أمير المؤمنين"
عظم الله أجورنا و أجوركم ..
رزقنا الله في الدنيا زيارتهم و في الآخرة شفاعتهم ..
عظم الله اجورنا و اجوركم..
السلام عليك يا ولي الله
عظم الله الأجر لك ولنا ولصاحب العصر والزمان
يعطيك العافية على هذا البوست
ومأجور إن شاء الله
مأجورين جميعًا.
شكرا
كل عام وانت بالف خير تقبل الله منا ومنكم
إرسال تعليق