7 سبتمبر 2008

تفلسف عـزاب !

المأذُونْ..
هو الطاهي الذي
يُحوِّلُ علاقاتِ الحُبِّ الجميلةْ
إلى أسماكٍ مُثَلَّجَةْ...

نزار قبّاني


كثيرون مروا علينا في حياتنا نقرا أسماءهم ، و نقرا سيرهم ، و نرى انتاجاتهم التي شكلت حجرًا مهما في مجالاتهم ؛ يقولون أن وراء كل رجل عظيم إمرأة .. قائل هذه العبارة عبقري لأنه لم يحصر المراة في ( الزوجة ) !

هل يمكن للرجل أن يكون مبدعًا و هو أعزب ؟

هذا ما ترويه سيرة الكثير من العظماء في مجالاتهم ، نختلف معهم أو نتفق في النهاية ذكر كلٌ منهم فلسفته التي صاغها ليبرر لنفسه أن يبقى حرًا طليقا بلا أي قيد يربطه ،سيما إن كان في هذا ( القيد ) جناية على النفس البشرية كما ذهب لذلك المعري .

.

- فولتير .

.

فرانسوا ماري أرويه المشهور بـ " فولتير " لدوره في عصر التنوير بأوروبا، فيلسوف فرنسي و كاتب مسرحي لا يمكن لأي شخص يمر على الادب الفرنسي و لا يلحظه ، فولتير يعتبر بمثابة ( شكسبير ) و لكنه يتحدث الفرنسية بدلاً من الإنجليزية ، و على عكس شكسبير كان فولتير يكتب كتبه و آراءه ثم ينزل للشارع ليحرض الناس ضد التعصب و الجهل و يقرن كلماته بأفعاله رغم أنه لم يتخل عن تعصبه لأفكاره ، كان كاثوليكيًا وقف في وجه الكاثوليك و كاتبًا مرموقًا وقف في وجه المتعصبين و دافع عن حرية الرأي و هو صاحب المقولة الشهيرة : أختلف معك بالرأي و لكني مستعد لدفع حياتي ثمنًا لتقول رأيك !

مع هذا تعصب جدًا ضد ( الزواج ) لأنه كان يراه مجرد عائق أمام رسالته في توثيق الحرية و نبذ التعصب و التنوير !

كان تبرير " فولتير " لعدم زواجه رغم أنه وصل لسنه الـ 83 هو :إن الزواج هو المغامرة الوحيدة المتاحة ... للجبناء !

.

- آدم سميث .

.

هل ترى اقتصاد العالم الآن ؟

كله مبني على آراء و نظريات آدم سميث التي صاغ الكثير منها في كتابه ( ثروة الأمم ) لم يكن سميث ( الاسكتلندي ) مجرد عالم اقتصادي بل فيلسوف تشهد له آراءه الكثيرة في قدرته بهذا المجال .رغم أنه تخطى الـ 70 من عمره إلا أنه لم يتزوج أبدًا ، و فلسفته في عدم الزواج كانت نابعة من نظرياته الفلسفية ، فهو يقول :" أعطيني ما أحتاجه منك ، وسأعطيك أنت ما تحتاجه مني " لأنه كان يعتقد أن أساس العلاقة بين البشر هي المنفعة المتبادلة ، بالتالي لا تجب أن تكون المبادلة قائمة على العاطفة البشرية بل على العقل و على حسابات الربح و الخسارة ، و هذا معنى المجتمع عنده ، فأن تعيش بمجتمع يعني أن تعيش بمحيط يتم تبادل المنفعة فيه بين أعضاءه ، لانه إذا اعتمد الإنسان على عطف الآخرين عليه فلن يضمن بذلك اشباع احتياجاته أبدًا!

و الزواج بنظره مجرد علاقة تبادل عنده و لأنها تتطلب عطف و عناية أحد الأطراف ... و العطف و العناية تعني عدم اشباع الحاجات فهي بالنتيجة علاقة خاسرة !

.

- عباس محمود العقاد .

.

لا يوجد أحد لا يعرف هذا الكاتب العملاق ، بكتبه الأدبية أو التاريخية او مقالاته و بحوثه و حتى السير الذاتية التي كتبها للشخصيات الإسلامية المختلفة ، رغم أنه عاش بحالة مادية جيدة و كان له صالون يرتاده الادباء و السياسيون و العلماء و الطلبة ، و رغم اشتهاره إلا أنه لم يتزوج أبدًا !

سألوه كثيرًا لماذا لم يتزوج .. و لم يجب على السؤال بصورة واضحة أبدًا !
في مقالة كتبها سنة 1953 بمجلة الهلال المصرية ، قال العقاد مخاطبًا أمه : " لو وجدت لي زوجة مثلك تزوجت الساعة " كان اعجاب العقاد الشديد بامه التي ربته رغم الظروف الصعبة التي مروا بها ، و قوة إيمانها لدرجة اعتكافها لأيام طويلة السبب في بُعده عن الزواج لأن نظرته لشخصية أمه أعمت عينه عن شخصيات باقي النساء .
ينقل أنيس منصور في كتابه ( في صالون العقاد كانت لنا أيام .. ) ، أن احدى الطالبات سألته يومًا : لماذا لم تتزوج يا أستاذ ؟
هل لأنك لا تحب المرأة أو لأنك لم تجد التي المرأة تناسبك ؟

.. فقال: إن الذين يحبون المرأة و الذين يكرهونها يتزوجونها. فالزواج ليس دليلاً على الحب .. كما أن الطلاق ليس دليلاً على الكراهية ، و العزوبة ليس معناها أن يتساوى لدى الإنسان أن يتزوج و ألا يتزوج ، فلو كان الزواج قائماً على الحب، ما كانت هذه الاختلافات العنيفة بين الأزواج ، إنها تصل إلى درجة الفضيحة و إلى المحاكم و إلى القتل و إلى الخيانة .. و لكن الزواج هو اتفاق في وجهات النظر و في المصالح.
فالذي يحب إنما يحب شخصاً ، و الذي يتزوج إنما يتزوج شخصاً من عائلة لتكون له عائلة هو أيضاً !

.

- أبو العلاء المعري .

.

رهين المحبسين أحمد بن عبد الله التنوخي المعرّي ، الشاعر و الأديب الذي لا يشق له غبار ، و لكنه فوق هذا كله الفيلسوف الذي رفض أن يجعل شعره إلا طريقا ليكتب بها فلسفته في الحياة ، فيصف نفسه قائلاً :

و إني و إن كنتُ الأخيرَ زمانه .. لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ

رغم أنه فقد بصره صغيرًا إلا أن وجود أمه معه ساعده على تخطي هذه العقبة ، فسافر و طاف البلدان يتعلم و يُعلّم حتى ماتت أمه فحبس نفسه في البيت لا يغادره حتى مات ، و يصف حالته بعد وفاة أمه بقوله :

.

و أحمل فيك الحزن حيًا فإن أمت .. و ألقـكِ لم أسلك طـريقًا إلى الحزنِ

و بعدك لا يهوى الفؤاد مسـرةً .. و إن خانَ في وصل السرور فلا يهني

.

هذا الحزن انعكس على أبو العلاء المعري فلم يتزوج طول حياته حتى مات ، و عندما حضرته الوفاة أوصى بان يكتبوا على قبره :

هذا [ ما ] جناه أبي عليّ .. و ما جنيتُ على أحد *

و معنى كلامه : أن والده عندما تزوج و أنجب أبو العلاء فهو جنى عليه لانه وضعه في العالم حيث يتعرض للأحزان و المصائب و الحوادث و الآفات ، فأبو العلاء لم يتزوج حتى لا ينجب و يعرض أولاده لهذه الأشياء المؤلمة !

كان رفضه للزواج من منبع إنساني لأنه يعتقد أن الزواج هو جناية على الأبناء !

.

.

...و العزّاب الأدباء ... لا زالوا يزدادون
* ما بين [ ..] من اضافتي للتوضيح .

هناك 16 تعليقًا:

غير معرف يقول...

معلومات جميلة وجيدة ان كان فيها فقط ذكر للتاريخ... أم اذا كنت تقصد فيها ان ارتباط الرجل بالمرأة ليس سببا كافي لنجاحة فانا اخالفك الرأي...

حيث أن وراء كل رجل عظيم أمرأة..لو رجعت لتاريخ هذة الشخصيات لوجدت ارتباط كل منهم بوالدتة فهي في الاخير إمرأة لكن شعور الأنا دائما يمنعهم من المحاولة..او قد فشلوا في بعض الاحيان وعندها توقفوا عن البحث والتجربة...

ودمتم بخير وسلام

ملاحظة : يرجى ازالة تأكيد المعاقين حيث يسبب اعاقة في كتابة التعليقات:)

Sowhat يقول...

موضوع جميل و شيق وبعد فوات الاوان ايعني هذا انني لن اصبح مبدعا :)

...

امثلة اخري وهي الشعراء تخيل لو تزوج قيس ليلى ... اكنا سنقرأ ذاك الشعر الجميل ؟

لكن على العموم ... في اطار اوسع .. و لرؤية الموضوع بجانب اكبر .. لولا الزواج و العلاقات الطويلة المنجبة للنسل لما كنا سنرى هؤلاء العظماء .. ربما الزواج لا يأتيك بالعظمة ... ولكنه بالتأكيد هو من يصنعها

Yin مدام يقول...

معلومات تاريخية جميلة
لي تعقيب
الرجل والمرأة نصفا الإنسانية وسبب بقائها وإستمرارها
لا يعيش أحدهما دون الآخر
في الشرع الإسلامي لابد من الزواج حتى يحظى الرجل والمرأة بعلاقة شرعية محللة
ولكن في الأديان الأخرى الأمر مباح
هذا هو سبب عدم زواج أغلبية عباقرة العوالم الأخرى ليس لسبب غير أنهم ليسوا بحاجة إلى تشريع علاقاتهم

وأعود أنه حتى في عالمنا العربي والإسلامي يعيش الكثير في عالم متحرر لا يرون داع ولا ضرورة فيه للزواج!
إذا ليس الزواج أو عدمه سبب في العبقرية أو عدمها!!

هنا أقول يا حبذا لو كانت هناك دراسة أو بحث عن المتزوجون المبدعون لوجدوا عددهم يفوق عدد العزاب الذي يحصى على أصابع اليد الواحدة أو الأثنتان :)

كل هذا عشان
YANG
حين يقرأ بوستك لا يقول لي إن الزواج كان العائق أمام إبداعه D:

مع إنه أدري ما يقولها :)

Yang يقول...

أنا أقول ليش مو قادر أبدع.

عشان جذيييييييي .


يبيلا
Plan B

P:

Safeed يقول...

و الموت يعشق فجأة مثلي ،،،،
" الزواج " ليس سببا وحيدا للعظمة ، لان العظمة تتعلق بقابلية الإنسان لها ، و مقدار " عقله و عمله " المستهلك في الوصول لها .
المراة ليست سوى أداة ثانوية في هذه الصناعة ، تحضرني كلمة جميلة لسقراط و هو ينصح أحد تلاميذه بان يتزوج ، فإن تزوج امراة صالحة عاش حياته سعيدا و إن تزوج امراة سيئة صار فيلسوفًا .
" وراء كل رجل عظيم امرأة " ، و امراة جاءت هنا نكرة ، قد تكون خليلة أو صديقة ، او أخت أو زوجة او حتى أم او جدة .. المهم إنها امراة و ليست " زوجة " بالتحديد ، و تأثيرها قد يكون انعكاسا لسوءها كما كانت زوجة سقراط ، أو انعكاسا لفضلها .
هؤلاء الذين في الموضوع انشغلوا في بناء عظمتهم حتى فاتهم القطار ، ثم خافوا من الارتباط ، و عندما استوعبوا الامر " فلسفوه " وفق رؤاهم ليبرروا لانفسهم ما اختاروه ... و مشت فلسفاتهم لتصبح مضربا للامثال .

شكرا لمروركم ...

Safeed يقول...

sowhat ،،،
أحسنت ، ابداعهم تولد من حرمانهم ، و عظمتهم استلهمت من تفردهم ، و سبب تفردهم أنهم خالفوا الفطرة و السنن الإلهية ، و اثبتوا عظمتهم وحدهم دون زواج .. فصاروا رموزا لأنهم مخالفين للتيار السائد .
كل مخالف هو من يتميز لأنه هو من يسير عكس التيار .
العقاد كان مشهورا بمغامراته النسائية ، و مثله توفيق الحكيم و أنيس منصور و لكن الفرق أن الأخيرين استسلما و تزوجا و برر انيس منصور ذلك بان افضل طريقة للتخلص من المراة هو بتملكها .

شكرا لمرورك

Safeed يقول...

Yin ،،،
اقتباس من كلام العقاد :
" إن الذين يحبون المرأة و الذين يكرهونها يتزوجونها. "
لما بغيت أكتب هالمقالة ، كنت ناوي أكتب عن عشر شخصيات على الأقل لكن لأني ادري إن المواضيع الطويلة مملة اختصرتها لأربعة بس ، أغلب هذي الشخصيات ما تميل للفلسفة أبدًا و منهم شعراء و أدباء و علماء مسلمين معروفين و أصحاب كتب إسلامية مشهورة لا تزال تـُدرس من قرون .
أسباب العزوبية كثيرة ، لكن الجميل هو تبرير هذي الشخصيات لعزوبيتهم من خلال صياغتها بأسلوب فلسفي يعطيها نوع من المنطقية و القبول عند الناس .
أكثر من أفرط في كره المرأة كان أنيس منصور مع هذا تزوج بحجة أن " الطريقة الوحيدة للتخلص من المرأة هو بامتلاكها . " ، العقاد لم يفصح أبدًا عن سبب عزوبيته الشهيرة مثله كمثل أبو القاسم الشابي أو جبران خليل جبران لكن أشاروا لها في أدبياتهم بحيث يمكن أن نفهم سبب عزوبيتهم منها .
أفرط العقاد بحب أمه ؟ يمكن .
و في نفس الوقت يمكن أن يكون السبب هو استغراقه في أدبياته و حياته المهنية مثل الجاحظ حتى فاته القطار ، أو يمكن لفلسفة كان يراها ما أفصح عنها ، هذي كلها احتمالات قد تقارب الصحة أو تبتعد عنها و لكن الإجابة الوحيدة و الصحيحة هي عندهم و احنا مجرد نغلب احتمال على آخر ... بس
شكرًا للمرور و التعليق

Safeed يقول...

Yang ،،،

.
.

يعني لو كنت عزوبي للحين ، كان من الممكن نشوف لك كتاب في نقض فلسفة الديالكتيك أو في مناقشة نظرية طاليس بالحركة ؟

:p

Yin مدام يقول...

إقتباس
"و في نفس الوقت يمكن أن يكون السبب هو استغراقه في أدبياته و حياته المهنية "

هذي أوافقك عليها تماما في الجنسين
والنقطة إللي ذكرتها لك أحد الأسباب
وليست السبب الوحيد

وكنت كاتبة إن المرأة تشمل كل أدوارها ولا تختص بالزوجة فقط بس مسحتها لأن صار موضوع شطوله كأنه بوست وليس تعليق

تسلم على هالبوستات
:)

Yang يقول...

إقتباس
" يعني لو كنت عزوبي للحين ، كان من الممكن نشوف لك كتاب في نقض فلسفة الديالكتيك أو في مناقشة نظرية طاليس بالحركة ؟ "


صح صح, انا معاك فلسفة الصعاليك مو زينة, تسوي حساسية,
أما بالنسبة لنظرية طرابليز, فا أخذ معاها أدول.

وشكرا للإفادة :)

MakintoshQ8 يقول...

معلومات رائعه
انا برايي انه لايوجد ارتباط بينهم
مو شرط انه رجل متزوج يبدع ومو شرط اذا كان عزوبي يبدع
يعني يعتمد على الشخص نفسه واذا كان متزوج اكيد لزوجته دور كبير في حياته من ناحيه التشجيع او انها تكسر مجاديفه

Safeed يقول...

Makintosh ،
بالضبط .. ليس هناك تلازم بين الاثنين ، لان الابداع و العبقرية تعتمدان على قابلية الانسان ..
الزواج ليش شرطا للابداع ، و لكن هؤلاء المبدعين رفضوه و لم يتزوجوا ثم صاغوا اسباب رفضهم بحسب فلسفتهم التي ابتكروها :)
شكرا للمرور

غير معرف يقول...

جميل أستاذ سفيد .. معلومات قيمة عن أشخاص مهمين.

أردت التنويه فقط إلى بيت أبي علاء، يجب حذف "ما" الأولى ليستقيم وزن البيت.

و كما غفروا لفولتير تعصبه لآرائه.. اغفر لي تعصبي للشعر.

شكرا.

Safeed يقول...

غير معرف ،،

شكرا للمرور و التصحيح ،
نعم كما ذكرت فالـ"ما" الأولى زائدة إنما وضعت للتوضيح ، و البيت بتمامه هو :
هذا جناه أبي علي .. و لم أجن على أحد .
لذلك وضعت ما بين [] لبيان انها اعتراضية في اصل البيت :)

ZooZ "3grbgr" يقول...

موضوع شيق

ولكن لفت نظري ردك على احد المعلقين

حين ضربت مثلاً في أبي القاسم الشابي

رحمه الله مات في عمر لم يتعدى السادسة والعشرين

يعني بالكويتي ما لحق يصير مضرب عن الزواج أو أن يسمى عزوبي!!

Safeed يقول...

ZooZ ،،

الشابي خريج الزيتونة المدرسة الدينية العريقة و والده شيخ دين مشهور بالصلاح ، و قد عاش في بدايات القرن الماضي هذه كلها دلائل على أن الزواج في ذلك العصر ليس مثل هذا العصر قابل لأن ياتي متأخرا دون أن يطلق على صاحبه أعزبا :)

رغم هذا فالشابي عقد العزم و هو في بداية العشرين على الزواج ، و لكن من أحبها ماتت و انشغل هو بمرضه فمات أعزبا لم يتزوج .

لذلك سمى هذا العالم في احدى أبياته بعالم " الآثام و البغضاء " :)