السلطة في إحدى مفاهيمها تعني القدرة على التأثير والإخضاع، وهي تقوم على مجموعة من الأسس والمبادئ التي تسعى إلى وضع تنظيم للعلاقة ما بين طرف يتمثل بالفئة الحاكمة، والآخر وهو الفئة المحكومة. في الأنظمة الشمولية أو الديكتاتورية تتحوّل هذه القدرة إلى ضرورة لابدّ منها، وتتحول من أسس لتنظيم العلاقة إلى غاية هدفها العامّ هو ضمان السيطرة على الموارد الإقتصادية، واستمرارية الحكم. وكل ما ينتج من طبيعة اجتماعية بعد ذلك افراز لطبيعة هذه السلطة.
تختلف الأنظمة الدكتاتورية بالدرجة فيما بينها لكن لا تختلف بالنوع. كما أنّها تختلف بالوسيلة والغاية، لكن جميعها يمارس التسلّط والطغيان بصوره المتعدده، من التعسّف باستخدام السلطة إلى قمع الحريات أو التضييق عليها أو الجمع ما بين الثروة والسلطة أو مصادرتها لحقوق الشعب المكتسبة وصولاً إلى التحكّم بمصير الشعب ورسم مستقبله دون إرادة منه. وتتفاوت الأنظمة الديكتاتورية في التوفيق ما بين هذه الأشياء كلها، فبعضها يمارس صورًا من هذا التسلط، وأخرى تطبقها كلها على أرض الواقع.
كما أنّ هذه الأنظمة تأتي منطلقة من دوافع مختلفة، بعضها يهدف إلى خدمة الشعب كما يراها هو، وبعضها عميل لدول أخرى بصورة وطنية، والبعض الآخر يبحث عن ثروة يصنعها أو ينميها، وبعضها يهدف إلى تنظيم المجتمع وتأسيس نموذج للدول الأخرى حتى تقتدي به. في الطبيعة الإجتماعية للتجمعات البشريّة أنها تكتسب ملامح شخصية القائد، من باب تبعية المغلوب للغالب، ولايقتصر هذا الأمر على الدول ذات الرمز الأوحد[1] فقط إنما يتعداه للدول الديمقراطية والتعددية، فالرئيس أو القائد أو الزعيم يحصل على مميّزات يوفرها الكرسي له وهي تكفل له أن يصبغ سياسة الدولة بصبغته.
غير أنّ الفرق ما بين الأنظمة التعدديّة والديكتاتورية في هذا المجال هو أنّه في الأولى هناك سعة للتحرك المضاد، ومن التضاد ما بين الأفكار المطروحة[2] يتم تلافي الأخطاء وتجاوزها، وهذا الحراك يسمح بإيجاد حيوية في المجتمع بحيث يتطبع بالصفات الإيجابية ويناهض السلبية[3]، بعكس المجتمعات التي تقودها الأنظمة الديكتاتورية فهي كحمار الطاحونة، يدور في مكانه ولا يبرحه.
والمتتبّع يرى بوضوح هذه الأنظمة تعمد لابتكار الدعاية، وتصنعها حتى تبرر لنفسها موقفها، وتستغل هذا التبرير في خداع شعبها. فتهتم كثيرًا بممارسات شكلية لا تقدّم ولا تؤخر، وغير ذات فائدة في ظلّ سلطة لا تعترف إلا بقراراتها ورؤيتها، كالإنتخابات، وعلى الحفاظ على مؤسسات مسلوبة الإرادة كالنقابات، وعلى السماح بمستوى من النقد العام لطبقة معينة في الصحف والمجلات وباقي وسائل الإعلام حتى تتخلص من الشعور الطاغي بالنفور الشعبي منها.
ومن جهة أخرى تصر هذه الأنظمة على التركيز على مجالاتٍ محددّة تكون هي الذريعة لممارستها لهذا التسلّط الديكتاتوري، وتعتبر الأنظمة هذه المجالات انجازاتٍ لها حققتها بفضل طريقة عملها، مثل التركيز على التخطيط والنهضة العمرانية، أو على المستوى التعليمي والتنظيم الإداري، وأخرى على محاربة الفساد ومدى قدرتها على ضبط الأمن، وبعضها الآخر على مدى رفاهية الشعب الماديّة، بينما في بعض الأنظمة الأخرى تركز على الدور المحوري الذي تمارسه في السياسة الدولية ومركزيتها بالقضايا العامّة أو الإقليميّة.
جميعها هي صور من طريقة عمل السطات الدكتاتورية التي تكبّرها وتقدمها على إنها انجازات خاصة لا يمكن تحقيقها لولا طريقتها السلطوية في التخطيط والتنفيذ، ومسك زمام القرارات. وعادة ما تعمد إلى إبراز سلبيات الأنظمة الديمقراطية من خلال التركيز على السلبيات الموجودة في الأنظمة الأخرى كالتفكك الاجتماعي، أو قلّة الرفاهية المادية أو احصائيات الجرائم المتزايدة، أو صعوبة الحياة عندهم من طرف. ومن طرفٍ آخر تستمر بزرع أفكارٍ إيحائية بأنّ وجودها واستمرارها على رأس السلطة هو ضرورة لابدّ منها فالشعب إمّا قاصر على الوصول إلى الديمقراطية، أو غير قادر على تقبّل التعددية، أو أنه على شفا السقوط في حفرة الفوضى والفساد، أو أن ما تمتع به الشعب في أي من المجالات المذكورة لا يمكن تحقيقه دون هذا النظام تارة، وتارة أخرى تتذرع بقوة الدول الكبرى ورغبتهم باستمرارها. أي تبحث عن الشرعية من خلال زرع الخوف من التفكك الداخلي أو من من خلال الخضوع الخارجي.
يمكن توصيف أسباب ذلك بالاستعانة بنظرية "آلفرد أدلر" بـ«مركب الإحساس بالنقص» حيث تقع السلطة فريسة المنازعة بين إحساسين، الأوّل هو الشعور الشامل بالضعف، والثاني هو الرغبة في أن تكون قويّة. لذا تحاول هذه الأنظمة إيجاد تبريرات متعددة لعلمها بأنها لا تملك القبول العام بين الشعب، فتحاول خلق صورة القوة أو تستعيرها ممن تدور في فلكه، لتخادع بها الشعب لاثبات أهمية وجودها على رأس السلطة.
ولهذا تسقط هذه الأنظمة بمجرد هزّها بقوة، أو تخلّي الأقوى عنها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] راجع: شعوب الرمز الأوحد
[2] راجع: حساسية: حوار
[3] وهذا يتطلب حراكًا فعليًا مؤثرًا بالسلطة، لا خاضعًا لها كما هو الحال في أغلب الأنظمة التسلطية.
راجع: ماذا بعد المعارضة؟
هناك 6 تعليقات:
تحية طيبة...
طبائع الانظمة الديكتاتورية متغيرة ولكن اصولها ثابتة!...
تتكيف بصورة مثيرة مع كافة الظروف وتتوافق مع جميع الشعوب!...
مصدر بلاء انساني على مدار التاريخ...
كل ظالم وله يوم ..
و كم بقى من الحياة كي نعيش و يعيشون؟
التاريخ يحتاج لاكياس زبالة للم الناقصين !
الديكتاتوريه ضروريه ومفيده في بعض الاحيان ولكن على مجتمع لا يفهم معنى العداله
هنيئاً لشعبٍ يُعلي صوت الحقَ ليناله ..
هنيئاً لهم إذ أنَهم أرادوا الحيـاة ..
...
شكراً لك لجرعة المعلومات التي تسقينا أياها دائماً ..
=)
تحياتي ..
OPENBOOK،،
أهلا.
كل نظام يستلهم طبعه من طريقة وصوله للسلطة.
تختلفهم طرقهم، ولكن هدفهم واحد.
شكرا
====
|:|DUBAI|:|،،
سيرة تتكرر طوال التاريخ،
ولكن لا من متعظ!
شكرا
====
أحمد محمدي،،
وقد لا تكفي أكياس الدنيا لذلك!
شكرا
====
غير معرف،،
ومن يشخص عدم معرفة المجتمع بالعدالة من عدمها؟
====
pen seldom..،،
هنيئًا لمن يرسم مصيره بيده،
ولا يجعله معلقًا بيد غيره.
شكرًا
إرسال تعليق