5 يناير 2011

قصة قصيرة

بالتأمّل تُكتسب الحكمة.

بقلّة التأمل تضيعُ الحكمة.

من عرف هذا السبيل المزدوج للتقدم والرجعة،

فعليه أن يضع نفسه حيث تنمو الحكمة.*

مهلاً، ليست هذه القصة! إنما مجرد توطئة للآتي:

حدثني أحدهم مرة:

في غمرة الأحداث بالثمانينات، وفي ظل القمع الذي كان يُمارس بشدة، لدرجة خروج الشاب من بيته وهو لا يعلم هل يبيت ليلته في سريره أم بـ«فندق السعادة»، أصبحت المداومة على المساجد أو الحسينيات تهمة من لا تهمة له.

ومع تزايد وتيرة تلك الأحداث، وما حصل فيها، بدأت الملاحقات الأمنية، وتدخلات رجال الأمن والقوات الخاصة تكثر، لدرجة أنها أصبحت لا ترى بأسًا في تحويط المساجد أثناء الصلاة يوم الجمعة ومنع المصلين وفضهم، واعتقال من تشاء منهم وفي أحيانٍ كثيرة تكتفي بملاحقتهم ومراقبتهم دون سبب أو داع لمجرد زرع الرهبة وزيادة في القمع الأمني مزامنة مع العزل الإجتماعي الذي مورس بشدة أسوء من ذلك القمع بكثير.

ويمضي متحدثًا:

بعد ما جرى في مسجد الإمام الحسين –عليه السلام-، حيث مُنع المصلون والرواد وباتت هناك تهمة في القانون اسمها الصلاة في هذا المسجد! أصبح القرار أن يتم الإعلان عن مسجد صباح كل الجمعة ونشر الإعلان بين الشباب والرجال من كافة التيارات والإتجاهات على اختلافها ليتوجه له المصلون بكثافة، لمباغتة قوات الأمن قبل أن تفرض حصارها على المسجد، كنوع من الرفض لما يحدث، وتسجيلٍ لموقف ثابت قبال ما يجري، وفي تحد مباشر لكل أوامر القمع التي وصلت لمنع الناس من ارتياد المساجد، واعتقال المصلين ومداهمة منازلهم بلا مراعاة لحرمة البيوت الآمنة.

وقع القرار في إحدى الجمع أن تكون الصلاة في مسجد مقامس بمنطقة الرميثية، بإمامة الشيخ محمد نجم الدين الطبرسي.

وهو العالم العرفاني الذي انشغل عن الدنيا بعبادته، وروحانيته، ونورانيته التي يبثها أينما حلّ، لم تسحبه السياسة، ولم تجذبه الدنيا، ولم تطرا على لسانه كلمة لها علاقة بكل ما يجري، فهو يعيش في عالمٍ ارتقى حتى بات كل شيء دونه مجرد ازعاج يلوّث الأحياء.

أكمل قائلاً:

وامتلئ المسجد يومها حتى غص بالمصلّين، حضر الشيخ، أذنّ المؤذن فصلّى الإمام بالمأمومين، وما أن انتهت الصلاة حتى قام وإلتفت ناحية المصلين، ولم يكن ذلك من عادته:

« ... هذا الجلوس وهذا الاجتماع هو مثل جلوس الأرنب بجانب الثعلب، واجتماع الأسد مع الغزال، في سفينة نوح –عليه السلام- ... »

سأنهي الحكاية هنا لغاية في نفسي.

وأعتذر لأنني نقلتها بـ(المعنى) أو (المضمون)، فقد نسيت الكثير من التفاصيل لتقادم الزمان على سماعي إيّاها.

لا أعلم ما الذي جعلها ترن في أذني منذ ليلة رأس السنة، وأنا أهملها لقلة الوقت، وزحمة الأشغال حتى خبت صوتها، ورجعت خائبة لكهفها في الذاكرة لتكمل بياتها الأبدي.

اليوم أوقظتها على عجل واستدعيتها فأتت لي عرجاءَ منقوصة تلملم طرفًا هنا وتنسى آخر هناك، وكأنها تقول: اليوم؟ وقد انطفأ بريقي واعوج عودي!

هذا لعله من المواضيع القليلة التي لن أسهب بالتحليل والحديث فيها، والسبب بسيط فالحكايات لا تأتي وبطاقة تعريف على صدرها، لتخبرك بالمغزى منها، أو تحدد لك ما تستنتجه وتستخلصه من فوائدها، فلكل شخص تصوراته، وهذه التصورات هي التي تحدد الإطار الذي يريد رؤية العالم من خلاله.

ولهذا الأمر لا أريد رسم طريقٍ يجعلك بـ«الإجبار الناعم» –كقارئ / قارئة- تصل إلى المعاني المستترة التي وصلتُ لها أنا، أو إلى التفسير النفسي الخاص بي لها.
قد تتساءل: لماذا ذكرتها إذًا؟
الجواب: حتى أتخلص من شعور (الإتهام بخطف مفتاح المعرفة)** الذي بات يزعجني.
واسمح لي أن أطلب منك، أن تتأمّلها حتى تجد تفسيرك الخاص لها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*بوذا، كتاب الداماباد.

** انجيل لوقا، الاصحاح 11:
«الويل لكم أيها الناموسيون، فإنكم خطفتم مفتاح المعرفة فلا دخلتم، ولا جعلتم الداخلين يدخلون»




هناك 23 تعليقًا:

Seldompen يقول...

قد ضيَقوا كل السبل ..

بكم هنـاك .. وبنا هنا ..

ما التهمة التي أقترفناها بحقهم !

فقط لأننا نسير إلى حيث الصراط المستقيم ..

" اللهم عجَل لوليك الفرج , وأحلل الأمن والأمان على الدنيا "

=)

شكراً لك ..

Yang يقول...

ذكرتني بما مضى....

في هذه الأوقات كنت مع أخي الأكبر ذاهبين لزيارة أقارب لنا، ولسوء الحظ بأن سيارة أخي تعطلت ( مقابل منطقة الأندلس ) فإضطر للذهاب لأقرب بيت للإتصال بصديق لإحضار الاشتراك ( BOOSTER ) لتشغيل السيارة.

وكنت منتظرا في السيارة لحضور أخي وتصليحها، وقفت لي سيارة وترجل قائدها مقدما خدماته.
فقلت له بأن أخي ذهب لإحضار المعونة وشكرته.
ولم أبالي بعدها حتى حضر أخي وصديقه وتم إصلاح السيارة وذهبنا في طريقنا.

وفي نفس الليلة ( 1 فجرا ) بينما أنا جالس في الديوانية أشاهد التلفاز سمعت طرقا على الباب وبشدة.

فتحت الباب وإذا بمجموعة من الرجال دخلوا فجأة ووضعوا الكلبجات في يدي ( كان عمري أثنائها 14 عام )
سألتهم من أنتم وماذا تريدون؟؟
فأجابوا نحن مباحث.
فسألتهم هل لديكم أمر بدخول منزلنا ( كنت اشوف أفلام وايد وأدري لازم امر من النيابة لدخول منزل :)
فأجابوا نعم ولا تكثر بالكلام، أين أهلك, فقلت الكل نائم.

دخلوا على والدي ووالدتي ( رحمهم الله )غرفة نومهم وأخي الكبير مع زوجته أيضا غرفقتهم وأخرجوا الجميع مقيد بالكلبجات ( كنا 11 فرد بين رجال ونساء ).

القصة طويلة وانا جدا مختصرها.


والسؤال هنا لماذا إقتحام منزل آمن وإخراج الجميع رجالا ونساء مكلبجين؟؟؟

لقد كان بسبب السيارة فقلد اشتبهوا بوقوفها على الشارع.

القصة حقيقية وأنا كنت بطلها لأنني أول واحد تحدث مع الضابط عندما عرض خدماته وأخذ يترقب السيارة وكذلك عندما فتحت لهم الباب.

من يومها إلى يومك ما أفتح الباب بعد 10 بالليل :)

panadool يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
Salah يقول...

أتمنى أن تغير رأيك وتذكر لنا شيء من تفسيرك لها...

تحياتي

غير معرف يقول...

عزيزي سفيد

علينا هالسوالف

ما تدري ليش تذكرت كلام الشيخ الحين ! أكيد حلمان بأسود وغزلان وثعالب وأرانب بوسط الديرة
:)
على فكرة أنا شفت نفس الحلم الليلة على اليوتيوب

أو بالأحرى نفس الكابوس

وعلى طول تذكرت سيد زيان عندما كان يسخر من شعبه في إحدى المسرحيات

وأما بالنسبة لإسقاط كلام الشيخ على صورة الثمانينات

فهذه ليست للنشر حاليا

دمت بود

أحمد محمدي يقول...

ليس لدي اي تعليق على الموضوع
لقد ذكرتَ المقدس نجم الدين الطبرسي لتعانقت مع السرحان ..

Ahmed.K.A يقول...

هنيئاً لك يا سفيد ..

فأنت تغرّد خارج السرب بلحن جميل .. و لكن يكتنزه الغموض

لا تبخل علينا برؤوس الأقلام بين حين و آخر .. فهي تحوي ما لا تحويه المقالات المتوزعة هنا و هناك ..

بوركت :)

Safeed يقول...

seldom،،
لكل شيء ثمنه،
وثمن (الوعي) أكبر من ثمن
أي شيء آخـر.
لولا اليقين، لترحمت على "هيغل" حين قال:
تعلمت من التاريخ، أن الناس لا يتعلمون منه!
رغم أنه يتكرر بنفس الاحداث، ولكن يختلف
ثالوث الزمان – المكان – المقام.
آمين،
شكرا.

====
Yang،،

يعني طلعت من أصحاب السوابق :)؟
التجارب على مرارتها، تقدم اكسير علاجها مستقبلا
ولكن من يتعلم من التجارب؟
شكرا

====
Panadol،،

أمّا أنا، فلا أرى وقتًا أنسب وأفضل من هذا الوقت.
للأسف، أنه رغم التوطئة التي ذكرتها قبل الحكاية،
فإن الذهن انصرف إلى الحكاية نفسها وهي شيء فرعي، وتُرك المغزى منها وهو الأصل.
يمكن أن يُستفاد من هذا أن (ذهول اللحظة) يستولي على الإنسان،
حتى يسلبه النظر لحقيقة الموقف.
لذا تجارب البشر بطيئة النمو، لأنهم قليل ما يلتفتون إلى تشابه
(لحظاتهم) مع من مضى بفعل انذهالهم بها.
شكرا لك صديقي العزيز،
وثق بأن المعنى هو من يعطي الغرض للتوقيت، لا العكس.
تحياتي لك

Safeed يقول...

Salah،،
في هذه الحالة أكون قد نقضت ما قلت.
كل الحكاية مجرد توطئة، لمغزى عظيم، قاله رجل
قدر ابتعاده عن الدنيا، قدر ما اكتشف تفاهة ما يجريه البشر فيها،
وقلة تعلمهم من التاريخ، وممن سبقهم من الماضين.
كل الحكاية ذكرتها لأصل لكلمة الشيخ وهي لبّ القصة،
ومنها يخرج المغزى :)
على كل حال، هذا (الموضوع) مستسقى من معانيه،
رغم أنه بحاجة لمزيد من التحرير بعد المستجدات الأخيرة.
اترك كل ما ذكر، وانظر لمّا لوّن فقط.
شكرا :)
====
غير معرف،،
أحسنت، أحسنت.
وضعت رجلك على الدرجة الأولى، وبقي عليك صعود السلّم.
فرضت الظروف أن يجلس الأرنب بجانب الثعلب،
ولكن هل يجلس الأرنب والثعلب معًا اليوم؟
الثمانينات انتهت، لكنها قدمت دروسًا وعبر،
يبدو أن لا أحد يريد الاستفادة منها،
ولا استحضارها لفهم الحاضر.
وما أشبه الليلة بالبارحة!
شكرا.

====
أحمد محمدي،،
في الرواية: المؤمن ينظر بنور الله – عز وجل -.
ولكن دائما مصير الناظرين، كزرقاء اليمامة!
شكرا
====
Ahmed.K.A،،
أصعب ما على الرجل هو الكتابة رؤوس الأقلام،
فكم من فائدة جلية تذهب مع الريح لأن طبيعة المجتمع
أن تهمل الرأس، وتنظر للقلم!
وهكذا ضاعت ((دلالة)) و((رمزية)) كل كلمة
قالها هذا العبد الصالح الذي كشف عن بصره
فرآى الأمور على واقعها.
محدثي أكمل الحكاية، وبيّـن لي مدى
عمق الكلمة التي قيلت في تلك اليوم،
ولم يعوها إلا بعد سنوات!
وتعمدت ألا أذكر هذا لأرى
كيف سيتم التفاعل معها.
شكرا.

Mohammad Al-Yousifi يقول...

ما كملت ؟ ما فهمت

الحــــر يقول...

تعودنا على تفسيراتك الحكيمه لكن بنفس الوقت اضن هذا الموضوع بالذات كنت لازم تخليه لمخيله القارىء يعني بالحالتين اصبت

تحياتي يالحكيم
:)

MoonFaCe يقول...

... هذا الجلوس وهذا الاجتماع هو مثل جلوس الأرنب بجانب الثعلب، واجتماع الأسد مع الغزال، في سفينة نوح –عليه السلام- ... »

عبارة مخيفة و مطمئنة في نفس الوقت. الله يحفظ الشيخ الطبرسي.

ترانيم العشق يقول...

أرى أن حكايتك العرجاء الحكيمة تضمنت ذلك الاجبار الناعم الذي أردت الابتعاد عنه أو ربما لفت الأنظار إليه
فقد انتهت بسفينة نوح.. أين نجد السفينة اليوم
وإن وجدناها هل نجتمع فيها متناسين كل قديم وجديد
لمواجهة الطوفان الذي نوقن بقدومه
رغم صعوبة تلك الأيام فهي تحمل شيئاً من الصفاء والنقاء مايجعلنا نحنّ لها
علّ التاريخ يعيد نفسه

غير معرف يقول...

نسيت أقولك إني شفت بالحلم أو الكابوس إياه على اليوتيوب بعض الثعالب وهي تشمّخ الأرانب على الخفيف ، والأرانب تضحك علبالها تدلدغ

غير معرف يقول...

من متابعتي للوضع الحالي بالداخل والخارج ارى بما لا يدع مجالا للشك اننا سوف نركب سفينة نوح مره اخرى ولكن الاختلاف بين سفينة الثمانينات والسفينه المستقبليه هو الفارق التكنلوجي والوعي والمستوى التعلمي والعلمي لدى عامة الناس


وعندها سنعيش اجواء الآيه القرآنيه التي تقول " كمثل الحمار يحمل اسفارا"

Safeed يقول...

ma6goog،،

يبدو انّ باقي القصة سأضطر لكتابته
:)

====

الحـــر،،

ومع فهذا فما سلم من التفسيرات السلبية، والخاطئة.
لعلّ ذلك يشرح بعضًا من الاختلاف الذي يحصل في هذه الدنيا.

شكرا

====

CoConUt ،،

للأسف، أنّ يومها وإلى هذا اليوم
لم يستوعب المعنيون كلمته جيّدًا.
قدر الحكمة أن تضيع في بحار الناس.

شكرا

=====

ترانيم العشق،،

سيعيد نفسه بلا شك، إن لم يكن قد أعاد.
يعيش الناس في (اللحظة) ولا يفكرون بما بعدها.. رغم أنّها تكرار لما سبق حدوثه.
الرمزية التي تمتع بها هذا السطر قليل الكلمات، جعلتهم يغفلون عن المعنى العميق الكامن فيه.

شكرا

====

غير معرف،،

ويبدو أنها لا تزال لا تريد استيعاب الوضع.
شكرا

====

غير معرف،،

هي الحياة ما بين ركوب ونزول،
الفارق نحن من نصنعه لا الظروف،
ومع هذا فإنّ الغالبية أصمّوا آذانهم،
وانجرفوا مع الشعارات ولم يتعب احدهم نفسه ليرى
حقيقة ما يرفعه من شعار.

شكرا.

|:| DUBAI |:| يقول...

لا اله الا الله : ) العجل !

حلم جميل بوطن أفضل يقول...

طاعة ولي الأمر

Safeed يقول...

|:|DUBAI|:|،،

قريبا كلمح البصر إن شاء الله
:)

====

حلم جميل بوطن أجمل،،

هذه أُلزمك بها .. :) ..
وأرجو أن أكون من مطيعي
ولي الأمر صلوات الله وسلامه عليه :)

حلم جميل بوطن أفضل يقول...

أفا ؟؟

ما تشوف العم و صحفه شتقول :)

بل أنا ألزمك بخطابات و تبريرات المعمم و مقولة رئيسة رابطة المشجعات مع خالص التقدير و التبجيل لشخصكم الكريم عما قالته في حقك و حق الشعب الكويتي

Safeed يقول...

حلم جميل بوطن أجمل،،

أفا!!؟

ما هقيتها تطوف عليك، خصوصا وإنت عارف بمبدأ (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) .. وخطاب المذكورين، يلزم المخاطَبين (بالفتح) .. خصوصا اللي يدعون انهم اصحاب مبدأ .. اللي يلزمهم بهالشي :)

بس حلوة كلمة العم .. لكن ذكرني منو اللي تنقاله هالكلمة؟

حلم جميل بوطن أفضل يقول...

بالضبط

ما هو مبدأ العم محمود حيدر :)

و ما هو مبدأ أصحاب الخواتم الذين يقتاتون على أمواله

بإنتظار الإجابة !

Safeed يقول...

حلم جميل بوطن أفضل،،


عليك أن تسأل من يسمي بومهدي بـ(العم)، لأن هذه الثقافة (ثقافة العمام) ليست من شيم أصحاب الخواتم، وأظن أن نظرة بسيطة تظهر من يستعملها لوصف رموزه (طبعا بحسب قياسك للرموز) :)

أما إن شئت سؤالي أنا، فلا مانع عندي من التحدث عن (مبادئي) وأظنها واضحة لا تحب التلون، ولم تكن "متشقلبة" في يوم من الأيّام :)


شكرا :)